مقترح خارج الصندوق من محمد المختار الفال للاستفادة من أهل الخبرة

الأربعاء ١١ يوليو ٢٠١٨ الساعة ١٢:٥٣ صباحاً
مقترح خارج الصندوق من محمد المختار الفال للاستفادة من أهل الخبرة

علق الكاتب محمد المختار الفال، على موافقة مجلس الشورى في جلسة الأربعاء الماضي على منح وزير الصحة صلاحية التمديد للأطباء الاستشاريين للعمل حتى سن الـ70 وفق اشتراطات ناقشتها اللجنة الصحية بالمجلس.

وأكد الفال عبر مقال له بعنوان “على هامش قرار الشورى.. أهل الخبرة طاقة وطنية”، نشره في صحيفة “الحياة” اللندنية، أن هذا القرار يعيد، إلى الواجهة، القضية القديمة المتجددة: سن التقاعد والاستفادة من ذوي الخبرة من المواطنين، وهي قضية تثار من وقت إلى آخر في الصحافة المحلية من زوايا مختلفة، يلتزم فيها البعض بالنقاش الموضوعي وينحرف بها آخرون إلى ذاتية تفسد وجاهتها وتجعل المدافعين عنها مظنة التهمة بالدفاع عن مصالح خاصة.

وكان مجلس الخدمة أقر، قبل سنوات، إعطاء الوزير المختص صلاحية تمديد خدمات الأطباء وبعض الفئات الطبية والصحية حتى بلوغ سن الـ65 مع شروط اللياقة المطلوبة لمزاولة العمل بالكفاءة العالية، وتشمل تلك الفئات: الأطباء البشريين والشرعيين وأطباء الأسنان والصيادلة الإكلينيكيين والقانونيين والأشعة والمختبرات.

ورأى الفال أن هذه القرارات مبنية على أن هناك حاجة للاستفادة من قدرات وطنية مدربة ولديها ما تفيد به الوطن وأهله، وأن التفريط فيها ينافي مبدأ الترشيد واستغلال ثروات الوطن، ويحمد للمجالس المختصة متابعتها لهذا الأمر وتجديد مناقشته بغية تطويره بما يضمن حسن الأداء والحيلولة دون الانحراف به عن مقاصده التي تهدف إلى توجيه تلك الطاقات الوجهة الصحيحة.

وأكد الكاتب أن هذا التوجه يحتاج إلى وجود نظام شامل، يضبطه وينظم إطاره لضمان نجاعته، فهو مشروع وطني يتطلب آلية واضحة بمعايير موضوعية قابلة للتطبيق تمنع الأخطاء وتقلل سلبيات الاجتهادات المتأثرة بالطبيعة الإنسانية التي تتحرك في مساحات واسعة من عادات المجتمع، ومن تلك الضوابط الاستناد إلى تقارير الكفاية التي تبرهن على الجدارة لسنوات متتالية، وخلو سيرة المستفاد من خبراتهم من أي شوائب تمس شرف المهنة وأخلاقها.

ولفت إلى أن من القطاعات التي تظهر فيها فوائد مثل هذا القرار قطاع التعليم، في كليات الطب والصحة العامة، فالاستشاري الذي جمع بين خبرة ممارسة التعليم والتراكم المعرفي في الطب السريري لعشرات السنين وتكونت لديه المهارة العالية في إيصال المعرفة إلى طلابه لا يقارن بمبتدئ لا يزال يتلمس طريقه، مع انشغاله بأسباب الترقية وتحسين الأحوال وما يتصل بهما من شؤون الحياة المتشعبة التي تجاوزها معظم المتقاعدين ولم تعد تأخذ من أوقاتهم وأذهانهم الكثير (أتحدث عن أصحاب الكفاءة والجدارة ولا أضع السن معيارًا).

وقال: إن “هذا الذي يقال عن أساتذة كليات الطب، يصح في كل تخصصات العلم، وبالتالي فإن أستاذ الجامعة، في كل الحقول، الذي قضى عشرات السنين في التدريس والبحث والإشراف صقل مهاراته وتحصل لديه من تراكم العلم والخبرة ما يجعله أقدر على أداء وظيفته مقارنة بقادم إليها لم تعركه التجربة وتصقل أدواته، (مرة أخرى: أتحدث عن الأكفاء المبرزين، ولا أتحدث عن الآلاف من الذين ضلوا الطريق فدخلوا الحرم الجامعي أساتذة لا يملكون الموهبة ولا العلم ولا الإشعاع التي هي من مميزات الأستاذ الجامعي المؤثر في طلابه ومحيطه الاجتماعي)”.

وتابع الفال أن “الحديث عن تمديد سن التقاعد لأستاذ الجامعة الكفء، القادر على العطاء بتميز في حقله، يفتح الباب للحديث عن الاستفادة من أصحاب الخبرة في المجالات التطبيقية الذين لا يحملون الشهادات العليا، لكنهم مبرزون في حقولهم، ومنهم الإعلاميون الممارسون، فهؤلاء يمكن الاستفادة منهم في أقسام الإعلام لتدريس المواد التطبيقية كالتحرير الصحافي والإخراج والتصوير والكتابة للتلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي، فهذا النوع من متطلبات الدراسة يجيده من مارسه أكثر من الذين درسوه نظريًا ومساعدة الطلاب على التطبيق أكثر جدوى في الحياة العملية بدلًا من اقتصارهم على التلقي النظري الذي تشبه نتائجه من يتعلم السباحة على الشاطئ وهو لم يبتل جسمه”.

واستكمل الكاتب في مقاله: “بعض الأقسام في جامعاتنا، للأسف، لا يملك مرونة تساعده على تحقيق أهدافه التعليمية ويصر على الالتزام الحرفي بشكليات الشهادة وإن كان صاحبها لا يملك القدرة على أداء متطلبات المهمة التعليمية”.

وكشف الفال: “روى لي رئيس تحرير سابق، في صحفنا السعودية، أن صديقًا يعمل في أحد أقسام الإعلام بجامعة سعودية طلب منه التقدم إلى القسم لتدريس مادة التحرير الصحافي لفصل دراسي وأن القسم رحب بالاقتراح عند سماع اسم المرشح لكفاءته وسمعته ونجاحه المعروف في صحيفته، ولكن حين تقدم، بناء على طلب عضو هيئة التدريس، واجه اعتراض بعض أعضاء القسم لأنه لا يحمل شهادة عليا! لأن لوائح الجامعة لا تسمح، وعلم صاحب الرواية، أن ذلك القسم استعان بأحد حملة (دكتوراه المواسم)، التي وصفها، منتقدًا رافضًا، أستاذنا الدكتور أحمد الضبيب، ذات يوم بـدكتوراه صيف في مقالة مشهورة في مجلة اليمامة، يوم كان حرف (د) براءة تدل على أهلية حاملها للوقوف في الصفوف الأولى لنيل حقه المشروع، وقبل أن يسومه كل مفلس”.

وتابع في مقاله: “أذكر، بهذه المناسبة أن أستاذنا الدكتور محمد عبدالرحمن الشامخ ذكر لنا في أولى محاضراته لطلاب الماجستير في كلية الآداب بجامعة الرياض (الملك سعود) أنه اطلع على إحصاء يشير إلى أن 60 في المائة من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات البريطانية عام 1957 لا يحملون درجة الدكتوراه، وكان ينصح من لا يريد أن يكون أستاذًا جامعيًّا ألا يفرغ الجهد في الحصول على الدكتوراه وأن الأصلح له الاتجاه إلى تعميق معرفته في الحقل الذي يريده مهنة له من خلال الدورات المتخصصة والتدريب المهني مع تعلم لغة أو أكثر”.

وأكد الفال أن “كانت لنصيحته المخلصة أثرها الإيجابي على من أصغى إليها، لكنه ما درى أن (الدكتوراه) أصبحت (زينة) تشترى بالمال في سوق الزيف ومواسم الاستسهال ولم تعد قاصرة على شهادات (رحلات الصيف) التي عابها الدكتور الضبيب وكشف عوارها، ووقف أساتذة قسم اللغة العربية بكلية آداب جامعة الرياض في وجه من حاول إلحاق أحد الحاصلين عليها بالقسم “.

وأردف: “ذكريات تداعت ولم تكن مقصودة استدعتها فكرة الاستعانة بأصحاب الخبرة في العديد من الحقول”.

وتم بالقول: “إنني أرى أن قضية الاستفادة من أصحاب الخبرة، في الحقول المختلفة، مشروع وطني يستحق أن يحظى بما يبلوره في صورة واضحة تحتاط للمحاذير وتستحضر الفوائد”.