حافلة الموت .. فاجعة البحر الميت تفطر قلوب الأردنيين ووعود بمحاسبة المقصرين

الجمعة ٢٦ أكتوبر ٢٠١٨ الساعة ٣:٥٩ مساءً
حافلة الموت .. فاجعة البحر الميت تفطر قلوب الأردنيين ووعود بمحاسبة المقصرين

تتحجر الدموع في المآقي، وتغص الصرخات في الصدور على أرواح أطفال بعمر الزهور فقدهم الأردن في مأساة إنسانية حطمت قلوب الأردنيين، وأثارت علامات استفهام حول غياب المسؤولية من جديد، والتي دائمًا ما تنتهي بحوادث مفجعة يذهب ضحيتها المواطن.

حافلة الموت:

خرج طلاب الصفين السابع والثامن من مدرسة فيكتوريا بمنطقة “مرج الحمام”، مبتهجين في رحلة مدرسية ترقبوها بحماسة، وسرعان ما باغتتهم السيول المرتفعة وهم جلوس في إحدى المناطق المنخفضة لتجرفهم إلى البحر.

حادث قاسٍ وليلة حزينة عاشها الأردنيون، بعدما ابتلعت السيول حياة 20 طالبًا في مقتبل العمر، ولم يتمكن الأطفال من النجاة بسبب صعوبة جغرافية المنطقة والجرف الصحراوي الذي عقّد مهمات الإنقاذ.

وانتفضت بيوت الأردنيين حزنًا على وقع الحادث الأليم، مطالبين بسرعة محاسبة المقصرين، ومنددين بالتقصير الحكومي، وسط مطالبات بإقالة عزمي محافظة وزير التربية والتعليم ونخبة من كبار المسؤولين الأمنيين، مع انتشار أخبار عن قيام أهالي الضحايا المكلومين بإحراق مقر المدرسة التي سمحت بالرحلة.

وقضى الأردنيون ليلتهم حتى ساعة متأخرة يفكرون في ملابسات السماح لمدرسة بتنظيم رحلة انتهت بواحدة من أسوأ الحوادث خلال موسم الشتاء في البلاد.

هذا النوع من السيول الناجمة عن الأمطار ليست بالأمر النادر في الأردن في مثل هذه الفترة من السنة، لكن الخسائر كانت مرتفعة هذه المرة، فالبحر الميت أكثر البقع انخفاضًا على وجه الكرة الأرضية، ونتيجة الأمطار تتشكل السيول وتفيض المياه القادمة من الجبال في الوديان القريبة التي تصب فيه.

وعلى الرغم من مباشرة السلطات الأردنية بمشاركة طائرات سلاح الجو ومروحيات وآليات للجيش للبحث عن مفقودين في المنطقة، ونجاحها في إنقاذ 34 شخصًا بينهم حالات لا تزال حرجة وفق تقارير، من المتوقع أن تطرح القضية على نطاق أوسع في البرلمان الأردني، ليصبح التركيز على كشف الأسباب الإدارية وراء سماح مدرسة خاصة بتسيير رحلة في ضوء إعلان حالة طوارئ قصوى بسبب الأمطار وتوقع سيول.

محاسبة المقصرين:

أعلن الديوان الملكي الأردني، تنكيس العلم حدادًا على أرواح الطلاب والمواطنين لمدة 3 أيام، وألغى العاهل الأردني زيارة كانت مقررة الجمعة إلى البحرين لمتابعة الحادث.

وكتب في تغريدة على موقع التدوينات المصغر “تويتر”: “حزني وألمي شديد وكبير، ولا يوازيه إلا غضبي على كل من قصر في اتخاذ الإجراءات التي كان من الممكن أن تمنع وقوع هذه الحادثة الأليمة”.

في غضون ذلك أعلن العاهل الأردني ترأسه لاجتماع في مجلس السياسات الوطني لبحث تداعيات كارثة السيول في منطقة الأغوار.

وعلقت الملكة رانيا العبدالله على حادثة البحر الميت قائلة: “قلوبنا انفطرت من هول الفاجعة. ندعو بالرحمة على من فقدنا، واللهم صبر أهلهم وأعنهم على مصابهم، وخفف على كل مصاب واكتب النجاة للمفقودين”.

من جهتها أعلنت مديرية الأمن العام في بيان عن “إغلاق الطرق المؤدية إلى مكان عمليات البحث بالاتجاهين في منطقة البحر الميت منذ الساعة السابعة صباح الجمعة؛ وذلك لاستمرار عمليات البحث والإنقاذ”.

وحملت جمانة غنيمات، المتحدثة باسم الحكومة الأردنية، المدرسة المنظمة، مسؤولية حادث الحافلة المدرسية، فيما أكدت مصادر أردنية أن تصريح الرحلة كان لمنطقة الأزرق وليس إلى منطقة البحر الميت.

وقال وزير التربية، عزمي محافظة في بيان: إن “الوزارة ستفتح تحقيقًا شاملًا للوقوف على حقيقة ما جرى”، مشيرًا إلى أن “منظم الرحلة يتحمل بالكامل مسؤولية ما جرى”.

وأوضح أن “الرحلة المدرسية التي جرفتها السيول في منطقة البحر الميت خالفت مسارها الموافق عليه من الوزارة”.

من جانبه قال رئيس الوزراء عمر الرزاز: إن المدرسة خالفت على ما يبدو تعليمات من وزارة التعليم التي تحظر الرحلات إلى البحر الميت؛ بسبب سوء الأحوال الجوية، وتوعد في تغريدة أخرى بمحاسبة المدرسة المسؤولة عن تسيير رحلة الطلاب.

وقال الرزاز: إنه “يوم حزين على الأردنيين”، متعهدًا باتخاذ خطوات لاحقة للتحقيق في الحادث ومحاسبة المقصرين.

سرادق عزاء:

وأعربت المملكة عن تعازيها للأردن بضحايا السيول. وبعث الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده، محمد بن سلمان، برقيتي تعزية للعاهل الأردني.

وقال الملك سلمان: “علمنا بنبأ السيول التي اجتاحت بعض مناطق المملكة الأردنية الهاشمية، وما نتج عنها من وفيات وإصابات ومفقودين، وإننا إذ نبعث لجلالتكم ولأسر المتوفين ولشعب المملكة الأردنية الهاشمية الشقيق باسم شعب وحكومة المملكة العربية السعودية وباسمنا أحر التعازي وأصدق المواساة، لنرجو المولى سبحانه وتعالى أن يتغمد المتوفين بواسع رحمته ومغفرته، ويلهم ذويهم الصبر والسلوان، وأن يمن على المصابين بالشفاء العاجل، وأن يكتب عودة المفقودين سالمين، ويحفظكم وشعب المملكة الأردنية الهاشمية من كل سوء ومكروه؛ إنه سميع مجيب”.

وقال الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع في برقيته إلى الملك عبدالله الثاني: “تلقيت نبأ السيول التي اجتاحت بعض مناطق المملكة الأردنية الهاشمية، وما نتج عنها من وفيات وإصابات ومفقودين، وأعرب لجلالتكم ولأسر المتوفين كافة عن بالغ التعازي وصادق المواساة، سائلًا الله تعالى الرحمة للمتوفين، والشفاء العاجل لجميع المصابين، وعودة المفقودين سالمين؛ إنه سميع مجيب”.

من جانبه عبّر محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات، عن وقوف بلاده مع الأردن في هذا الحادث الأليم، وكتب في تغريدة له: “قلوبنا مع أهلنا في الأردن، مصابهم مصابنا في حادث انجراف حافلة الأطفال في السيول”.

من جهته قدم الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي التعازي إلى الملك عبدالله الثاني والشعب الأردني، وقال في تغريدة على موقع التغريدات المصغر تويتر: “نشاطر أهلنا في الأردن مصابهم الأليم في ضحايا السيول التي اجتاحت مناطق واسعة ونسأل الله تعالى أن يتغمدهم بواسع رحمته ويمن بالشفاء على المصابين ويحفظ الأردن وأهلها من كل مكروه.. خالص العزاء والمواساة إلى جلالة الملك عبدالله الثاني والشعب والأردني الشقيق”.

في ذات السياق تلقى العاهل الأردني اتصالًا هاتفيًّا من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وقدمت الخارجية المصرية في بيان، تعازيها لأسر الضحايا، مؤكدة وقوفها حكومة وشعبًا مع حكومة وشعب المملكة في هذه المحنة.

وتحولت مواقع التواصل الاجتماعي لسرادق عزاء عبر فيها المواطنون عبر وسم سيول البحر الميت عن حزنهم وتعازيهم ودعواتهم للأطفال المتوفين ومواساتهم لذوي الضحايا.

وتصدر الوسم قائمة الأعلى تداولًا في الأردن والإمارات ومصر والسعودية والعديد من الدول العربية، بمشاركة واسعة تعدت آلاف التغريدات لتخلد ذكرى ليلة حزينة عاشها الأردن.