صور.. قرية رجال التراثية تاريخ عريق يستعد للإطلالة العالمية

السبت ٢٧ أكتوبر ٢٠١٨ الساعة ٢:٣٥ مساءً
صور.. قرية رجال التراثية تاريخ عريق يستعد للإطلالة العالمية

أنهت قرية “رُجال” التراثية التابعة لمحافظة رجال ألمع بمنطقة عسير، متطلبات الانضمام لقائمة التراث العالمي في منظمة “اليونسكو”، وتنتظر وصول وفد علمي من المنظمة الدولية التابعة للأمم المتحدة المعنية بالثقافة والفنون والتراث.

وترتكز أهمية القرية التاريخية والأثرية على عمقها الحضاري وريادتها في مجالات عدة من أبرزها التجارة والفنون المعمارية الفريدة المتمثلة في الحصون الشاهقة المبينة بطريقة فنية بديعة تجمع بين الجمال والإتقان واستغلال المساحات بشكل لافت، حيث تتراص ثمانية حصون على مساحات صغيرة متقاربة، لتصنع كتلة واحدة بارتفاعات متفاوتة، يصل ارتفاع بعضها إلى 6 طوابق زخرفت من الخارج بحجر “المرو” الأبيض، كما زينت من الداخل بالنقوش الفنية التي يطلق عليها ” القط العسيري”، مما جعلها مقصدا للزوار القادمين إلى منطقة عسير من داخل المملكة وخارجها.

وأكد صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن خالد بن عبدالعزيز أمير منطقة عسير خلال لقائه الخميس الماضي بعضو المجلس الدولي للمعالم والمواقع ” ICOMOS” الدكتور حمزة دنصر، أهمية تسجيل قرية ” رجال ” التراثية ضمن المواقع الأثرية والتراثية في قائمة التراث العالمي ” اليونسكو”، لإبراز البعد التاريخي والحضاري للمملكة محليًّا ودوليًّا، مشيدًا سموه خلال اللقاء بالجهود المبذولة التي يقدمها أهالي رجال ألمع وإيمانهم العميق بأهمية المحافظة على التراث العمراني الذي تشتهر به القرى الأثرية في المحافظة، مما يجعلها وجهة سياحية للزائر لمنطقة عسير.

ويتابع صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن طلال بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة عسير، الأعمال الجاري تنفيذها لتطوير قرية “رجال”، واستكمال المتطلبات الرئيسية لتسجيل القرية في قائمة التراث العالمي باليونسكو، مبينًا سموه أن الأعمال الجاري تنفيذها في القرية تشمل ترميم وتعديل بعض الواجهات الرئيسية لمباني القرية ومعالجة الأرضيات والجدران والممرات والأسقف للقرية بما يتناسب مع متطلبات التسجيل، إلى جانب تأمين المقتنيات التراثية التي تحتوي عليها القرية في صناديق مخصصة تمكّن الزائر من الإطلاع والمحافظة عليها.

وعدّ نائب أمير منطقة عسير قرية “رجال ” التراثية أحد أبرز المواقع التراثية التاريخية التي تعمل الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني على تطويرها ضمن مشاريع برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري، منوهًا سموه بالدور الذي يقوم به أهالي منطقة عسير في المحافظة على التراث الوطني بصفة عامة، وما قدمه أهالي رجال ألمع لقرية “رجال” من عناية خاصة وعمل دؤوب جعل منها مقصدًا سياحًا بارزًا على المستوين المحلي والدولي.

ووقف صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني خلال جولته التفقدية الأسبوع الماضي على سير أعمال التأهيل في قرية “رجال”، موجهًا بشمول أعمال التطوير للمنطقة المحيطة للقرية، وتوفير الأماكن السياحية الجاذبة وإنشاء مراكز نموذجية للإيواء لتكون نقطة جذب للزوار الذين يتشوقون لمعرفة تراث المنطقة وتاريخها العريق، مشيدًا بما حدث من تكامل بين فرق العمل للوصول إلى الأهداف المرجوة.

وأكد سمو الأمير سلطان بن سلمان، حرص القيادة الرشيدة على دعم المشروعات السياحية في المملكة، لتصبح وجهات سياحية جاذبة لزوار المملكة من مختلف بلدان العام، لافتًا إلى أن الهيئة عملت خلال السنوات الماضية على تهيئة الأنظمة والمسارات وأهلت الشركاء حتى أصبحوا يقودون القطاع السياحي بكل كفاءة واقتدار، إيمانًا بأهمية السياحة ودورها في إيجاد الفرص الوظيفية لأبناء الوطن والإسهام في دفع عجلة الاقتصاد الوطني، إلى جانب توفير البرامج التمويلية الداعمة لهم في هذا القطاع.

ويمكن للزائر الوصول إلى قرية “رجال” عبر عدة طرق أهمها عقبة الصماء الرابطة بين مدينة أبها ومحافظة رجال المع مرورًا بمركز السودة الأشهر سياحيًّا على مستوى المملكة، في مدة لا تتجاوز 30 دقيقة، إلى جانب طريقين آخرين تربطها بمحافظة محايل عسير ومركز الحبيل المؤدي إلى محافظة الدرب التابعة لمنطقة جازان.

وعلى الرغم من تعدد الآراء العلمية حول تاريخ “رُجال” فقد تناول الباحث محمد حسن غريب في كتابه المؤلف من 4 أجزاء، تاريخ القرية ونشأتها وتطورها الذي شهدته على مر التاريخ، حيث يشير إلى أن “شواهد الفعل الحضاري من مبان وطرق وحاميات ومدرجات زراعية وآبار ومقابر مكتظة بساكنيها، وما كشفته السيول قديمًا في بعض أوديتها من مساكن مطمورة تحت الأرض وكذلك وجود الفحم الذي ظهر في إحدى الآبار المحفورة عام 1375هـ في حي “عسلة” على عمق 30 مترًا، يعطي دلالة قطعية على قدم الاستيطان والاستقرار البشري الذي كان يسود القرية قبل القرن العاشر الهجري، وعبر مراحل نموها وازدهارها “.

ويؤكد غريب أن البعد التجاري القديم للقرية كان الأشهر في المنطقة، ويقول عن تجارها قديما “كانوا في تجارتهم يضربون في الأرض ضربًا بعيدًا فيصلون إلى أقصى مكان يعرف من عالمهم آنذاك حيث ظلت المراكب الشراعية التي يستأجرونها لنقل البضائع من عدن والحديدة والحبشة تمخر عباب البحر الأحمر مثقلة بصنوف السلع التي ابتاعوها من تلك الجهات، مما أكسبهم قوة اقتصادية لا يستهان بها” مضيفا” مما يلحظ أن بلدة رجال برجال ألمع بقيت حقبة من الزمن مقصدًا للقوافل القادمة من موانئ البحر الأحمر، وبالذات من مراكزه التجارية الداخلية والخارجية، كما ظلت محط رحال للتجار القادمين من جدة والقنفذة والقحمة وجازان والحديدة وعدن وبعض دول الساحل الشرقي الإفريقي كجيبوتي ومصوع والحبشة “.

ويشير غريب إلى أن السلع التي كانت تباع في دكاكين أهل القرية آنذاك هي السلع الهندية، والمصرية واليمنية والأوروبية والإفريقية حتى من شرق آسيا من اليابان والصين، وقد يجمع بعضهم بين ضروب التجارة كالمعطارة، والأغذية، والحبوب، والأدوات المنزلية، والتوابل، والعطور، والأقمشة، والحلي، والعقاقير الطبية، والكماليات، والسلاح، والجلود، والسمن، والعسل.

وتؤكد الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني أن قرار تأهيل وتطوير قرية “رٌجال” بمحافظة رجال ألمع يأتي لما تمثله القرية من أهمية، ولمبادرة أهاليها للحفاظ على قريتهم لوعيهم بما تحتويه من تاريخ عريق وثقافة وشاهدًا على مشاركتهم في ملحمة توحيد هذا الوطن الغالي وهو ما شكل إضافة إلى طبيعة القرية الخلابة ومناخها المعتدل على مدار العام.

وكونت هذه العوامل القاعدة الأساسية المحركة للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بالتعاون مع إمارة منطقة عسير وأمانة المنطقة وعددًا من الجهات الحكومية والخدمية والأهالي لوضع مخطط لتطوير وتأهيل القرية بما في ذلك تحسين البنية الأساسية فيها وإيجاد فرصٍ اقتصادية ذات قيمةٍ تراثية للقرية يستفيد منها سكانها، بما يجعلها من أهم المقاصد السياحية التراثية في المملكة، حيث كانت القرية من أول خمس قرى تراثية على مستوى المملكة تبنتها الهيئة عند تأسيسها.

ومرت قرية “رجال” بمراحل تطويرية متعددة شملت المسرح المفتوح الذي يقع على مساحة 615 مترا مربعا، ويتسع لحوالي 1000 شخص، إلى جانب المساحات المجاورة وهى عبارة عن أماكن للتسوق تعرض فيها المنتجات التي تشتهر بها البلدة على وجه الخصوص ومحافظة رجال ألمع بصفة عامة، كما تمت زيادة الرقعة الخضراء بحوالي 7 آلاف متر مربع، وأقيمت 15 مظلة وجلسات عائلية على مداخل البلدة، ورصفت الممرات وأعمدة الإنارة على الطريق المتفرع من الطريق الرئيسي المؤدي إلى البلدة.

وبدأ الاهتمام بتوثيق التراث المادي لمحافظة رجال ألمع من خلال إنشاء أحد أقدم المتاحف الأهلية في المملكة وهو “متحف ألمع الدائم للتراث” 1405هـ/ 1985م وذلك بأحد حصون قرية” رُجال”، بمبادرة أهلية من طيف واسع من أهالي محافظة رجال ألمع، ويحتوي على أكثر من 2800 قطعة أثرية موزعة على 12 غرفة خصصت كل واحدة منها لنوع معين من التراث مثل الأدوات الزراعية ولباس الرجل والمرأة وزينتهما قديمًا وأدوات الطبخ ومستلزمات القوافل وأدوات التعليم القديم وغيرها من مظاهر الحياة القديمة إضافة إلى قسم للمخطوطات النادرة.

ويسرد الباحث محمد حسن غريب قصة إنشاء هذا المتحف قائلا: “تم إنشاؤه عام 1405هـ بمبادرة عامة من أهالي المحافظة لحفظ تراث المنطقة، وقد اختير حصن آل علوان بقرية رجال، ويعد من أكبر الحصون فرمم بتعاون كثير من أبناء رجال ألمع كل بحسب إمكاناته وخبرته، وتولى أبناء القرية جمع المقتنيات القديمة التي تبرع بها الأهالي، وأسهم نساء القرية بنقش القصر بإشراف الفنانة الألمعية فاطمة علي أبو قحاص- رحمها الله- ومن ثم تبرع الكثير منهن بحليهن القديمة من الفضة وبعض مدخراتهن من الزينة، واكتمل العمل بالمتحف، وحصل على الكثير من الدعم والاهتمام والتشجيع من قبل المهتمين بالسياحة، ثم افتتحه صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة عسير- آنذاك- عام 1407هـ، وبدأ المتحف يمارس دوره كقناة ثقافية سياحية منذ ذلك الحين، حتى أصبح الزوار يقصدونه من جميع أنحاء العالم وعلى مدار العام، وقد تزايد عدد زواره بعد افتتاح مشروع العربات المعلقة في السودة وتأمين المواصلات بين محطة العوص والمتحف، وكان لذلك دور مهم في تسهيل زيارة المتحف، وخاصة في فصل الصيف حيث يبلغ الموسم السياحي ذروته.

وتحتضن القرية على مدار العام نشاطات منوعة ومهرجانات وفعاليات ترفيهية شهرية وأسبوعية وتنظيم رحلات سياحية لجهات حكومية وخاصة، كما تحتضن القرية ” مجلس ألمع الثقافي” الذي حقق حضورا جيدا على مستوى المملكة، ونظم فعاليات عديدة لأسماء ثقافية معروفة على المستوى العربي، وقد فازت القرية عام 1427هـ بجائزة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان للتراث العمراني.