هل أفل نجم الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس؟

السبت ٢٠ أكتوبر ٢٠١٨ الساعة ٧:٥٤ مساءً
هل أفل نجم الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس؟

يترقب العالم أُفول نجم الإمبراطورية التي وُصِفَت بأنها لا تغيب عنها الشمس، في حدث يعد أكبر تحول سياسي في تاريخ بريطانيا منذ 40 عاماً، فلم يتبقَ سوى 6 أشهر على حلول موعد خروج بريطانيا رسمياً من الاتحاد الأوروبي والمقرر في 29 مارس 2019.

وتقترب العاصمة التاريخية لقطاع الأموال الأوروبي من “ساعة الصفر” لتجد نفسها خارج السوق الموحدة “مجردة” من كل ثقلها الاقتصادي والصناعي الأمر الذي سيصب في خانة المستفيدين الذين ينتظرون هذه اللحظة بفارغ الصبر.

محادثات بروكسيل.. فشل متكرر:

للمرة الثانية باءت محادثات حاولت دفع المفاوضات المتعثرة حول قضية الحدود الأيرلندية بعد ” بريكست” بين بروكسيل ولندن بالفشل، فبعدما توصل المفاوضون في الاتحاد الأوروبي في 14 من الشهر الجاري إلى اتفاق مؤقت سرعان ما ألغي بعد ساعات قليلة تاركين المرحلة التالية من المحادثات في أيدي رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي.

لم تتمكن رئيسة الحكومة البريطانية” تيريزا ماي” من الوصول لاتفاق مع قادة الاتحاد حول الإجراءات التنفيذية لخروج لندن من الاتحاد خاصة وهي تواجه حملة معارضة شرسة بداخل حزبها الذي من المتوقع أن يصوت ضد خطتها المقترحة.

على الرغم من تمسك “ماي” بمقترح خطتها “تشكيرز” كأفضل مقترح جاد وموثوق به من وجهه نظرها يصر الاتحاد الأوروبي على الجانب الآخر على عدم وجود حدود صعبة بين بريطانيا وجمهورية أيرلندا مع بقاء أيرلندا الشمالية ضمن المنطقة الجمركية الاتحادية أو إنشاء حدود في بحر أيرلندا بشكل جدي إن لم يتم التوصل لاتفاق بديل.

عاصمة المال الأوروبي في طريقها للأفول:

أثار استمرار الخلاف بين الجانبين مخاوف سوق الأعمال في المملكة المتحدة إذ فتح الباب على مصراعيه لعواصم أخرى أوروبية لتقوم بسحب البساط من تحدت أقدام بريطانيا.

ويرى مراقبون أن بريطانيا في طريقها لخسارة حتمية تستفيد على وقعها دول أوروبية أخرى، لا سيما أن العديد من البنوك الاستثمارية قامت بنقل الوظائف والنقود إلى خارج لندن، كما أن عدد الموظفين في المصانع شهد انخفاضاً كبيراً في جميع أنحاء بريطانيا وفقاً لتقارير أخيرة.

وأدى فقدان سيطرة بريطانيا على رأس المال الأجنبي والموارد إلى تأثر قطاع التكنولوجيا والخدمات الغذائية إذ تعتمد مزارعها ومصانعها على 40% من القوة العاملة في الاتحاد الأوروبي.

ويشير محللون إلى أن أكبر العواصم المستفيدة من خروج بريطانيا من الاتحاد هي دبلن وفرانكفورت وباريس نظراً لما يبذلونه من جهود كبيرة في سبيل جذب الأعمال التجارية من داخل المملكة المتحدة.

وكان لإعلان بنك “بلاك روك” وبنك “جي بي مورجان تشيس” الانضمام إلى “بنك بانك أوف أمريكا” صدى كبير في الأوساط الاقتصادية حيث أظهر استمرار نزيف لندن وفقدانها لمجموعة مهمة من الأعمال والمشاريع.

عواصم تتسابق لسحب البساط:

تعمل بعض العواصم الأوروبية على استغلال الفرصة لتنافس لندن في سوق الأعمال الدولية، وتسعى عواصم مثل باريس وفرانكفور ودبلن لاستقطاب الشركات الدولية الكبرى التي تفكر في الانسحاب من المملكة عقب خروجها من الاتحاد لتصبح بريطانيا مهددة بخسارة مكانتها التاريخية كعاصمة لقطاع المال الأوروبي.

وتتنافس كل من فرانكفورت وباريس ودبلن على استقطاب وجذب رأس المال الأجنبي المنسحب من بريطانيا.

في غضون ذلك تقوم أيرلندا باستغلال الفرص حيث قدمت عروضاً لا يمكن للمستثمرين الأجانب رفضها، فالضرائب المنخفضة واللوائح والقوانين السلسة من شأنها أن تجذب المستثمرين من بريطانيا إلى أيرلندا بكل سهولة، كما أن دخول أيرلندا إلى السوق الموحدة يعد جاذباً كبيراً للشركات البريطانية.

وتخطط ألمانيا على المدى الطويل للحصول على جزء من الأعمال من بريطانيا، فلم تكن الحملات الإعلانية المبهجة في برلين وتلك التي تجريها دبلن على هيئات التنمية الصناعية سوى جهود في طريق الإصلاح على حساب خروج بريطانيا والحلول محلها.

وشهدت لندن محاولات حثيثة لاستقطاب وصيد الشركات الدولية حيث جابت شاحنة في 2016 شوارع لندن كتب عليها رسالة ” عزيزاتي الشركات سنسعد بانتقالكم إلى برلين” في إعلان صريح عن رغبة ألمانيا في إنعاش اقتصادها على حساب خروج بريطانيا.

إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وإن كان “مصيبة” بالنسبة لها، فهو فائدة بالنسبة لدول أخرى تسعى جاهدة لأخذ مكانها الاقتصادي والمالي في أوروبا، في وقت يقوم فيه مؤيدو “البريكست” بالضغط بغية طرد الأعمال والمؤسسات خارج بريطانيا.

ومن المتوقع حسب بيانات مركز بروغل للأبحاث الاقتصادية أن تخسر بريطانيا حوالي 30 ألف وظيفة في الخدمات المالية بسبب البريكست وستكون فرانكفورت هي المستفيد الأكبر الذي سيرث بريطانيا بعد ذلك فمن هو وريث الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس؟