وفاءً لمن اختاروا الطريق الصعب

الأربعاء ٢٦ يونيو ٢٠١٩ الساعة ١٠:٢١ صباحاً
وفاءً لمن اختاروا الطريق الصعب

من السهل على الإنسان أن يكون قاسيًا، لأن القسوة في بعض المواقف الإنسانية مريحة، فهي تقوم على التجاهل وغياب الضمير وتنامي الأنانية.

لكن لا يمكن تعميم هذه الممارسة لأن هناك من يكسر هذه القاعدة، هناك من يعلمنا بدماثة خلقه وحضور قلبه ونقاء روحه وصفاء نيته، أن الحياة أجمل وتوجد فيها مُثل جميلة وعادات كريمة لا صلة للقسوة بها ولا للأنانية مكانًا فيها، ومن هؤلاء أستحضر الدكتورة الراحلة عائشة أوتز أستاذة علم السلوك في جامعة الملك سعود للعلوم الصحية، التي كانت شغوفة بتعليمنا وتقدم مادتها العلمية بطرق مبتكرة وسهلة وتستعين بمقاطع فيديو ومصادر خارجية لتبسط المفاهيم ولتصل إلى قلب كل طالبة ولعقل كل من تريد العلم والمعرفة، جدولها مزدحم وهي غارقة في كمبيوترها تقرأ وتبحث لتجهز شرح المحاضرات القادمة.

لكن أستاذة علم السلوك كانت تعلمنا هذه المادة بطريقة أخرى خارج المحاضرة والدرس وذلك من خلال سلوك أخلاقي عالٍ جدًا، حيث كانت تتمتع برؤية محمَّلة بالحنان والتقدير لتلامذتها فتلتمس لهن العذر وتساعدهن قدر استطاعتهن، على سبيل المثال أستحضر أعداد الطالبات اللاتي يغادرن محاضرتها عند وجود اختبارات فيستغللن وقت محاضرتها في مذاكرة مواد أخرى، لكنها قابلت هذا السلوك من الطالبات بحب وتقدير، أتذكر كلماتها وهي تقول: “أنتن نساء كبيرات وتعرفن كيف تنظمن أوقاتكن وأولوياتكن”.

كبيرات! كم تم استخدام هذه الكلمة لإثقال كاهلنا، أما الدكتورة عائشة فقد كانت الوحيدة التي استخدمتها في مكانها الصحيح بحب وبفعل على أرض الواقع، لم تشتم، لم تعاقِب، لم تُعنف، لقد راهنت على عقولنا لقد علمتنا أن سلوكياتنا مسؤولية كبيرة.

أصيبت الدكتورة عائشة أوتز بورم سرطاني، ورغم فداحة المرض وقسوته إلا أنها كانت تأتي إلى الجامعة حتى وصل بها أن تحضر على كرسي متحرك.

في الحادي والثلاثين من مارس 2019، نعت جامعتنا أستاذتي القديرة حيث توفاها الله.

أنا أعلم يا معلمتي الغالية أن الطيبة طريق صعب ومنهك، والقسوة مريحة، وأنتِ اخترت الطريق الصعب، لكنه الطريق الذي جعلك في قلوبنا وذاكرتنا إلى الأبد.

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (حُرم على النار كل هين، لين، سهل، قريب من الناس).

الدموع التي انسكبت أمام باب مكتبها عبرت عن كل الحزن والصدمة التي لا يمكن للكلمات أن تعبر عنها، لست وحدي بل كنت أرى الألم والدموع في أعين زميلاتي عندما اجتمعنا لجمع بعض المال لعمل وقف على نيتها.

لم نفقد إنسانًا عابرًا بل فقدنا من كان يشعر بنا ويرحمنا، وكان هاجسه السلوك القويم قولًا وفعلًا.

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق
الاسم
البريد الإلكتروني

  • ali alismil

    الله يرحمها ويسكنها فسيح جناته ولكل اجل كناب ان في الموت عظمة العوعظة ليتعظ به المتسلط على منهم دونه