تحذيرات من الفوضى الإعلامية وحلول مقترحة في أدبي أبها

الثلاثاء ٣٠ يوليو ٢٠١٩ الساعة ١:٣٤ صباحاً
تحذيرات من الفوضى الإعلامية وحلول مقترحة في أدبي أبها

حذرت ندوة “مسؤولية الإعلام اليوم”، التي نظمها نادي أبها الأدبي، أمس الأول الأحد، ضمن فعالياته الثقافية بصيف عسير، تحت شعار “مرحبًا ألف في عسير”، من الفوضى الإعلامية الراهنة مع تسيد الوسائل التقنية الجديدة، التي هي جزء من الفوضى التي تضرب الوطن العربي، وأن عدم الوعي بالمخاطر الأمنية المحيطة بالبلاد وتحديات الاستقرار الأمني، يسهل اختراق الوعي، منادية بمواكبة الأدوات الجديدة والنهوض بها والعمل على طرائق جديدة في صناعة الوعي.

وشارك في الندوة مساعد رئيس تحرير صحيفة عكاظ سابقًا الأديب والناقد والشاعر سعيد السريحي، ورئيس قسم الرأي في صحيفة الوطن سابقًا رئيس قسم اللغة العربية بجامعة الملك خالد الأديب والشاعر والناقد أحمد التيهاني، وبإدارة عضو هيئة التدريس بقسم الإعلام والاتصال بجامعة الملك خالد محمد شامي.

تحول أدوار وفوضى وحلول:

وعرج سعيد السريحي في بداية حديثه إلى نشأة الصحافة، التي كان معظم من يعمل فيها من الأدباء، وتتوخى إصلاح المجتمع وما هو معوج أو مختل فيه ومناقشة المثالب التي يعاني منها، وتتلمس ما يتفشى فيه من قصور وما يعانيه من تقصير، وترسم الطريق للمجتمع نحو حياة أفضل ومستقبل مشرق، إذ كانت صحافة رأي ليس للإخبار أو الأخبار فيها إلا النصيب الأدنى، وكانت صحافة أفراد لم يلبثوا أن أصبحوا نخبة المجتمع وقادة الرأي ودعاة الإصلاح وأصبحت سيرتهم جزءًا من تاريخ ثقافتنا الوطنية، غير أنه خلف من بعدهم خلف تغيرت على أيديهم مفهوم الصحافة أصبحت أكثر وفاء لوظيفة الإعلام، تقدم فيها الخبر على الرأي، وأصبحت غاية ما ترمي إليه أن تكون مرآة للمجتمع بما تنشره من أخبار وما تتبعه.

وأوضح السريحي أن الظروف تكالبت على الصحافة مع مرور الوقت كمؤثرات تهدد وجودها، حين استتب الأمر إلى وسائل التقنية الحديثة ممثلة في مواقع التواصل؛ إذ وجدت الصحافة بل والإعلام التقليدي نفسه في العراء، وانتهت إلى حال نعرفه جميعًا اليوم، شبيه بحال من لا أمل في شفائه، فهي ليست حيًّا فيرجي ولا ميتًا فينعى، فانهارت الصحافة وانهار الإعلام التقليدي، وبذلك انهار مفهوم النخبة باعتبارها قائدة للرأي العام، والتي كانت تتراءى لنا في الكتاب تارة ورجال الصحافة والإعلام تارة أخرى، وتراجع مفهوم النخبة وتراجع معنى الثقافة التي كانت تستند إليه الصحافة فيما كانت تنهض به من دور سياسي واجتماعي وثقافي، ولم يعد للمثقف كاتبًا كان أو إعلاميًّا المكانة السابقة، ووصل الانهيار إلى الصحافة الإلكترونية التي لم تستفد من وسائل التقنية إلا أنها حولت موادها المكتوبة على ورق إلى مواد مرقومة على الشبكة.

مراجعة شاملة:

وأضاف: “أصبح الكتاب والإعلاميون الجدد أفرادًا من داخل المجتمع لا يكاد يعرف أحد أسماءهم، بل ربما لا أسماء لهم هم قادة الرأي العام، وربما ما يقولونه ويتحدثون عنه أو يحذرون منه أو يوجهون به لا يلبث أن يطير في الآفاق كما يطير المثل والقول المأثور والحكمة السائرة، مشددًا على أن المجتمع لم يُدر ظهره للثقافة، إنما أدار ظهره للثقافة والإعلام والصحافة كما استقر فهمها لدينا”.

وأكد: لذلك علينا أن نتفهم الأمر، وأن نراجع مراجعة شاملة مفهومي الثقافة والإعلام وما طرأ عليهما من تغير وضعنا على عتبة أخرى من الفهم، ونتجاوز الآليات التي كانت تستخدم في نقل هذه الثقافة التي هي المؤسسة للانتماء الوطني والتمترس خلف قضايا الوطن الكبرى، منوهًا إلى أن الفوضى الإعلامية جزء من الفوضى التي تضرب الوطن العربي، إذ بات المجتمع يكتب لبعضه البعض “الكل يكتب للكل”؛ كأننا نستعيد دور المجالس في نقل الأخبار والتعاطي معها.

وختم بقوله: “الحل الأنجح هو مواكبة تلك الوسائل الإعلامية وتبرئتها من معاناتها كعدم المصداقية ونحوها والنهوض بالأدوات الجديدة”.

تحذيرات:

من جهته، حذر أحمد التيهاني من عشوائية التغطية الإعلامية للقضايا التي تهم الوطن، وما نتج عنه رواج أساليب الردح الإعلامي وسذاجة الطرح، حتى وصل إلى فشل في إيصال بعض القضايا العادلة بمحصلة كانت تفضي إلى “تعبئة سلبية”.

وقال التيهاني: “إنه للأسف وجدت ما صنع في مطابخ الاستخبارات الإقليمية حولنا من تصنيفات وأفكار تتعلق بتوجيه الرأي العام السعودي توجيهًا يفضي به إلى الطائفية والتشرذم والتشظي، في بعض الوسائل الإعلامية الجديدة، وبالتالي اخترق وعينا، ولم نعد قادرين على أن نوقف تأييدنا نحن لشائعات أعدائنا وللإعلام المضاد، وبات بعض منسوبي تلك الوسائل أبواقًا للهادفين لخلخلة هذا الوطن دون أن يعلموا، وبناء عليه أصبحت المساءلة خطيرة جدًّا”.

وأضاف: “بما أن كل مواطن الآن هو إعلامي، فإن عدم الوعي بالمخاطر الأمنية المحيطة بالبلاد وتحديات الاستقرار الأمني هي المشكلة الكبرى، مع عجز هؤلاء الممارسين بالوعي بهذه الجزئية وفهم مواطن الاختراق بما يسهل اختراق الوعي”.

ولفت إلى أننا نعاني من ندرة في الإعلاميين الواعين القادرين على التحليل والاستنتاج ومعرفة أصول الأشياء، وأهمية مراجعة السقوط المريع للمعايير الأخلاقية التي تدرس أصلًا في التنظيم للإعلام.

وختم: “بما أنه لم يعد هناك إعلام بالمعنى التقليدي الذي في أذهاننا، وهو فئة ما تسيطر على هذه الوسائل، ترسل وتستقبل ما تريد وتترك ما لا تريد، إنما كل متعامل مع الوسائل الإعلامية إعلاميًّا؛ فإننا في حاجة ماسة إلى طرائق جديدة لصناعة هذا الوعي”.