الحالة صفر

الأحد ١٧ نوفمبر ٢٠١٩ الساعة ١٠:٠٩ صباحاً
الحالة صفر

التعامل المباشر مع الجمهور، خصوصًا إن كنت تمثل جهة، يحتاج إلى مهارات معينة، وكذلك نفَس طويل أو بالأصح مقدرة على استيعاب الجميع والرد بما يليق ويفيد، فببساطة يمكنك الابتعاد عن مثل هذه المواجهات معهم إن كنت لا ترى في ذاتك طولًا وعمقًا في النفس، حفاظًا على نفسك من الانتقادات التي تعلم سببها مسبقًا، وكذلك ليتواجد الشخص المناسب في المكان المناسب.

توجد أماكن حساسة جدًّا ولم أقدمها استثناءً هنا لعدم أهمية البقية بل لأن من يكون فيها لا بد أن يسمو عن جميع أمثاله، ويجعل من نفسه متنفسًا لمن أمامه بصمتٍ وإصغاءٍ كبيرين، فلا يعير انتباهًا لجنس الشخص أو مكانته أو ماله أو أسباب وجوده أمامه، فنظرته إليه فقط بإنسانيةٍ بحتة كأن تكون حواسه معطلة مؤقتًا إلا من حاسةٍ واحدة وهي السمع.

عملت مؤخرًا في القطاع الثالث، وهي تجربة مختلفة كليًّا لكنها مثرية لي من نافذتها التي منحتني إطلالة من جهة مختلفة عن التي أعدت رؤيتها؛ صحيح هي موجودة أمامنا جميعًا ونتأثر منها ونؤثر عليها بما نستطيع، لكنها مختلفة جدًّا جدًّا جدًّا عندما تضع جميع نفسك في وسطها لتشاهد، تسمع، تشعر، وتعيش معهم.

مؤلم ذلك الانفجار الذي يأتي من بعد سؤالك لهم عن الحال، وهذا الانفجار الذي يتوجه لك ليس جزعًا أو كرهًا، بل تعبًا من جدران ضغطت على أنفسهم كثيرًا وأمدتهم لفترة ليست بالبسيطة بشحنات من الغضب في التعامل وردات فعلٍ تشبه قسوة هذه الجدران المتشققة.

ومع هذا لم أتعامل مع الكثير منهم لكون مهام عملي ليست مباشرة معهم، لكن وُجِدت نقاط التقاء بهم، ولم أكن أتوقع أن أتأثر بتلك الدرجة التي كنت فيها من هذه اللقاءات لكوني أرى نفسي عقلانية أكثر وعملية، لكنهم كانوا من نقاط التغيير التي منحني الله إياها في حياتي لسبب وغاية قد تكون معلومة لي أو قد أعلمها فيما بعد.

صادفت من هم إنسانيون بدرجة أغبطهم عليها، حتى إني أتنحى من بعض المهام التي أرى أنهم أفضل بمراحل مني فيها بالتواصل الإنساني السامي؛ لأتعلم وأكتسب تلك المهارة، ولأن الأفضل يُقدم للأفضل دائمًا، ومن ذلك أرى من جميع من لم يصل لذلك السمو أن يتنحى هو أيضًا حتى يحصل على تلك الشهادة ثم ينطلق بعدها دون توقف لخدمتهم، فليس المهم هنا ما تقدمه من عمل بل ما تشعرهم به قبلها من كلمات ولغات غير منطوقة، فما فائدة مساعدتي إن كنت تقسو علي!

ومن الحالات التي كان لها الوقع الكبير تلك الحالة صفر التي تبكي وتضحك ثم تعود لتنفجر ثم تتراجع وتبتسم، كانت تبحث من خلال الوجوه إلى وجه منصت في وسط الضوضاء حتى تعبِّر عن مكنوناتها عبر الطريق الذي ستسلكه إلى من سخر نفسه للإنصات إليها.

جدران!! نعم هي مجرد جدران لكنها تحطم من تحتويه تدريجيًّا ما لم يتم إنقاذه منها، هي الأمان والسلام إن صحَّت، وهي الوجع إن تآكلت؛ وبامتنان شخصي شكرًا لكل من هم حولي ولمن تطوع وسما عن الباقين بنفسه وبوقته وبمهارته، ومن دعم بما يملك من مال ومادة، فأنتم التغيير والفرشاة السحرية التي تمر في تلك الأماكن لتمنحهم السكينة والطمأنينة.

@2khwater

 

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق
الاسم
البريد الإلكتروني