صناع الوحدة والخلاقون للفرقة

الأحد ٩ فبراير ٢٠٢٠ الساعة ١٢:٣٠ مساءً
صناع الوحدة والخلاقون للفرقة

العقلاء في كل زمان ومكان، خصوصًا في أوقات الأزمات والصراعات والخلافات، هم من يضيقون مواطن الخلاف ويؤكدون على الائتلاف ولا يطرحون ما يمكن أن يحدث شرخًا في لحمة الوطن.

الذين يحملون راية الفرقة فيما يتحدثون أو يكتبون، هؤلاء واضحون، ويجب حصرهم ومعالجة أذاهم.

المشكلة هي في من يطرح أو يتحدث بأسلوب فيه فرقة وغوغائية وربما عنصرية أو فوقية، ويستخدم وسائل التواصل ليقطع أواصر التواصل.

ولأهمية وخطورة هذا المعنى حالًا ومقالًا وواقعًا أكد النظام الأساسي للحكم على ذلك في المادة الثانية عشرة بما نصه (تعزيز الوحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام).

يعلمنا علم الاجتماع أن نقرأ ما يمكن أن يحدث في المجتمع حتى ولو كانت القضية في أصلها السلامة والسعة، ولكن طرق عرضها وأساليب تناولها تؤدي إلى خلق خلخلة في المجتمع لا يعلم أبعادها إلا من وهب ملكة الحس الاجتماعي (الذي يعد علمًا في حد ذاته).

وهناك مواقف كثيرة للصحابة والعلماء تنازلوا عن مواقفهم وآرائهم جمعًا لكلمة المسلمين.

والتاريخ شاهد على أن العقلاء دائمًا ما يحذرون من إثارة العامة، سواء كان ذلك من جهات أو أشخاص أو اجتهادات تخالف المسلمات أو الذوق العام.

وما أحب أن أصل إليه هو أن قنوات التواصل الاجتماعي نستخدمها أحيانًا بطريقة (فجة) في خلق ارتباك اجتماعي، خصوصًا حينما يكون هناك أهواء متباينة لا يمكن حسمها بطريقة متزنة.. خصوصًا ما يمس احتياجات أو خدمات عامة أو ما أشبه ذلك مما تتنوع فيه المطالب وربما تختلف فيه الآراء والأذواق.

ومن إفرازات الطروحات التي تجنح للإثارة وتحرش وتحرض العامة أنها تخلق تناقضات وصراعات وتعزز المشاحنات في جسد المجتمع كله.. ويتبع ذلك ما لم يخطر على البال من التجاذب البغيض بين الناس.

ومن أجل ذلك كانت الإشاعة من كبائر المخالفات، حيث تنشر في المجتمع ما يقلق توازنه واستقراره.

وقد يتراءى للمشيعين النبأ أو الخبر أو معلومة أو ربما مطالبة أنهم صادقون ومتجردون.

لا أقصد بتاتًا ألا يطلب أو يطالب الإنسان بحقه مطلقًا (حاشا وكلا)، لكن القصد أن أنظر في الأسلوب الأمثل والأفضل (وقتًا وطريقة) في تحقيق ذلك. وأن أطرق الأبواب لا أن أخلعها لأجل ذلك.

المحظور الكبير هو أن أستخدم (الشوكات) في تناول السوائل!

ومن ذلك:

* طرح ما يثير العامة ويبعث على الفوضى والخلاف الاجتماعي، سواء في كلام أو قصيد أو مشاهد تسيء للناس أو المدن أو الانتماءات، كله سيئ مهما كان هدفه.

* التعصب المقيت في المواقف والآراء هو من العوامل الخلاقة للفرقة!

* التصنيف والتجريح هو من العوامل الخلاقة للفرقة!

* التمييز بين الناس في التوظيف أو المنح أو المنع من الأسباب الخلاقة للفرقة.

* التعامل المتكاسل من المسؤولين في القيام بأماناتهم هو من أعظم أسباب الفرقة.

* التنمر والتنكر وبخس تاريخ الفضلاء كلها تناقضات تعزز خلق الفرقة.

* التحريش الذي يستخدمه البعض لإسقاط قامات شرعية أو اجتماعية أو مسؤولة من أكثر أسباب الفرقة.

* وأشد ما يخلق الفرقة أن يكون ما نطلبه لمتاع الدنيا على حساب ما نرجوه في الآخرة.

* وقد يكون السكوت عن بيان الحق والوسطية والاعتدال مما يحتاجه عامة الناس مثيرًا لهم لخفاء ذلك عليهم.

* كل الأمل أن ندرك أبعاد ما نطالب فيه وأن نعي ما يجلبه من مصالح وما يعرض فيه من مخاطر.

* والعقول الخلاقة للاتزان في علمها وعملها وتعاملاتها هي الأمل الموصل بإذن الله إلى فسحة الأمن ووحدة الكلمة وسعة التنمية وتحقيق الأمان.

واختر لشخصك ما يليق بحسنه، فالقلب مأخوذ بكل جميل!

هذه بعض المعاني التي يمكن تأملها فيما يحصل في واقعنا، وما يمكن حصوله في مستقبلنا، وكلها تحاول أن تحصر وتحاصر فيروسات الفرقة وتبحث عن مكامن تعزيز الوحدة واللحمة الاجتماعية.

* الأستاذ بجامعة القصيم

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق
الاسم
البريد الإلكتروني