التجمعات تحمل خطورة وتصبح سببًا رئيسًا في انتقال عدوى كورونا

تقارير طبية موثقة وأدلة شرعية وراء إيقاف صلاة الجمعة والجماعة في المساجد

الثلاثاء ١٧ مارس ٢٠٢٠ الساعة ٨:٤٢ مساءً
تقارير طبية موثقة وأدلة شرعية وراء إيقاف صلاة الجمعة والجماعة في المساجد
المواطن - الرياض

استمرت المملكة في اتخاذ المزيد من الخطوات الاحترازية الهامة لمواجهة تفشي فيروس كورونا، خاصةً مع سرعة انتشاره حول العالم، ليكون قرار إيقاف صلاة الجمعة والجماعة في المساجد مؤقتًا شاهدًا على تصميم المملكة على مواجهة الفيروس ومنع انتقال العدوى، خاصةً وأن قرار إيقاف الجمع والجماعات بني على التقارير الطبية الموثقة المتعلقة بجائحة كورونا التي أكدت على خطورتها المتمثلة في سرعة انتقال عدواها بين الناس بما يهدد أرواحهم.

وتضع المملكة نصب أعينها حماية المواطنين والمقيمين في المقام الأول، مع ضرورة اتخاذ تدابير احترازية شاملة دون أي استثناء تجنيًا للخطورة المضاعفة لهذا الفيروس، باعتبار التجمعات في الجوامع تحمل خطورة وتصبح سببًا رئيسًا في انتقال العدوى، وهي خطوة حاسمة مع سرعة انتشار الفيروس وكثرة الوفيات في العالم، كما أنها تستند على أدلة شرعية عديدة لوجوب حفظ النفس في حالة انتشار الأوبئة.

أدلة شرعية:

وجاء إيقاف الجمع والجماعات في المساجد مستندًا إلى أدلة شرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية المظهرة الدالة على وجوب حفظ النفس وتجنب الأسباب المفضية إلى هلاكها، والاحتراز في حال انتشار الوباء، ومنها قول الله عز وجل: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} (سورة البقرة: آية 195)، وقوله سبحانه: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (سورة النساء: آية 29)، وأيضًا قوله صلى الله عليه وسلم: “لا يُورِد ممرض على مصح” (متفق عليه).

وضمن الأدلة الشرعية أيضًا، قوله: “فر من المجذوم كما تفر من الأسد” (أخرجه البخاري)، وقوله صلى الله عليه وسلم: “إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها” (متفق عليه)، لتنفذ المملكة مسؤوليتها بحماية صحة المواطنين والمقيمين من انتقال كورونا بينهم نظرًا لطبيعة التجمعات البشرية التي تعد من أسباب انتشار الفيروس، وهو ما قد يضر بالصحة العامة للأفراد والمجتمع، كما أن إيقاف صلاة الجمعة والجماعة لجميع الفروض في المساجد مبني على قواعد الشريعة الغراء بأنه “لا ضرر ولا ضرار”، وأن “الضرر يُدفع قدر الإمكان”.

الحرمان الشريفان:

ولهذا السبب جاء القرار ولكنه أبقى على رفع الأذان واستثناء الحرمين الشريفين، وهو ما يعكس حرص المملكة على إبقاء شعائر الإسلام معلومة وظاهرة ومسموعة، مع أخذ جميع الاحتياطات اللازمة للوقاية وحماية صحة المصلين فيه.

ولكن يتطلب قرار إيقاف صلاة الجمعة والجماعة في المساجد تعاون جميع المواطنين والمقيمين والتقيد التام بما تصدره الجهات المختصة من الإجراءات الوقائية والاحترازية والتعاون امتثالًا لقول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، لأنه من التعاون على البر والتقوى، وأخذ بالأسباب التي أمرنا بها الشرع الحنيف، بعد التوكل على الله سبحانه وتعالى.

وكالعادة في مثل هذه الإجراءات الاحترازية والوقائية، يخضع قرار إيقاف الجمع والجماعات للمراجعة بشكل مستمر، على ضوء تطورات فيروس كورونا، وسيكون قابلًا لتجميده في ضوء التقارير الطبية المحلية وتقارير منظمة الصحة العالمية التي تصدر في هذا الشأن.

قرار تعليق صلاة الجمعة والجماعة:

وأصدرت هيئة كبار العلماء قرارها رقم (247) في 22/ 7/ 1441هـ فيما يلي نصه:

الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فقد اطلعت هيئة كبار العلماء في دورتها الاستثنائية الخامسة والعشرين المنعقدة بمدينة الرياض يوم الثلاثاء بتاريخ 22/ 7/ 1441هـ على ما يتعلق بجائحة كورونا وسرعة انتشارها وكثرة الوفيات بها واطلعت على التقارير الطبية الموثقة المتعلقة بهذه الجائحة المشمولة بإيضاح معالي وزير الصحة لدى حضوره في هذه الجلسة التي أكدت على خطورتها المتمثلة في سرعة انتقال عدواها بين الناس بما يهدد أرواحهم وما بينه معاليه من أنه ما لم تكن هناك تدابير احترازية شاملة دون استثناء فإن الخطورة ستكون متضاعفة، مبينًا أن التجمعات تعتبر السبب الرئيس في انتقال العدوى.

وقد استعرضت هيئة كبار العلماء النصوص الشرعية الدالة على وجوب حفظ النفس من ذلك قول الله عز وجل: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} (البقرة: 195)، وقوله سبحانه: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (النساء: 29).

وهاتان الآيتان تدلان على وجوب تجنب الأسباب المفضية إلى هلاك النفس، وقد دلت الأحاديث النبوية على وجوب الاحتراز في حال انتشار الوباء كقوله صلى الله عليه وسلم: “لا يُورِد ممرض على مصح” (متفق عليه). وقوله صلى الله عليه وسلم: “فر من المجذوم كما تفر من الأسد” (أخرجه البخاري)، وقوله صلى الله عليه وسلم: “إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها” (متفق عليه).

وقد تقرر في قواعد الشريعة الغراء أنه: ”لا ضرر ولا ضرار“. ومن القواعد المتفرعة عنها: ”أن الضرر يدفع قدر الإمكان”.

وبناء على ما تقدم فإنه يسوغ شرعًا إيقاف صلاة الجمعة والجماعة لجميع الفروض في المساجد والاكتفاء برفع الأذان، ويستثنى من ذلك الحرمان الشريفان، وتكون أبواب المساجد مغلقة مؤقتًا، وعندئذ فإن شعيرة الأذان ترفع في المساجد، ويقال في الأذان: صلوا في بيوتكم؛ لحديث ابن عباس أنه قال لمؤذنه ذلك ورفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث أخرجه البخاري ومسلم.

وتصلى الجمعة ظهرًا أربع ركعات في البيوت.

ومن فضل الله تعالى أن من منعه العذر عن صلاة الجمعة والجماعة في المسجد فإن أجره تام لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: “إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا” (أخرجه البخاري).

هذا وتوصي هيئة كبار العلماء الجميع بالتقيد التام بما تصدره الجهات المختصة من الإجراءات الوقائية والاحترازية والتعاون معها في ذلك امتثالًا لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة: 2)، والتقيد بهذه الإجراءات من التعاون على البر والتقوى، كما أنه من الأخذ بالأسباب التي أمرنا الشرع الحنيف بامتثالها بعد التوكل على الله سبحانه وتعالى.

كما نوصي الجميع بتقوى الله عز وجل والإلحاح في الدعاء وكثرة الاستغفار، قال الله تعالى: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} (هود: 52)، والقوة هنا تشمل: سعة الرزق، وبسط الأمن، وشمول العافية.

نسأل الله تعالى أن يرفع هذا الوباء عن عباده، وأن يجزي خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وحكومتنا الرشيدة خيرًا لما يبذلونه من جهود مشكورة، وتدابير وإجراءات ساهمت- بفضل الله عز وجل- في الحد من تأثير هذا الوباء المنتشر عبر العالم.