فرصة العمر

الأربعاء ١٥ أبريل ٢٠٢٠ الساعة ٢:٥٩ صباحاً
فرصة العمر
بقلم - د عبدالله آل مترك

بقدر الاستنفار الذي أبدته المملكة ضمن تحالف دعم الشرعية، لإغاثة الشعب اليمني الشقيق قبل نحو خمسة أعوام مضت، بقدر الجنوح إلى السلم الذي سارع إليه هذا التحالف اليوم بإعلان وقف إطلاق نار شامل في اليمن، لمدة أسبوعين، اعتبارًا من الخميس الماضي، قابلة للتمديد.

لم تكن المملكة في يوم من الأيام راغبة حرب، ولم تكن تميل إلى معاداة أي دولة أو جهة ما، ولكنها وجدت نفسها مدفوعة لنجدة الشعب اليمني، وإنقاذه من مصير مجهول، بعد انقلاب الحوثيين على الشرعية هناك، ومحاولتهم السيطرة على مقدرات البلاد وخيراتها، موقف الاستنفار السعودي كان طبيعيًا لاعتبارات مهمة، كون المملكة زعيمة العالمين الإسلامي والعربي، وعليها تقع مسؤوليات الشقيقة الكبرى تجاه الدول الإسلامية والعربية المغلوبة على أمرها.

ومنذ بداية الحرب، والمملكة تحارب بيد، وتمد يدها الأخرى بغصن الزيتون، معلنة ترحيبها لكل مبادرات السلام من أي جهة كانت، فلم تغلق السعودية أبوابها في وجه أحد يرغب وقف الحرب باليمن، ولم تتجاهل دعوات التهدئة التي تقدمت بها الأمم المتحدة وقادة العالم، ولكنها اشترطت أن يضمن السلام للشعب اليمني كل حقوقه المسلوبة والحفاظ على شرعيته الضائعة، بيد أن العائق الأكبر كان يصدر من جانب الحوثيين أنفسهم، الذين خضعوا لسيطرة الإيرانيين، وفضلوا اللعب بالنار، وإطالة عمر المعركة والرهان على صاحب النفس الطويل في أرض المعركة، ووقف التحالف لهم بالمرصاد.

وبالموافقة على وقف الحرب، تؤكد المملكة على ثوابتها ومبادئها في التعامل الإنساني والأخلاقي مع جميع الدول، فالسعودية ترى أن الوضع الصحي الحالي من تفشي وباء كورونا في معظم دول العالم، لا يحتمل أن تصاحبه حرب هنا أو هناك، كما ترى أن الشعب اليمني تحمل الكثير من الأعباء والأضرار طيلة السنوات الماضية، وآن له الأوان أن ينعم بالراحة والسكينة والهدوء الذي يعينه على استجماع قواه واستعادة عافيته وبناء دولته من جديد، ومن هنا كانت الهدنة.

أؤمن أن الهدنة بمثابة فرصة من ذهب، لإحلال السلام الدائم في المنطقة، وربما تكون “فرصة العمر” للحوثيين قبل غيرهم، إن هم استغلوها بالطريقة الصحيحة، وغلّبوا الصالح العالم لدولتهم وشعبهم، على مصلحة الملالي في إيران، الذين لا يهمهم الشعب اليمني ولا مصالح الحوثيين أنفسهم، بقدر ما يهمهم تنفيذ أجندتهم السياسية في المنطقة، ومحاولة السيطرة على دول الجوار، ومصادرة قرارها، عبر المليشيات المسلحة والعصابات الإرهابية.

الأيام المقبلة، ستنكشف فيها الوجوه على حقيقتها، وسيعرف الجميع من يمدون أياديهم بالسلام، ومن يحرضون على استمرار الحرب، ومن يهيئون بيئة عنوانها الثقة المتبادلة، ومن يتدخلون لإفساد الأجواء ونشر الفتنة، وإن كانت المملكة لديها أسلوبها الخاص في تعزيز السلام، فليس لدي شك أن لديها حلولًا لجميع الاحتمالات، وتملك القدرة على التعامل مع جميع المتربصين بأمنها وأمن دول المنطقة، والانتصار عليهم.

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق
الاسم
البريد الإلكتروني