الحياة الكاملة

الجمعة ٨ مايو ٢٠٢٠ الساعة ٩:٣٦ مساءً
الحياة الكاملة
بقلم - حياة الزهراني

تفرّد المفكر هربرت سبنسر في مفهومه للتربية الذي قال بأنها (إعداد الفرد ليحيى حياةً كاملةً)، دلالةً على أن التربية شاملة للعلوم والفضائل التي تؤثر في النشء وعلى سلوكه ومواقفه، وأنها أسلوب من أساليب الحياة التي تجعل من الإنسان ذا معرفة وقيم متعددة، الأمر الذي يضفي على عملية التعليم بُعدًا إنسانيًّا هامًّا وسبيلًا وحيدًا لصلاح أي مجتمع والارتقاء بأفراده وتربيتهم بدنيًا وأخلاقيًا ليستمر طويلًا نحو التغيير الإيجابي والتطوير للأفضل؛ وما يُعمل به في تعليمنا بالسعودية يمضي مستمرًا فيما قدمه سابقًا نحو هذا المفهوم العظيم من ممارسة التربية في الصف أثناء العملية التعليمية كجزء مهم منها ومساعد على إتمامها، ولكن ليست وحدها المدرسة المسؤولة عن التربية ولا المنزل فقط، فالإنترنت بما فيه من أصدقاء افتراضيين وما يتصل به من ألعاب إلكترونية تؤثر بالتأكيد على نجاح التربية أو فشلها بحسب الفروق بين الأفراد.

وبما أن السنوات الخمس الأولى للطفل هي المسؤولة عن تكوين شخصيته والتي يبدأ فيها تركيزه على كل ما يحيط به، يزداد الأبوان حرصًا على غرس المفاهيم والقيم التربوية المناسبة لسنّه كالاعتماد على النفس واكتساب القوة وبعض المهارات التي تقوي شخصيته، على أن يتلقى ذلك من الشخصية ذات القدوة الحسنة لديه التي تعكس له تلك القيم ويشعر معها بالاتزان والأمان معًا، وبعد الخمس سنوات يستجيب الطفل لجميع المؤثرات من حوله خارج إطار أبويه ولكن يبقى أثرهما موجودًا ورادعًا عن الوقوع في الخطأ المقصود، وفيما يخص العقيدة بداخل الفرد فإني لا أعتقد أن تؤثر البيئة والعالم الافتراضي على دينه إذا كان الوازع الديني والقيمة الأخلاقية مؤسسة بداخله منذ الصغر، كما أن مجالسة الأبناء ومنحهم الوقت للحديث معهم ومحاورتهم في شؤونهم وحول اهتماماتهم وتصحيح بعض مفاهيمهم تعتبر أساليب متنوعة تساعد على استمرارية التربية.

وعن تأسيس مكتبة صغيرة للأبناء بجانب مكتبة الأبوين وتشجيعهم على القراءة وإشراكهم في النوادي الثقافية وحضور المسرح وزيارة المكتبات العامة وإشغالهم بالأنشطة التي من شأنها تقديم خدمة للدين والمدرسة والعائلة ستجعل منه عضوًا فعالًا في وطنه ومجتمعه ويملك من خلالها شخصية مؤثرة ومبادرة لأعمال الخير بما يحقق رؤية الدين والوطن، ولكن؛ عند فوات الفرصة من الحصول على التربية الشاملة سيحدث ثمة خلل في البيئة تجبر التربويين بالتفكير لإيجاد حلول تعمل على تكثيف المبادرات الاجتماعية وإيجاد مؤسسات ذات علاقة “منظمة” وفاعلة لاحتواء الفرد وتعديل سلوكه بأسلوب ممنهج يساعد على إعادته لمجتمعه وهو مؤمن بذاته وبفكرته وما سيحققه من إنجاز وفق المهارات التي اكتسبها أثناء تواجده في تلك المؤسسة.

وهذا ما كان يقصده المفكر “هربت” من مفهومه للتربية فالفرد يستطيع أن يعيش حياة كاملة إذا توفرت له مقومات التربية والتعليم داخل إطار تربوي وترفيهي قد يغير مسار التفكير والحياة معًا خاصة بأن أفراد المجتمع من الشباب يعيشون وسط ثورة من التكنولوجيا وازدهار التقنية ومحتويات أخرى يغذون بها عقولهم دون رقابة، فعلى سبيل المثال ألعاب البلايستيشن وبعض التطبيقات ما يدعو المراهقين إلى عالم مليء بالاكتشافات التي قد تمس العقيدة والأخلاق أو تهدر الوقت الذي كان من الممكن الاستفادة منه في اكتساب قيم أخرى؛ إنني لا أكتب عن المدينة الفاضلة ولكن الأمر خطيرًا بما فيه الكفاية ليستدعي وقفة جادة للحد من تمكن محتويات هذه الألعاب من عقولهم، وكذلك زرع الثقة لدى الفتيات ومساعدتهن في اختياراتهن عند انتقاء الشخصية المؤثرة في مواقع التواصل، للحد من برمجتها على قيمة سيئة تهدم جهد الأبوين طوال سنوات التربية وتكثيف الجهود التربوية لمواجهة بعض الأفكار السامة التي تسبب خللًا في المجتمع، إن ديننا ووطننا يجعل منا وسيلة للحياة الكاملة ومنهجًا تقتدي به الدول الأخرى بجميع تنوع أديانها وثقافاتها لتستمد منا طرق التربية وأساليب الحفاظ على الفضيلة.

  • معلمة، مدربة معتمدة
  • تويتر: @hayatdhif

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق
الاسم
البريد الإلكتروني

  • أم ليان

    مقال رائع