فرحة العيد

الجمعة ٣١ يوليو ٢٠٢٠ الساعة ٤:٠٤ صباحاً
فرحة العيد
بقلم - د. خالد علي

قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ وشعائر الله، هي أعلام دينه الظاهرة، التي تعبَّدَ الله بها عباده، وندبَهم إليها وأمرَهم بتعظيمها وبالقيام بها، وهي كثيرة جدًا ومتعددة، منها الطوافُ بين الصفا والمروة، ومناسكُ الحج كلُّها، قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾ البقرة: (158).

ومن الشعائر أيضًا، محرَّماتُ الإحرام، ومحرَّماتُ الحرم، وما ذكره الله في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا﴾ المائدة: (2).

ومن شعائر الله أيضًا، البُدن، أي: الإبل، والبقر، على أحد القولين، فتُعظم وتُستسمن وتستحسن، قال تعالى: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِين﴾.

فتلك الشعائر وغيرها مما لم يذكره كاتبُ السطور، أمرَ الله بتعظيمها في قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ الحج:(32). فإن تعظيمَ شعائرِ الله صادرٌ من تقوى القلوب، كما أن تعظيمَ شعائرِ الله يُورث القلب تقواه وخشيتَه، فينبغي للإنسان أن يعظّم ربّه، بأن يُعظمَ أحكامه وشرائعه وشعائره ومشاعره، ووحْيَهُ ونصوصَ دينه، وأن يوقر رسلَه وأنبياءه وأولياءه، ومن تعظيم المؤمن لله أن لا يكونَ ربُّه أهونَ الناظرين إليه، بل يخافُ منه، ويستحي من مراقبتهِ، وأن تكونَ طاعةُ الله -تعالى- مقدَّمةً على طاعة جميع البشر، والمقصود أن من تعظيم الله سبحانه تعظيمَ شعائره، ومن هذه الشعائر الأضحية، ولذلك لم يكن صلى الله عليه وسلم يدع الأضحية أبدًا، وأقام بالمدينة عشر سنين يُضحي، وكان يقول يومَ النحر كما في الصحيحين: “إنَّ أوَّلَ ما نبدأُ مِن يَوْمِنا هذا أنْ نُصَلِّيَ، ثم نرجِعَ فنَنْحَرَ، فمَن فَعَلَ هذا فقد أصابَ سُنَّتَنا، ومَن نَحَر فإنَّما هو لحْمٌ يقَدِّمُه لأهْلِه، ليسَ مِنَ النُّسُكِ في شيءٍ”

والحاصل أن الأضحية شعيرة من شعائر الله، يعظَّمُ الله بها يومَ النحر، يومَ الحج الأكبر، يومَ عيد الأضحى، الذي هو أعظم الأيام عند الله تعالى، فقد قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «إِنَّ أَعْظَمَ الأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ». رواه أبو داود، ولعل من الحكمة في ذلك أنه يجتمع في هذا اليوم من العبادات ما لا يجتمع في غيره.

وللعيد فرحةٌ، فرحةٌ بفضلِ الله، وواسعِ رحمته، وكريمِ إنعامه، ووافر عطائه، فرحةٌ بالهداية للإسلام والسنة، فرحة بإدراك أفضلِ أيام الدنيا، العشرِ الأوائل من ذي الحجة.

إن “إظهارَ الفرح والسرور في الأعياد من شعائر الدين والملة، ومما يتقربُ به المسلمون إلى رب البرية” فقد أقر النبي – صلى الله عليه وسلم – مشاهدَ الفرح بالعيد ومظاهرَ السرورِ والبهجة، ومهما يكن من أمر سنفرح بالعيد بإذن الله، لأن الفرح في العيد عبادةٌ وقربة نُثاب عليها، سنفرح بالعيد بإذن الله رُغم كلِّ ما يحدث؛ لأن اليأس ليس من أخلاقنا – نحن المسلمين ﴿ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ يوسف:(87).

لن يجدَ اليأسُ إلى حياتنا من طريق، فالله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون، هذا العيد العظيم فرصة لكي نحطم أغلالَ الأحزان، يومُ العيد هو يومُ فرح وسرور وطاعة ونعمةٍ وشكر.

إن العيد يمنحنا مناعةً ضد الأحزان والآلام، لأنه يذكرنا بكل أفراحنا، ولا فرحَ أعظمُ من الفرح بالله تعالى وبشرعه؛ وبفضله وبرحمته، وإن الفرح بالله تعالى يورث القلب طمأنينة، ويملؤه أمنًا وسكينة.

فودِّع الهمومَ والأحزان، وافرح وشاركِ الناسَ فرحتَهم، وتفنن في إدخال السرور على أهلك وأصحابك وكلِّ معارفِك، فإن من “أفضل الأعمال إدخالكَ السرورَ على مؤمن”

تقبل الله منا ومنكم، وكل عام وأنتم بخبر

– كاتب وأكاديمي إسلامي

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق
الاسم
البريد الإلكتروني