فيديو.. خطيب المسجد الحرام : تعلموا​ ثقافة الاختلاف في الرأي

الجمعة ٦ نوفمبر ٢٠٢٠ الساعة ٢:٣١ مساءً
فيديو.. خطيب المسجد الحرام : تعلموا​ ثقافة الاختلاف في الرأي
المواطن - واس

أوصى معالي إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن حميد المسلمين بتقوى الله عز وجل في السر والعلن فتقوى الله خير زاد وهي الرشاد والنجاة يوم المعاد.

https://www.youtube.com/watch?v=csfTnTmlZhQ&feature=youtu.be

وقال معاليه في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم في المسجد الحرام إن من ملك من الدنيا ما شاء خرج منها كما جاء ، يتواضع المتواضع لأنه واثق في نفسه ، ويتكبر المتكبر لأنه عالم بنقصه. وإذا كرهت أحداً – يا عبد الله – فمن المروءة ألا تجعل الآخرين يكرهونه ، فقد يكون الخلل منك ، فدع الخلق للخالق ، والسعادة – حفظك الله – تتحقق بقلب لا يحقد ، ونفس متفائلة غير متشائمة ، وصداقة لا تنتظر الجزاء ​قال تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) النحل: ٩٧
​وأضاف أن القيم والأخلاق ركيزة من ركائز البناء الإنساني ، وركن ركين من بنيان السلوك البشري ، يمس جميع مظاهر السلوك في الفرد والمجتمع ، ركيزة ركينة توجه السلوك إلى الخير ، وتحفز إلى الترقي في مراتب الكمال ، والسير نحو مراقي السمو ، وبها يكون السعي الجاد الصحيح إلى معالي الأمور ومحاسن الأعمال، ​إنها خصلة بل خصال إذا سادت في الناس عاشوا في أمن واستقرار ، وتكاتف وتعاون ، خصال تبني الشخصية ، وتقوي الإرادة ، وتحفظ الأمن ، وتقي الشرور ، وتصحح الأخطاء،​ قال تعالى (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) آل عمران: ١٥٩.
​وبين خطيب المسجد الحرام ، أن قيم أهل الإسلام تنبع من دينهم وعقيدتهم ، والأحكامِ الشرعية التي تحكمهم ، ونظرتهِم إلى الحياة الدنيا ، ومصيرِهم في الحياة الأخرى ومن أدق التعريفات للقيم ، وأجملها ، وأصدقها هي : “الصفات التي يحملها المرء ويعامل بها غيره “،يقول عبدالله بن المبارك : ” كاد الأدب أن يكون ثلثي الدين “، ​ويقول الحافظ ابن رجب : ” يظن كثير من الناس أن التقوى هي القيام بحق الله دون حقوق عباده ” ​بل قال رحمه الله : ” والجمع بين القيام بحقوق الله وحقوق عباده عزيز جدا ، لا يقوى عليه إلا الكُمَّل من الأنبياء والصديقين ” .
​وأشار الدكتور ابن حميد إلى أن الناس لا يرون من إيمانك، ولا عبادتك ، إلا بما يرونه من خلقك ، وسلوكك ، وتعاملك ، فالدين مقرون بالمعاملة ، فقبل أن يكون المصحف في الصدر أو في الجيب فليكن في الخلق والعمل، ​وقبل أن يحدث المرء الناس عن الدين وسماحته وكماله ، فليحدثهم بسلوكه وذوقه ، وتعامله ، والمعيار الدقيق والميزان الصادق في ذلك كله : ” أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك ، وأن تأتي الناس بمثل ما تحب أن يأتوا إليك “. كما صحت بذلك الأحاديث والتوجيهات من الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم .
وتساءل معاليه ​أين الدين من رجل صاحب عبادة : من الفرائض ، والنوافل ، والصدقاتٍ ولكنه يظلم هذا ، ويماطل في المرتبات هذا لا يؤدي حق هذا ، يحترم الناس في مقاماتهم ، ولا يقدرهم في منازلهم ، يتخطاهم بوقاحته ، وينظر إليهم شزرا واحتقارا بكبريائه ​تذكروا – رعاكم الله – حديث المفلس الذي يأتي بحسنات أمثالِ الجبال، وقد ضرب هذا ، وشتم هذا ، وأخذ مال هذا ، تذهب حسناته كلها، ثم يلقى في النار نسأل الله العافية.
​وأضاف أن المجتمع يتقوى ويتحصن بتنشئة الأجيال على معالي الأمور ، ومكارم الأخلاق ، وإبراز القدوات الصالحة وإذا كان ذلك كله فإن محاضن التربية هي: البيت ، والمدرسة ، والمسجد ، والمجتمع ، والإعلام ، والتعليم بدرجاته ومراحله،وصلاح الأولاد نعمة عظيمة ومنة جليلة ، والبقاء حقاً هو للأقوى خلقا.
​ودعا الدكتور بن حميد في خطبته الآباء والأمهات و المربين إلى تعليم الناشئة أن الدين خلق كله ، وأن من زاد عليك في الخلق فقد زاد عليك في الدين، ​ربوهم على أن الدين ابتسامة وسرور ، وليس جهامة ولا عبوسا ، الدين بُشْر ، وسكينة ، وطمأنينة ، والتبسم صدقة وعبادة ​علموهم أن يكلموا الناس ووجوههم إليهم منبسطة ، وكلماتهم لهم لطيفة ​علموهم أن صلاح القلب بسلامته من الحسد ، والحقد ، والرياء ، والغلظة ، ليكون قلبا صادقا، سليما، محبا لكل الناس ​ربوا الناشئة على أن العبادة كما هي في المسجد فهي في الشارع حين تقضي مصالح الناس وحاجاتهم ، وحين تلقى السلام على من عرفت ومن لم تعرف ، وفي المكاتب ومقرات العمل حين يلتزم بالنظام والتعليمات واحترام المراجعين ، وفي وسائل النقل والمركبات حين توقر الكبير ، وترحم الصغير ، وتعطف على ذي الحاجة ، وتعين الملهوف ، وتساعد العاجز ، وفي الأسواق حيث وفاء المكاييل والموازيين ، وإعطاء كل ذي حق حقه ، والبعد عن الغش ، والتدليس ، والأيمان الكاذبة، ​علموهم أن الله وحده هو الرقيب الحسيب على عباده ، فليسوا أوصياء على الناس ، قال تعالى: (مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ) الأنعام: ٥٢، و​بينوا لهم أن من ضعف الخلق الانشغالَ بعيوب الناس عن عيوب النفس ​علموهم أن التسامح ليس ضعفا ولا هوانا ، بل هو قوة ، وشهامة ، وعزة و​ربوهم على الاعتذار عن الأخطاء ، والتماس الأعذار ، علموهم أن الاعتذار شجاعة ، ونبل ، ومروءة .
كما دعا معاليه إلى تعليم​ ثقافة الاختلاف في الرأي ، وأن ما يقوله صواب يحتمل الخطأ ، وما يقوله صاحبه خطأ يحتمل الصواب ​وأن مايراه هو خطأ لا يراه غيره كذلك ، بل يراه عين الصواب ​وتعليمهم كذلك حينما يرون عمالاً كادحين يسعون في رزقهم من الصباح الباكر أن يرفقوا بهم ، و يدعو لهم برزق واسع ، وعمل كريم ، وييسر الله أمورهم ، ويبارك لهم في أرزاقهم ، وان استطاعوا أن يعينوهم ويخففوا عنهم فليبادروا ​وبذل المعروف ، والعفو ، والجود ، والصبر ، والرحمة ، والتودد ، ولين الجانب ، واحتمال الأذى ، وإغاثة الملهوف ، وإطعام الجائع ، وكسوة العاري ، والإنصاف ، وقلة الخلاف ، ولطف الكلام مع من عرفت ومن لم تعرف ، واحترام القريب والغريب ، والأدب مع الصغير والكبير ، والمشاركة في الأحزان وفي الأفراح ، وحسن التعامل مع كل أحد كائنا من كان . مساعدةً في المشكله ، ومؤازرةً عند المحنة ، وملاطفةً في المعاملة .
​وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام أنه لا يكون الظلم والتظالم ، ولا القتل والاستبداد إلا حين تفقد القيم ، وحين تسود المصالح الضيقة وتكون الأنانية هي الغالبة والحاكمة، ​كم من القتلى ، وكم من الجرحى ، وكم من التدمير والتعسف ، بسبب الأنانيات القاتلة ، والأهواء الطاغية، و​تذبل القيم ، وتذبل الأخلاق ، إذا ضعف التدين ، وساء الخلق وحينئذ فسترى عقوق الوالدين ، والغش ، وتضييع الأوقات ، ونبذ الحشمة والعفاف، و​سيئ الخلق يعيش أزمة قيم إيمانية لا قيم مادية، ​إنه الفصل بين العلم والعمل ، والإيمان والمبادئ ، فاقد القيم متذبذب مشتت: قال تعالى: ( أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) الملك: ٢٢
​ألا فاتقوا الله – عباد الله – واعلموا أن بقاء الأمم ببقاء أخلاقها ، وذهابها بذهاب أخلاقها ، لم تذهب أمم ولم تدمر حضارة بسبب ذهاب ذكائها ، أو علومها ، أو قلة عددها ، ومن أهمها ذهاب الخصوصية الأخلاقية للأمة ، ومن ثم سيطرة أخلاق الأمة الغالبة.