الأمن الفكري والتجربة الناجحة

الثلاثاء ٢٥ مايو ٢٠٢١ الساعة ٨:١٠ صباحاً
الأمن الفكري والتجربة الناجحة
بقلم : د. عبدالله بن مترك *

لا يقتصر الأمن في أي بلد على وجه الأرض، على قوة النظام وحيوية جهازه الاستخباراتي، وانتشار أفراد الأمن في كل مكان، وإنما لابد من تعزيز “الأمن الفكري” الذي يرسخ الشعور لدى كل شخص في أنه يعيش في وطن آمن قوي، قادر على حمايته من أي أخطار ظاهرة أو خفية.

ويقيني أن المملكة قطعت شوطًا طويلًا لتأسيس مبادئ الأمن الفكري لدى المواطنين، متبعة أحدث الأساليب العلمية التي تثمر عن مجتمع يتمتع أفراده بالتجانس والتآلف والتوازن في التفكير العام تجاه الملفات الفكرية الحساسة، ولا أبالغ إذا أكدت أن تجربة المملكة في هذا الشأن جديرة بالاهتمام، وتستحق لتسلط الضوء عليها، ومن ثم الانتشار لمن يريد أن يستفيد.

ورؤية 2030 على شموليتها، لم تقصر اهتمامها على جانب الاقتصاد والاجتماع، وإنما طرقت أبواب الأمن الفكري بأساليب نوعية، مدركة أنه لا تنمية مستدامة في ربوع الوطن دون أن يكون هناك أمن فكري منضبط، يعزز من قيمتي الانتماء والولاء في نفس كل مواطن ومواطنة، ويعالج أمراض الانحراف الفكري، والتخلف الفكري، والتعصب الفكري والمناطقي، وفقدان الهُوية الوطنية.

وفي وقت مبكر، أدركت الرؤية أن الأمن الفكري ليس ترفًا أو ديكورًا تزدان به المجتمعات المتقدمة، وإنما هو مرتكز المعيشة الهادئة، ولا تستقيم الحياة الدنيا إلا بفكر معتدل، يضمن للإنسان أن يكون آمنًا على نفسه، مرتاح القلب، لا يخشى وقوع مكروه يهدد أمنه وممتلكاته، أو ينتقص دينه، أو ينتهك حرماته، أو يستلب خيراته، أو يفرض عليه ما يتعارض مع معتقداته وثقافته من أفكار ومذاهب.

كما أدركت الرؤية أيضًا أهمية أن ينطلق هذا الفكر من المسجد والمدرسة، لبناء وتأسيس أجيال واعية فكريًّا، غير قابلة للاختراق أو الاستهداف، هذه الأجيال تكون بمثابة نواة لمجتمع مثالي، ليس فيه فكر متطرف يغرد منفردًا خارج السرب، فيعكر صفو الحياة ويفسد جمالها.

وربما لهذا السبب، استهدفت برامج الأمن الفكري الكثير من المنشآت التعليمية في الفترة الأخيرة، بغية إيجاد آليات قادرة على جعل هذه البيئة آمنة فكريًّا، عبر ابتكار برامج وأنشطة قادرة على مواجهة أي انحرافات في الفكر.

ولهذا، كان التعاون الخلاق بين التعليم وأمن الدولة لتعزيز الأمن الفكري لدى النشء، خطوة مباركة لا تخلو من ذكاء حاد، فالتعليم كي يحقق مشاريعه الوطنية والتعليمية التنموية هو بحاجة إلى من يسانده في القضاء على مَن يحاول اختطاف عقول الشباب ويوجهها إلى ما يريد، أو يستغل الفراغ الفكري الموجود في عقولهم لصالحه، أو يستغل عواطفهم الدينية ويحقق من خلالها خططه الشيطانية.

في فترة من الفترات، عانت المملكة من الانحراف الفكري للبعض الذين سلموا أدمغتهم للشيطان، وتحالفوا مع أعداء الوطن، وعاثوا في الأرض فسادًا، وأرهبوا وروعوا الآمنين، لتحقيق أجندة أجنبية، يختبئ وراءها من يشعرون بالحقد على المملكة وقادتها وشعبها.

أتذكر أن المملكة تحركت سريعًا لمواجهة الإرهاب أمنيًّا، ونجحت في التصدي له ببراعة شهد لها العالم، وفي خط متوازٍ، أطلقت المملكة برامجها لتعزيز الأمن الفكري، ومعالجة الانحرافات الفكرية بالحوار البناء، والانفتاح على الآخر واحترامه، وقبول واستيعاب كل الآراء، وهو ما ساعد المملكة اليوم في تحقيق ما سعت إليه بالقضاء على بذور الإرهاب، لإيمانها العميق بأن الفكر المنحرف لا يُحارب إلا بالفكر المضاد.

 

* كاتب سعودي

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق
الاسم
البريد الإلكتروني