هل الانطوائية مرض ؟

الثلاثاء ١٠ أغسطس ٢٠٢١ الساعة ٧:٣٢ مساءً
هل الانطوائية مرض ؟
بقلم - أمجاد الحازمي

من المعروف أن وصف الاجتماعي يطلق على الشخص الذي يحيط نفسه بدائرة من العلاقات و يفضل مشاركة وقته مع الآخرين وأيضا إذا ذكرت كلمة انطوائي سيتبادر إلى ذهنك ذلك الشخص الذي يفضل العزلة ويشعر بالضجر والضيق عند مخالطة الناس.

ربما يكون ذلك الوصف من وجهة نظر عامة ولكن أيضا هو كذلك من المنظور العلمي فقد قام عالم نفس مؤثر بنشر كتاب مذهل عن أنماط الشخصية حيث قال إن الانطوائية والانبساطية هيا لبنتين أساسية لبناء الشخصية.

وقد وصف هذا العالم الانطوائية والانبساطية وصف دقيق فقال إن الانطوائيين يعيشون في عالم الأفكار والمشاعر وينجذبون إليها بينما وصف الانبساطيين أو الاجتماعيين بأنهم ينجذبون إلى حياة الناس والأنشطة الخارجية ويركز الانطوائيين على المعنى الذي ينشؤونه من الأحداث التي تدور حولهم بينما ينغمس الانبساطيين هم نفسهم بالأحداث.

ولكن السؤال الأهم هنا هل تعتبر الانطوائية مؤشر للمرض ؟

إن عزلة الشخص الذي عرف بحبه للاجتماعات والذي لا يشعر بنشوة إلا مع وجود العلاقات والصداقات من الممكن أن تكون مثيرة للقلق، لكن ماذا لو كان الشخص يفضل العزلة ولا ينتشي إلا بالجلوس وحيدا ؟

من الظلم أن يحرم الانطوائي من عزلته ويجر للمجالس ويدفع للخروج وكأن به علة، حيث إن إجبار الانطوائيين على مخالطة المجتمع بشكل دائم واغتصاب حقهم في العزلة يجعلهم خائري القوى فقد أوضح علماء النفس أن الشخصية الانطوائية تستمد وتشحن طاقاتها من العزلة.

فقد قال الكاتب عبداللطيف القرين في أحد كتبه ” إننا لا نكتفي بسلب الشواحن المناسبة لتلك الشخصيات بل وندفعهم لاستخدام شواحن الاجتماعيين عندما نلزمهم بالتصرف كما يفعلون وكأننا بذلك نقوم بمحاولة شحن أجهزة عن طريق القوة بشواحن لم تفصل لأجلها ”

إن ميل هذه الشخصيات إلى العزلة و اعتذاراتهم المتكررة عن حضور الاجتماعات لا علاقة له في الغالب بالخجل والخوف أو قلة الثقة ولا بالرهاب الاجتماعي فأغلب تلك الشخصيات تتقن جميع المهارات الاجتماعية ومهارات التواصل بشكل جيد لكن ليس بالضرورة أنهم يفضلون ممارستها.

فمن غير المنصف ذلك الضغط الذي يواجه الشخصية الانطوائية وتصنيفهم كشخصيات سوداوية مريضة ف الانطوائية بحسب أبحاث الطب النفسي لا تصنف مرض وإنما هي طبيعة بشرية أو صفة وراثية كما قال عباس العقاد إنه ورث الانطواء من أمه وأبيه.

ومن غير المنصف أيضًا التكهن بأنهم يملكون مقداراً أقل من المتعة والسعادة وأنهم يفتقدون للذة الحياة، فأكثر الدراسات أوضحت أن متعة الانطوائي أثناء ممارسة طقوسه في عزلته تعادل متعة الانبساطي حين يكون بمكان مكتظ ومليء بالرفقة.

قد حُكِمت تلك الشخصية بنظرة سطحية عامية بحتة ومن الواجب إنصافها، إن شخصية الانطوائي ليست شخصية معقدة أو سلبية أو غريبة الأطوار، بل إن العديد من الانطوائيين يتمتعون بجاذبية وكاريزما كبيرة وقدرة على أن يضفي الكثير من المتعة على أي حديث أو اجتماع، ولعل صفاء الذهن الناتج من حياة الهدوء والروتين لتلك الشخصيات يمكنهم من القدرة على التفكير بعمق والتحليل بالتالي يجعلهم أشخاصاً مبدعين كما قال عالم الفيزياء المعروف بالانطوائية أينشتاين ( أن رتابة الحياة الهادئة والعزلة،تحفز الدماغ على التفكير الإبداعي).

بل وتوجد شخصيات عربية وغير عربية معروفة وعظيمة وصفوا أنفسهم بالانطوائية منهم غازي القصيبي وعباس العقاد كما ذكرت سابقاً وغاندي وستيف جوبز وبيل جيتس وغيرهم الكثير من أصحاب الإبداع الذين كانوا ذوي شخصية انطوائية، إن موضوع الانطوائية معقد جداً ولن ننكر أن لتلك الشخصية سلبيات كثيرة ولكن لها إيجابيات تعادل سلبياتها فقد سلط المجتمع الضوء على سلبياتها وضلل إيجابياتها بالسواد.

وأخيراً لست أجمل العزلة في عين من أراد اعتزال الناس، إني أتحدث عن انعزال فطري يُخرج طاقات غير محدودة من الإبداع أما ذلك الانعزال الذي سببه الخوف والهروب بسبب عقد نفسية أو بسبب قلة الثقة فذلك انعزال مذموم.

 

 

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق
الاسم
البريد الإلكتروني

  • أم خالد

    الموضوع أكثر من رائع……وتوعوي بالدرجة الأولى ينصف شخصيات كثيرا ما عرضناها للإنتقاد والسخرية وأجبرناها على الخوض فيما يخالف طبيعتها…… ألف شكر للكاتبة على اثارة هذا الموضوع