اشتباكات عنيفة في ستوكهولم ومدن سويدية أخرى

حرق القرآن في السويد.. أزمة دينية جديدة بين الشرق والغرب

الخميس ٢١ أبريل ٢٠٢٢ الساعة ٨:٠٤ صباحاً
حرق القرآن في السويد.. أزمة دينية جديدة بين الشرق والغرب
المواطن - خاص

تسبّب حادث إحراق نسخ من القرآن الكريم في مناطق يسكنها مسلمون في السويد بإشعال موجة من الاضطرابات والمواجهات التي أصيب فيها أشخاص بنيران الشرطة والقبض على عشرات الأشخاص، بينهم 4 قاصرين، في مدينتي لينشوبينج ونورشوبينج بعد حرق سيارات وصدامات في موجة احتجاجات شهدتها نورشوبينج شرقي السويد.

كما اندلعت موجة غضب في العالمين العربي والإسلامي بسبب عودة موجة الكراهية ضد الإسلام والمسلمين في الغرب وبصورة وصلت إلى حد إحراق القرآن وسط إدانات ورفض إسلامي شديد، إثر حرق السياسي الدنماركي السويدي اليميني المتطرف، وزعيم حزب «الخط المتشدد» المعادي للإسلام، راسموس بالودان، نسخة من القرآن ونشر صورة لنفسه على مواقع التواصل مع مصحف محترق.

فيما وعد السياسي بالودان الذي أسس حزبه عام 2017، بتكرار فعلته في عدة بلدات ومدن من السويد- رغم الاحتجاجات وما نجم عنها- ويعرف بأنه يحمل أجندة مناهضة للهجرة والمسلمين.

إدانات وتحذير رسمي:

لم يمر حادث حرق نسخة من القرآن بيد السياسي اليميني مرور الكرام وعجت العواصم العربية والإسلامية ببيانات الرفض والإدانة والاستنكار الرسمية وسط مخاوف متابعين ومراقبين من موجات اندلاع عنف ونار في ستوكهولم تمتد إلى عواصم أوروبا التي تعيش أيامًا صعبة سياسيًّا واقتصاديًّا في ظل الحرب الروسية الأوكرانية المستعرة.

وشهدت العاصمة ستوكهولم ومدن سويدية أخرى اشتباكات عنيفة، خلال الأيام الماضية، وأصيب العشرات من ضباط الشرطة في مواجهات بمدينة أوريبرو ومظاهرات صدامية في مالمو ومواجهات دموية أخرى في منطقة لاندسكرونا جنوبي السويد، بسبب خطط بالودان حرق نسخ أخرى من المصحف، بينما استقبلت سلطات السويد عشرات الشكاوى من أعمال تخريب غاضبة بمناطق مختلفة من المملكة.

أكثر البيانات مبعثًا للقلق لدى المتابعين، كان من حركة طالبان الحاكمة في أفغانستان التي حذرت من تكرار أفعال تضر بمشاعر جميع المسلمين ما قد يؤدي إلى عواقب لا يمكن التنبؤ بها، في إشارة إلى زيادة فرص العنف في أوروبا كصورة عكسية لزيادة العداء ضد الإسلام. وطالبت طالبان، عبر وزارة الخارجية الأفغانية، السلطات السويدية، بمعاقبة شديدة لمن وصفتهم بالمجرمين وعدم السماح بتدنيس المقدسات الإسلامية في المستقبل.

رد اقتصادي:

حاول البعض الترويج لفكرة تفعيل الرد الاقتصادي ضد السويد باعتبارها سمحت بالكراهية للإسلام والمسلمين وحرق القرآن بدعوات المقاطعة الشعبية للمنتجات السويدية، ودعا البعض على وسائل التواصل بمقاطعة منتجات السويد “مقاطعة المنتجات السويدية” و”مقاطعة السويد” ردًّا على تكرار الحادثة.

وحسب مؤشرات اقتصادية، تعتمد السويد على صادراتها إلى العديد من الدول العربية، واحتلت السعودية القيمة الأعلى بقيمة صادرات السويد لعام 2021، لتبلغ نحو 1.193 مليار دولار، تليها مصر بإجمالي 884 مليون دولار، ثم الإمارات بـ764 مليون دولار أمريكي، وفقًا لقاعدة بيانات الأمم المتحدة “كومتريد”، وحال تفعيل المقاطعة الشعبية لمنتجات السويد لا شك سيتأثر اقتصاد المملكة الإسكندنافية الشهيرة.

أزمات متتالية من الكراهية:

يقول الباحث المتخصص في شؤون الحركات والجماعات، مصطفى زهران: إن أحد الأسباب المهمة في شحذ وتحفيز حالات التطرف داخل الأوساط الإسلامية في الغرب على مدار العقود السابقة هو مثل تلك المواقف كحرق القرآن الكريم، وبالتالي ليس هناك فصل بين الحديث عن الإسلاموفوبيا وكراهية الإسلام والمقدسات الإسلامية والإساءة إلى رموزها كالنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في الغرب وأزمة الرسوم الكاريكاتورية المسيئة الشهيرة، والربط بين حالة السخط أو التشدد الديني أو الغلو الفكري في الغرب وارتباطها بالتكوين الجهادي للمقاتلين المهاجرين كما في عامي 2014 و2017 وانتقالهم لمناطق ساخنة كالرقة السورية والموصل العراقية والانضمام لجماعات متطرفة مثل ما يعرف إعلاميًّا بتنظيم الدولة “داعش”.

أسباب الدعشنة:

أضاف مصطفى زهران، في تصريحات خاصّة لـ”المواطن“، أنه من الأهمية النظر إلى تلك الحوادث على نحو من الأهمية وعمل الأنظمة السياسية التي تحدث على أراضيها لمنعها وتقييدها قانونيًّا وفكريًّا، لأنها تغذي فكرة المظلومية لدى قطاعات واسعة من الشباب المسلم المتحمس والمهاجر خاصةً، وبالتالي تكون ردة الفعل متفاوتة، ويجب أن نلتفت إلى هذا الأمر عند الحديث عمّا يعرف بانتشار “الدعشنة” أو أسباب زيادة الفاهم الخاطئ عن الإسلام إذا كنا نحلل الأمر فيما يتعلق بمسلمي الغرب أو مسلمي المهجر.

الردّ المناسب:

تعددت بيانات الرفض العربية والإسلامية إزاء حادث حرق المصحف في السويد، وطالبت المملكة العربية السعودية، بتضافر الجهود لنشر قيم الحوار والتسامح والتعايش الرافضين للكراهية والتطرف والإقصاء ومنع الإساءة لجميع الأديان والمقدسات.

قدَّمت الحكومة العراقية احتجاجًا رسميًّا بعد استدعاء الممثل الدبلوماسي السويدي في بغداد لمطالبة الحكومة السويدية بوقف الأعمال التي وصفتها بالاستفزازية، أيضًا جددت خارجية كل من مصر والإمارات والكويت والأردن، الدعوة إلى نبذ خطاب الكراهية والعنف ووجوب احترام الرموز الدينية والابتعاد عن إثارة الكراهية بالإساءة للأديان والمقدسات.

احترام الإسلام:

يقول الكاتب الصحفي المهتم بالشأن الديني، سيد عيسى، إنه ليس من السهل على الشخص في هذه الآونة وغيرها الرضا أو تقبل فكرة الاعتداء على مقدساته، لاسيما القرآن الكريم الذي هو دستور تكفل الله بحفظه، فليس هناك مجال للاستهزاء به أو المساس به من قبل الجهال، لكن في التوقيت ذاته لا يمكن أن يكون الرد على قدر الحدث كما جرى في أحداث متشابهة؛ سواءً في فرنسا أو الدنمارك فالرد، خاصةً في هذا التوقيت الذي يترقب فيه أعداء الدين أي رد فعل غير مدروس ليطعنوا في ثقافة الإسلام وأتباعه، يجب أن يكون بالحكمة وبالتعريف وبنشر تعاليم الإسلام السمحة التي انتشرت في ربوع الأرض في السابق بهذه الطريقة، ولا يصلح أن يكون بالتشنج أو السب أو الاعتداء لأنه ليس في صالح المسلمين.

وأضاف سيد عيسى في تصريحات خاصة لـ”المواطن“: “ما يعيب القائمون على المؤسسات الدينية في كل البلدان العربية والإسلامية أنهم يتعاملون مع الحدث على قدر توقيته فقط، وذلك بالاستنكار والشجب ليس أكثر، لكن أن تكون هناك مؤسسات معتمدة يكنّ لها مقرات في تلك البلدان تنشر تعاليم الدين السمحة ونشر سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا ما يجب أن يكون في حسبان العلماء والمؤسسات الدينية صاحبة الثقل في العالم؛ مثل الأزهر الشريف والجهات الدينية في السعودية وغيرها.

علاج محاولات التعدّي على الإسلام:

لعلاج هذه التعديات يجب أن تكون هناك مخاطبات لحكومات هذه البلدان من قبل الحكومات العربية والإسلامية لاتخاذ الإجراءات اللازمة لكل من تسول له نفسه الاعتداء على الدين، وتذكير هذه الحكومات بردود الفعل التي يمكن أن تصدر إذا لم تكن هناك وقفة قوية وقوانين رادعة للمعتدين، وسيكون ضررها على هذه البلدان كبير.

ويكمل الكاتب الصحفي سيد عيسى قائلًا: “على البلدان الغربية أن تعي وتنشر مبادئ الحرية والديمقراطية التي تؤمن بها وتسمح بوجود كل الأديان على أراضيها وبحرية التعبير كما يحدث مع جميع الثقافات الأخرى، فليست الحرية حكرًا على دين أو ثقافة دون ثقافة أخرى”.

أيضًا على الوافدين والقاطنين في السويد وغيرها من الجاليات الإسلامية أن يتعلّموا أمور دينهم وتطبيقها على أنفسهم، فأخلاق المسلمين وطريقتهم يمكن أن تكون سببًا في هداية هؤلاء القوم، فهم كما يقال عنهم “مسلمون بلا إسلام” ويحتاجون لمَن يرشدهم فقط إلى جمال الإسلام وروحه الحقيقية القائمة على التسامح والود.

ويضيف: “رابعًا وكما ذكرت يجب أن يكون هناك دور للمؤسسات الإسلامية الرسمية المعتمدة بعمل مقرات دائمة وحلقات تعليم وتثقيف مستمرة ودعوة أهل الدول التي تشهد حوادث فردية تحاول النيل من الإسلام والكتب السماوية، وتعريفهم أن هذا الدين غض طري يتقبله كل من يسمعه شريطة أن يكون مقدمًا هذه المعلومة حكيمًا متعلّمًا، يعلم متى يتكلّم ومتى ينصت”.