رويدة ووجع الحياة

الأحد ١٧ يوليو ٢٠٢٢ الساعة ٤:٤٦ مساءً
رويدة ووجع الحياة
بقلم : د. فاضل البدراني

من أبلغ الآراء التي قيلت عن المرأة وتستفز ذاكرتي دوما قول “بلزاك” المرأة أقرب الكائنات الى الكمال، إنّها وسط بين الرجل والملاك.
لقد وضعته مقياسًا للنساء لكن فقط من تمتاز منهن بعقل مستقيم وحاد جاد بذات الوقت، وذات كبرياء. صادفتني زميلة إعلامية (رويدة) من دون وجود عمل مباشر بيننا، سوى بعض اللقاءات العابرة، وفي لحظة تاريخية ولاستشارة رأي منها لي عند جفاف حبر قلم توقف عن التواصل والإيعاز بينه وبين الذاكرة، أمطرتني بنظرات كأنهما سهمان مستقيمان يحملان لي سؤالاً محددًا ألا من معين؟

أجبت بلى، انحنيت انحناء الكريم الذي ترجم الموقف حروفا بحبر قلمها وأسعفتها فخف عندها ضغط الإرباك دون أن يصبح ندمًا بعد لحظات. حاولت أن أكون صاحب موقف ويا ليتها كانت مواقف حتى يتجسد قول أحلام مستغانمي “المواقف هي أكاديميات تصنع البطولات” لم أكن أحتاج للبطولة فحاجتي لموقف تستحقه هذه الفاتنة الهادئة في كل شيء، كانت بالنسبة لي كتابًا عنوانه مصوغ بفلسفة يونانية، ومضمونه، ليس أي أحد يفهمه، لكن ما أروعه، بل يعطي للروعة رونقًا، لتفوح عطور نسماته أعذب من المسك، إنها المواقف كلها، ذلك قراري لمجرد لمحة بصر لها كما يقال، وطرف عين منها ينظر باستحياء.

قالت لي، رويدة، بلغة الصمت التي لا يفهمها سوى من أرواحهم تسكن الآخر من صنف الملائكيين وأصحاب التهذيب، يا سيدي، لك موقفك وعليه التثمين، فخاطبتها عيني بصمت وخجل، فأجابتني يا أيها الرجل المهندم أنا بداخلي روح مختلفة، وقلبي لا يُشبه أيّ قلب، أنا امرأة عنواني ألّا أركع لأيّ إنسان، ولكني ينبغي أن أقدر موقفك. فاقت روحي لهذه البلاغة من هذه الإنسانة البليغة.

انتهى الموقف والبطولة، وكل منا سجل استحقاقه، وغادر الزمان مكانه بعد أن سجل حدثًا، مر الوقت يحصد من رصيد أعمارنا أيامصا وشهورًا وسنين، وبالصدفة أقرأ في دفتر ذكريات رويدة وعلى غلافه، نصًا كتبته هذه الإعلامية الصامتة التي تخبئ في أعماقها البعيدة أشياء وأشياء كلها جمال وعبر، تقول ” أنا امرأة علمتني الحياة …. عندما حزنت.. وتألمت… وبكيت ،، وكسر قلبي،، أصبحت أعرف مرارة الجروح ومدى قساوتها.. وأحرص دائما على ألا أكون سببًا لزرعها في قلب أحدهم. كلماتها تمثل بطولة يخوضها هذا الكيان الإنساني المبهر، فأجبتها، يا سيدتي، الوجع خير محفز للإبداع لأن نكتب ونصوغ أجمل عباراتنا.

ردت عليه ببلاغتها، أنا امرأة ولدت من رحم المعاناة، وكتب عليّ أن أكون في الخط الأمامي متأهبة، أحسب حروف كلماتي، وأصوغ جملها بأوزان الشعر، فمنزلتي هي القدوة ودون ذلك لن أقبل.
حاورتها لأنها تلفت ذهني كثيرا، قلت، أنا معك في هذا وكما يقال:
عندما يعتصر القلب إبداعا ينتهي الوجع وينتفض إشراقا
يدوس الموت ويقهره إشعاعا، يعلن النصر، وفي الكتابة يسجل على صفحات العمر انتصارا.
قالت لي يا سيدي دونك لن أحاور، قلت لها يا سيدتي وفي حديثك الغواية التي أستلذ بها. فغادر كل منا الآخر مودعًا بعد أن تبادلنا نصوصًا تحويها دفاتر ذكرياتنا.

* استاذ الإعلام بالجامعة العراقية

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق
الاسم
البريد الإلكتروني