المملكة وجنوب إفريقيا.. علاقات سياسية واقتصادية متطورة

السبت ١٥ أكتوبر ٢٠٢٢ الساعة ١٢:٥١ صباحاً
المملكة وجنوب إفريقيا.. علاقات سياسية واقتصادية متطورة
المواطن-الرياض

تعود بداية العلاقات الرسمية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية جنوب أفريقيا إلى نوفمبر من عام 1994م، عندما قام رئيس جمهورية جنوب أفريقيا الأسبق نيلسون مانديلا بزيارة رسمية للمملكة، حيث أنشئت عقب تلك الزيارة بعثتان دبلوماسيتان لجنوب أفريقيا بالمملكة في مارس عام 1995م، وهما سفارة جنوب أفريقيا في العاصمة الرياض، والقنصلية العامة في مدينة جدة التجارية، وقد باشر أول سفير جنوب أفريقي مهامه كسفير لجمهورية جنوب أفريقيا لدى المملكة في نوفمبر 1996م، بينما وصل أول قنصل جنوب أفريقي إلى مدينة جدة بتاريخ 1 يوليو 1996م، أما سفارة المملكة في بريتوريا فقد افتُتحت عام 1997م.

الزيارات المتبادلة 

وأسهمت الزيارات المتبادلة من قبل المسؤولين من كل الجانبين في توطيد وتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، وكان من أهم تلك الزيارات: الزيارة الرسمية التي قام بها رئيس جمهورية جنوب أفريقيا الأسبق نيلسون مانديلا للمملكة في نوفمبر 1994م، والزيارة الرسمية لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- في مايو 1999م عندما كان ولياً للعهد.

العلاقة بين المملكة وجنوب إفريقيا

وشهدت العلاقات بين المملكة وجنوب إفريقيا في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله-، تطوراً ملحوظاً في شتى المجالات (السياسية والعسكرية والاقتصادية والتجارية والاستثمارية).


وكان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- قد استقبل في قصر اليمامة بالرياض في مارس 2016م فخامة الرئيس جاكوب زوما رئيس جمهورية جنوب إفريقيا.

وفي يوليو 2018م استقبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- في قصر السلام بجدة فخامة الرئيس سيريل راما فوزا رئيس جمهورية جنوب أفريقيا، وعقد -حفظه الله- جلسة مباحثات رسمية مع فخامة الرئيس سيريل راما فوزا.

كما التقى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، في جدة بفخامة الرئيس سيريل راما فوزا رئيس جمهورية جنوب أفريقيا، وجرى خلال اللقاء بحث أوجه العلاقات الثنائية بين البلدين في مختلف المجالات، وفرص تطويرها، إضافة إلى عدد من المسائل ذات الاهتمام المشترك.


وعلى هامش انعقاد قمة العشرين المنعقدة في العاصمة الأرجنتينية بيونس آيرس في نوفمبر 2018م، التقى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -رئيس وفد المملكة المشارك في قمة قادة دول مجموعة العشرين- بفخامة الرئيس سيريل رامافوزا رئيس جمهورية جنوب أفريقيا، وجرى خلال اللقاء استعراض مجالات التعاون بين المملكة العربية السعودية وجمهورية جنوب أفريقيا وفرص تعزيزها في مختلف المجالات، وبالذات في مجال الطاقة والاستثمارات المتبادلة.
وتعدّ العلاقات بين المملكة وجنوب أفريقيا متميزة، فكلا البلدين عضو في مجموعة العشرين، وفي مجموعة كبيرة من المنظمات الإقليمية والدولية.

مجالات التعاون الثنائي 

وتتمثل أبرز مجالات التعاون الثنائي بين البلدين في “المجال العسكري، وقطاع التعدين، وقطاع الطاقة، وقطاع الزراعة”، حيث حظي التعاون في المجال العسكري باهتمام كبير من الجانبين، إذ يمثل هذا المجال ملفاً رئيساً للتعاون بين البلدين، لا سيما في مجال الصناعات الدفاعية، إذ تسعى المملكة إلى توطين ما يزيد على 50٪ من إنفاقها العسكري بحلول العام 2030، والاستفادة من الخبرات الجنوب أفريقية في هذا المجال.
وأثمر التعاون السعودي الجنوب أفريقي في مجال الصناعات الدفاعية عن افتتاح مصنعٍ للمقذوفات في محافظة الخرج، بالشراكة بين المؤسسة العامة للصناعات العسكرية، وشركة (راينميتال دينيل) للذخيرة، وبتكلفة بلغت نحو 240 مليون دولار.


واقتصاديًا، مثّل التعاون الاقتصادي بمفهومه الشامل حجر الزاوية في تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، لا سيما أنهما يتمتعان بإمكانات اقتصادية وثروات طبيعية كبيرة، ويحرصان على تفعيلها وتنميتها واستغلالها بكفاءة عالية، لتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030، وأهداف خطة التنمية الوطنية 2030 بجنوب أفريقيا.
وسعت المملكة من خلال اللجنة السعودية الجنوب أفريقية المشتركة إلى توفير الأرضية والمناخ المناسب للقطاع الخاص لاستغلال الفرص الاستثمارية والتجارية في البلدين بالمستوى المأمول، وتذليل العوائق التي تحد من تدفق الاستثمارات والتبادلات التجارية بينهما، والارتقاء بمجالات التعاون الأخرى إلى مستويات أعلى.
وبحسب الإحصائيات، نما التبادل التجاري بين البلدين في العام 2021 مسجلاً 4.951 مليون دولار، حيث كان التبادل التجاري بين المملكة وجنوب أفريقيا متأثراً بجائحة كورونا العالمية في العام 2020 وسجل فقط 2.996 مليون دولار.

قيمة الصادرات السعودية

وبلغت قيمة الصادرات السعودية إلى جنوب أفريقيا (عام 2020) 8 مليارات ريال، وأهمها صادرات المنتجات المعدنية، اللدائن ومصنوعاتها، والمنتجات الكيماوية العضوية وغير العضوية، والأسمدة، بينما بلغت قيمة الواردات منها 3 مليارات ريال، وأهمها المعادن الثمينة والأحجار الكريمة، والفواكه، والسيارات وأجزاؤها، وخامات المعادن، وخبث ورماد، ومنتجات كيماوية عضوية، وسجل الميزان التجاري فائضاً لصالح المملكة بقيمة 5 مليارات ريال.

وتحرص المملكة على تنمية علاقاتها التجارية مع جمهورية جنوب أفريقيا، وتجسيداً لذلك افتتحت الهيئة العامة للتجارة الخارجية في مايو 2022 ملحقية تجارية بمدينة جوهانسبرغ لتوسيع نطاق التعاون والعمل المشترك، وزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، الذي فاقت قيمته الـ18 مليار ريال في العام 2021.

ويسعى البلدان إلى التعاون في زيادة حجم التبادل التجاري بينهما، وتشجيع الاستثمارات المشتركة في المشاريع الاقتصادية والبنية التحتية، وتقديم التسهيلات والحوافز لهذه الاستثمارات، بما يتوافق مع طموحات البلدين والشعبين الصديقين، خاصةً تحفيز الشركات الجنوب أفريقية على الاستثمار في المملكة، إذ يبلغ عدد الشركات المستثمرة في السوق السعودية 10 شركات.

وتعمل كبريات الشركات السعودية على تعزيز حضورها في السوق الجنوب أفريقية، إذ أعلنت شركة التعدين العربية السعودية “معادن” افتتاح مكتب إقليمي جديد لها في جنوب أفريقيا، وذلك خلال مؤتمر التعدين الأفريقي “إندابا 2022″، الذي استضافته مدينة كيب تاون في مايو 2022.

وفي مجال الطاقة، تتطلع المملكة إلى تعزيز التعاون فيما يتعلق بإمداد جنوب أفريقيا بالبترول، والبتروكيماويات، بموثوقية واستدامة، إذ بلغ صافي إجمالي مبيعات البترول الخام السعودي ومشتقاته إلى جنوب أفريقيا 32,066,953 برميلاً في عام 2021، بمعدل 88 ألف برميل يوميًا.

وأعلنت حكومة جنوب إفريقيا رسميًا بعد زيارة الرئيس سيريل رامافوزا في عام 2018، ولقائه في مدينة جدة بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز – حفظهما الله – استثمار المملكة 10 مليارات دولار في جنوب أفريقيا، لا سيما في مشروعات الطاقة.

وترغب المملكة بدراسة فرص المشاريع المشتركة في قطاع البتروكيماويات في جنوب أفريقيا، للمشاركة في النمو في هذا القطاع، بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين، وتقدّر كمية مبيعات سابك من المنتجات البتروكيماوية إلى جنوب أفريقيا بـ 961 ألف طن.

ويتعاون البلدان في مجال الطاقة المتجددة وإنتاجها وتطوير مشروعاتها وصناعاتها، وتعزيز التعاون القائم لشركة (أكوا باور) في جنوب أفريقيا، التي استثمرت في 4 مشروعات قائمة يجري الإعداد لتنفيذها في هذا المجال.
ويعمل في المملكة 2557 مواطناً جنوب أفريقي، من بينهم 2460 يعملون في القطاع الخاص (معلمون، ومستشارو خدمات فنية، ومعلمو لغات أجنبية، وفنيو صيانة طائرات، وممرضون متخصصون، وغيرهم)، و97 آخرون عمالة منزلية.

وانطلاقًا من دورها الإسلامي الرائد، تتواصل المملكة مع المسلمين في جنوب أفريقيا خلال المناسبات الإسلامية المختلفة، ومن أمثلة هذا التواصل قيام وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد -ممثلةً بالملحقية الدينية بالسفارة خلال شهر رمضان الماضي- بتدشين برنامج (هدية خادم الحرمين الشريفين)، لتوزيع 11 طناً من التمور الفاخرة، وأكثر من 2500 سلة غذائية.

وفي المجال الإنساني قدّم مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية مساعدات لجمهورية جنوب أفريقيا بقيمة 1.582.441 دولاراً، وذلك بين العامين 2017 و2021، واستهدفت تمويل 8 مشروعات، منها مشروعين في قطاع الأمن الغذائي والزراعي، و6 مشروعات في قطاع التعليم.

وتمثل زيارة فخامة رئيس جمهورية جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا للمملكة فرصة للتشاور والتباحث بين حكومتي البلدين حول التطورات الدولية الراهنة، لا سيما أنهما يتشاركان عضوية مجموعة العشرين، إلى جانب أن المملكة دولة قيادية مؤثرة في منطقة الشرق الأوسط والعالمين العربي والإسلامي، وتؤثر أيضاً في استقرار أسواق الطاقة العالمية، وفي المقابل تعدّ جنوب أفريقيا دولة قيادية مؤثرة في القارة الأفريقية، وعضو رئيس في مجموعة دول (بريكس).