مضمون لا يُعبِّر بما يكفي عن هموم المجتمع وأولوياته

أزمة الإعلام التقليدي.. عندما يتقمّص الخاسر أسوأ صفات شخصية المنتصر

الخميس ١٥ ديسمبر ٢٠٢٢ الساعة ١١:٣٠ صباحاً
أزمة الإعلام التقليدي.. عندما يتقمّص الخاسر أسوأ صفات شخصية المنتصر
المواطن - فريق التحرير

تطرق الكاتب والإعلامي د. سعود كاتب لأزمة الإعلام التقليدي وإشكالية التطوير في ظل انتشار الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.

وقال سعود كاتب في مقال له بصحيفة “المدينة”، بعنوان “في الإعلام.. عندما يتقمّص الخاسر شخصية المنتصر”، تحدَّثتُ وكتبتُ كثيراً عن الإعلام الجديد ومستقبل الإعلام التقليدي؛ لدرجة أنِّي نفسي بدأتُ أشعر بالملل من مجرَّد التطرق لهذا الأمر، ولكني اليوم أجد أن العودة أصبحت ضرورية ولا مفر منها، لأن الموضوع -في الإعلام العربي عموماً- لم يعد يقتصر على مجرد صراع بين عصرين، أو منافسة على البقاء والموارد بين جيلين، بل تعدَّاه إلى ما هو أكثر من ذلك، وهو فقدان المركب بأكمله لبوصلته، فلا هو الذي ارتقى بمحتواه وتقنياته للمستوى الرفيع المأمول، ولا هو الذي حافظ على أثمن ما تبقَّى له من عناصر قوة، تتمثل في: الرزانة والمصداقية، أو بعبارة أخرى أخلاقيات الإعلام كما درسناها وامتهناها.

تطورات تكنولوجية رقمية هائلة

وأضافت “القصة ببساطة هي أن ظهور الإنترنت، والتطورات التكنولوجية الرقمية الهائلة والسريعة التي تلت ذلك، ومنها شبكات التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية، نتج عنها تغيُّرات غير مسبوقة في صناعة الإعلام، وصلت حداً رأى بعض المتخصصين معه بأن عصر الإعلام الجماهيري قد انتهى فعلا، وحل محله عصر «الإعلام اللامحدود»، والذي جعل بإمكان (أي شخص) إنتاج وتوزيع (أي محتوى)، بتكلفة لا تُذكر، وذلك خلافاً لنموذج الإعلام الجماهيري القائم على عددٍ قليل من المزودين، يُرسلون قدراً محدوداً من المعلومات لأعداد كبيرة من المستقبلين”.

وبالرغم من أن هذه التغييرات -التي بدأت معالمها في التسعينيات تقريباً- مثلت منذ ظهورها فرصاً ضخمة للربح لوسائل الإعلام التقليدي، إلا أن كثيراً من تلك الوسائل اختارت مقاومة التغيير، أو أنها استجابت له لاحقاً بشكل يُمكن وصفه بأنه «قليل جداً متأخر جداً».

عناصر قوة وتفوق جبَّارة

وتابع سعود كاتب أنه وبالرغم أيضاً من أن تلك الوسائل تمتلك عناصر قوة وتفوق جبَّارة، منها: الخبرة العميقة في التعامل مع المعلومة والخبر والترفيه، والكفاءات البشرية المحترفة، وولاء العملاء والمعلنين، ومعايير مهنية راسخة مثل: الموضوعية والمصداقية والتوازن، والالتزام بأخلاقيات المهنة وبالمسؤولية الاجتماعية، إلا أن ضغوط المنافسة والصعوبات المادية جعل تلك الوسائل -بإدراك منها أو دون إدراك- تتخلَّى تدريجياً عن عناصر تفوّقها وقوّتها تلك؛ واحدة تلو الأخرى، وذلك من خلال ارتكابها لخطأ قاتل جديد لا يقل خطورة عن خطئها الأول المتمثل في: مقاومة التغيير منذ التسعينيات، وهذا الخطأ وصفتُه في تغريدة لي بأنه عبارة عن: اكتفاء التقليدي (الخاسر) بتقمُّص أسوأ صفات الجديد (المنتصر). ومن أمثلته ما يلي:

– إذاعيا: كثير من قنوات «إف إم»؛ بمحتوى ركيك وتقديم سطحي يفتقد لأدنى مقوّمات التقديم الإذاعي، ويُساهم في تدهور مستوى الذوق العام، بدلاً من الارتقاء به، وحجة ذلك هي أنه محتوى موجَّه تحديداً للشباب!.

– تلفزيونيا: برامج ولقطات وإيحاءات -إلا من رحم الله- مستقاة من أدنى قاع لشبكات التواصل، واستضافات تلهث خلف هدف واحد هو: الإثارة والتعصب و»أعداد المتابعين» وقاعدة: «المشاهد عاوز كده»، وإقصاء إعلاميين حقيقيين من منابر التقديم؛ ليحل محلهم «مشاهير شبكات» نالوا شهرتهم عبر طريق وأسلوب واحد (…) لا علاقة له من قريب أو بعيد بالمهارة والكاريزما الإعلامية!.

– صحفيا: عناوين ومانشيتات صادمة في العديد من الصحف، ومضمون لا يُعبِّر بما يكفي عن هموم المجتمع وأولوياته، وغياب متتالي لكُتَّاب الرأي المؤثرين.

مزيج وتوليفة خاطئة

وختم الكاتب بقوله “إن هذا المزيج أو التوليفة الخاطئة من الإعلاميين «القديم والجديد» الذي نراه اليوم، نتج عنه -أو سينتج- مولوداً جديداً غريب الملامح والأطوار، لم ينل أدنى نصيب من قوة الأب أو من جمال الأم.. مولوداً لا تزيد قدرته على القيام بوظائف الإعلام الأساسية وحرصه على تعزيز قِيَم مجتمعه ووطنه، عن قدرة وحرص (بعض) مشاهير سناب شات على القيام بذلك”.