السعوديون ذهبوا باتجاه الوساطة بين الأوكرانيين والروس تدعمهم دبلوماسية محترفة

حياد المملكة في الأزمة الأوكرانية منحها القوة والمصداقية والمكانة الرفيعة

الخميس ٢٥ مايو ٢٠٢٣ الساعة ٩:٢٤ صباحاً
حياد المملكة في الأزمة الأوكرانية منحها القوة والمصداقية والمكانة الرفيعة
المواطن - فريق التحرير

قال الكاتب والإعلامي محمد الساعد إن السعودية اليوم تسير على خطى الملك عبدالعزيز، وتصر على تقديم نفسها دولةً محايدةً في صراع مرير على الأراضي الأوكرانية بين الولايات المتحدة الأمريكية ومن ورائها الدول الغربية، وبين روسيا الاتحادية الطرف المقابل، صراع عنوانه إقليم يتحدث الروسية، وداخله غضب وكراهية وكسر تحالف كان من المحتمل بناؤه بين الروس والألمان، انقض عليه الإنجليز والأمريكان وأجهضوه قبل أن يولد.

وتابع الكاتب في مقال له بصحيفة “عكاظ”، بعنوان “حياد سادة المصمك!”، أن السعوديون ذهبوا باتجاه الوساطة بين الأوكرانيين والروس تدعمهم دبلوماسية محترفة وحياد محترم، بدأت بإطلاق بعض الجنود المأسورين من الطرفين، وقد تسفر عن مشروع سلام ربما يفاجئ العالم؛ عنوانه السعودية ومحمد بن سلمان، لكنه سيكون، بلا شك، تتويجاً لمكانة الرياض الكبرى والمتعاظمة التي بناها الأمير محمد بن سلمان، ولم يكن ذلك ليتحقق لولا احتفاظ سادة المصمك بحيادهم الذي منحهم القوة والمصداقية والمكانة الرفيعة… وإلى نص المقال:

المملكة على الحياد

خلال الحرب العالمية الثانية الطاحنة انضمت قيادات فلسطينية إلى ألمانيا وبقية دول المحور، وكان في الطرف الآخر بريطانيا وبقية الحلفاء، ومنذ انتهاء الحرب والفلسطينيون يدفعون ثمن الانحياز غير المبرر، لم يكن الفلسطينيون في حاجة إلى ذلك الانحياز، وما زال الانحياز الذي يمارسه بعض الفلسطينيين لقوى دولية أو إقليمية يضر بقضيتهم.

في المقابل كان الملك عبدالعزيز المشغول باستعادة مملكته وتأسيسها يفضّل البقاء على الحياد خلال الحرب العالمية الثانية، ولم يعلن انحيازه لأي طرف من الأطراف المتصارعة، بل بقي طوال الحرب على الحياد رغم الضغوطات الهائلة ورغم ظروف دولته الناشئة التي كانت، بلا شك، في حاجة -حينها- لأي مساهمة تعينها على البناء، بل ساهم الملك (الحكيم) بما لديه من إمكانات في الحفاظ على أمن البحر الأحمر؛ الذي كان ممراً لكل الجيوش المتحاربة دون تفضيل لأي من القوى المتصارعة، وعند انتهاء الحرب كان أول زعيم يجتمع معه المنتصرون (روزفلت وتشرشل) في اللقاءين الشهيرين اللذين جريا عام 1945م، واللذين بنيت على أساسهما قواعد العلاقة في المنطقة إلى وقتنا الحالي.

السؤال الكبير: هل المنطقة اليوم في حاجة إلى إعادة ترتيب وبناء بعدما اختلطت العلاقات وتشابكت القوى وانهارت الثقة وذهبت كثير من الدول ضحية للفشل والصراعات؟

بلا شك نعم؛ وهناك دول مؤهلة لهذا الدور لعبته سابقاً وتلعبه اليوم، وعلى رأسها السعودية.

لقد جرب بعض العرب الانحياز للمحورين الغربي الليبرالي، والشرقي الشيوعي فترة الخمسينات حتى نهاية الثمانينات الميلادية ولم تكن التجربة جيدة أبداً.

على خطى الملك المؤسس

السعودية اليوم تسير على خطى الملك عبدالعزيز، وتصر على تقديم نفسها دولةً محايدةً في صراع مرير على الأراضي الأوكرانية بين الولايات المتحدة الأمريكية ومن ورائها الدول الغربية، وبين روسيا الاتحادية الطرف المقابل، صراع عنوانه إقليم يتحدث الروسية، وداخله غضب وكراهية وكسر تحالف كان من المحتمل بناؤه بين الروس والألمان، انقض عليه الإنجليز والأمريكان وأجهضوه قبل أن يولد.

خلال قمة جدة العربية، قدم السعوديون أنفسهم مثالاً للحياد الإيجابي؛ حضر بشار وحضر زيلينسكي، وهما من معسكرين مختلفين، وحضر بقية العرب ويفترض أن يكونوا من معسكر ثالث، مهارة دبلوماسية، وتفكير سياسي رفيع.

لم يأتِ ذلك من فراغ، بل من التالي:

أولاً: مكانة سياسية متراكمة للمملكة وقيادتها بنتها بصدق وشجاعة.

ثانياً: مصداقية وشفافية في التعاطي مع الأشقاء والأصدقاء قاعدتها نفعل ما نقول ونقول ما نفعل.

ثالثاً: قوة ناعمة حقيقية كشفت وجه السعودية والسعوديين الحقيقي؛ فناً وآثاراً وبيئة وتاريخاً إنسانياً مدهشاً.

رابعاً: مصدر للطاقة آمن ومستمر، ومركز اقتصادي ومالي متعاظم.

خامساً: أفكار حداثية غير مسبوقة؛ (نيوم، ذا لاين، جزر البحر الأحمر، أوكسجين) كلها أدهشت العالم ولوت أعناق المحبين والكارهين.

قمة جدة والتجربة السعودية

قمة جدة فتحت أمام بقية العرب الباب ليكونوا محايدين أيضاً في صراع ليس لهم فيه لا ناقة ولا جمل -كما يقول المثل العربي- وبالتأكيد ليس عليهم الانخراط فيه.

التجربة السعودية على مدى عقود أثبتت نجاحها، فهل يستفيد العرب -الذين اعتادوا الانحياز- من تلك الفرصة وينأون بأنفسهم عن صراعات الانحياز التي فيها خسارة فادحة ستدفع ثمنها أجيال متعاقبة كما دفعه الفلسطينيون؟

السعوديون ذهبوا باتجاه الوساطة بين الأوكرانيين والروس تدعمهم دبلوماسية محترفة وحياد محترم، بدأت بإطلاق بعض الجنود المأسورين من الطرفين، وقد تسفر عن مشروع سلام ربما يفاجئ العالم؛ عنوانه السعودية ومحمد بن سلمان، لكنه سيكون، بلا شك، تتويجاً لمكانة الرياض الكبرى والمتعاظمة التي بناها الأمير محمد بن سلمان، ولم يكن ذلك ليتحقق لولا احتفاظ سادة المصمك بحيادهم الذي منحهم القوة والمصداقية والمكانة الرفيعة.