صدمة الأسعار تصل إلى محطات الوقود

ارتفاع أسعار البنزين حول العالم يثير قلق البنوك المركزية

السبت ٢٩ يوليو ٢٠٢٣ الساعة ٩:٠٤ مساءً
ارتفاع أسعار البنزين حول العالم يثير قلق البنوك المركزية
المواطن - فريق التحرير

بدأت أسعار البنزين ترتفع في كل مكان، مما ينذر بتفاقم التضخم الذي يقلق البنوك المركزية والحكومات في كل أنحاء العالم، فيما بلغت عقود البنزين الآجلة في بورصة نيويورك مؤخرًا أعلى مستوياتها في 9 أشهر، لتصل صدمة الأسعار إلى محطات الوقود في الولايات المتحدة، وفي وقت ارتفعت فيه الأسعار أيضًا في آسيا.

نقص في وقود المركبات

عانت الأسواق نقصًا في وقود المركبات في أنحاء العالم كافة، جرّاء عدد من العوامل أبرزها الأعطال غير المتوقعة في مصافي التكرير، وانخفاض المخزونات إلى مستويات أقل من المعتاد في مثل هذا الوقت من العام في مراكز التخزين الأساسية على غرار ساحل الخليج الأمريكي وسنغافورة، بحسب “بلومبرغ”.

على صعيد أسواق الطاقة العالمية، بات جليًا أنه على الرغم من استقرار عقود النفط الآجلة وعدم تغيّرها بشكل كبير منذ بداية العام حتى اليوم؛ فإن عقود البنزين الأمريكية زادت بما يتجاوز 20%. ريما تتسبب عودة ارتفاع البنزين في مشكلات للبنوك المركزية، بما فيها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، إذ يواجه صناع السياسة النقدية مشكلات في تحديد مقدار التشديد النقدي اللازم -عندما يكون ذلك مطلوبًا- لكبح معدلات التضخم.

المستهلك النهائي

غالبًا ما تعتبر أسعار البنزين محل خلاف، نظرًا لأن هذه التكاليف يمكن أن تشكل نفقات يومية أساسية بالنسبة إلى كثيرين، إلى جانب الطعام والإيجار. وتمثل أسعار الطاقة أحد العوامل العديدة التي أسهمت في ارتفاع معدلات التضخم على مستوى العالم. في الولايات المتحدة؛ سيكون كبح الأسعار في محطات الوقود أيضًا مسألة حيوية بالنسبة إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن مع اقتراب موعد الانتخابات المقبلة، التي تُجرى بعد أكثر من سنة بقليل، لا سيما بعد أن أمر ببيع كميات كبيرة من مخزونات النفط الاستراتيجية للبلاد خلال الصيف الماضي.

قال أندرو هولينهورست، كبير خبراء الاقتصاد الأمريكيين في “سيتي غروب”: “قد ترتفع أسعار المستهلكين مع زيادة تكاليف الطاقة، وهذا سيؤدي بالتالي إلى عودة ارتفاع التضخم إلى أسعار السلع بعدما كانت زيادات الأسعار قد تباطأت”.

ارتفاع عالمي

من هذا المنظور؛ فإن صعود سعر غالون البنزين في الولايات المتحدة الأمريكية سنتًا واحدًا، يمحو 1.15 مليار دولار تقريبًا من القدرة الشرائية السنوية، بحسب بريت رايان، كبير خبراء الاقتصاد في “دويتشه بنك”. هذا يعني أن هبوطًا بمقدار 1.30 دولار للغالون خلال الربع الثاني، وفر للمستهلكين 150 مليار دولار، وهذه الأموال يمكنهم إنفاقها على بضائع وخدمات أخرى. وأوضح رايان أن هذه القوة الدافعة تتحول الآن إلى رياح غير مواتية تؤثر سلبًا على الإنفاق في حال واصلت الأسعار صعودها بشكل ملموس.

ويرفع انخفاض المخزونات والطلب المرتفع في المناطق الرئيسية، الأسعار في كل أنحاء العالم. وفي أوروبا؛ ترتفع أسعار البنزين بوتيرة أسرع من النفط الخام، على الرغم من أن هذا الاتجاه لم يُترجم بشكل كامل لزيادة في الأسعار في محطات الوقود. في غضون ذلك، ارتفعت الأسعار في سوق سنغافورة، المركز الآسيوي الرئيسي، نتيجة حجم أقل من المتوقع للصادرات الصينية. وعلى صعيد أسواق ناشئة عديدة أخرى، يتحول ذلك إلى عبء أثقل على الحكومات، نظرًا لأن الكثير منها يدعم تكلفة الوقود لتخفيف التكاليف على المواطنين الأكثر فقرًا.

إخفاق إمدادات البنزين

أخفقت إمدادات البنزين العالمية في التعافي بشكل كبير من المستويات التاريخية المنخفضة على الرغم من زيادات القدرة الإنتاجية لمصافي التكرير في الشرق الأوسط والصين. كما شهدت الولايات المتحدة أيضًا أكبر زيادة في الإنتاج منذ ما يفوق العقد من الزمن، وكان ذلك قبل تمديد عمل مصفاة أخرى بصورة غير متوقعة، إذ كان من المقرر إغلاقها مع حلول نهاية العام الجاري.

لم تكفِ هذه الزيادات لتعويض موجة أعطال مفاجئة، بما في ذلك في وحدة “باتون روج” المملوكة لشركة “إكسون موبيل” في الولايات المتحدة الأمريكية، وموقع “بيرنيس” التابع لشركة “شل” في روتردام، ومنشأة “ميزوشيما” في اليابان الخاصة بشركة “إينيوس هولدينغز”. فقد قلصت هذه الاضطرابات الإمدادات، في وقت ما تزال فيه المخزونات منخفضة.

بحسب كالوم بروس، محلل “غولدمان ساكس غروب”: ” تعد أنظمة التكرير عبر العالم أكثر عرضة للأعطال بعد أعوام من التشغيل القوي”. وأضاف أنه علاوة على ذلك؛ فإن موجة الحرارة القياسية في أوروبا وبعض مناطق آسيا، تزيد من صعوبة تشغيل المصافي بخامات خفيفة.

السوق الصينية

بالنسبة إلى الصين، أكبر مستورد للنفط الخام، تبيّن مجموعة مؤشرات ازدهار الطلب، فقد زادت مستويات الكثافة المرورية في 15 مدينة تضم أكبر عدد من تسجيلات السيارات بنحو الربع بالمقارنة مع يناير 2021، بحسب بيانات لشركة “بايدو” رصدتها شركة “بلومبرغ إن إي أف”. وفي غضون ذلك؛ قُدرت مخزونات البنزين التجارية عند أدنى مستوياتها منذ 2019 على الأقل.

تشير التوقعات إلى أن الطلب الصيني على البنزين سيبلغ 3.3 مليون برميل يوميًا تقريبًا خلال يوليو الجاري، بحسب تقديرات شركة “ريستاد إنرجي” (Rystad Energy). يفوق هذا الرقم ما كان عليه في الشهر ذاته من 2019 بـ14%، وهو العام الأخير قبل أن تقوّض قيود احتواء وباء كوفيد الاستهلاك.

معضلة أوروبية

أما في أوروبا؛ فقد انتعش استخدام البنزين أيضًا، إذ شهدت فرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا زيادات في حجم الاستهلاك على أساس سنوي. وفي غضون ذلك؛ ما تزال المنطقة تعاني من نقص في الإمدادات جراء العقوبات المفروضة على روسيا، التي حرمت مصافي التكرير المحلية من الخام والمواد الخام الأخرى اللازمة لإنتاج البنزين.

باتت المواد الأولية الخاصة بوحدات إنتاج البنزين نادرة مع الافتقار للنافتا الثقيلة الروسية مثلًا، والمعروفة باسم المحسنات. وقلّص ذلك المكوّنات التي تعزز تصنيف الأوكتان للبنزين، مما خفض في نهاية الأمر إمدادات البنزين الملائم لاستخدام السيارات الأوروبية، بحسب شركة “سبارتا كوميديتيس” (Sparta Commodities).