تطوير مفهوم الدبلوماسية البحرية السعودية لحماية الأمن بالبحر الأحمر

الثلاثاء ١١ ديسمبر ٢٠١٨ الساعة ١٢:٣٢ مساءً
تطوير مفهوم الدبلوماسية البحرية السعودية لحماية الأمن بالبحر الأحمر

تسعى المملكة إلى استقرار منطقة البحر الأحمر وتحفيز التقدم الاقتصادي والتنموي لكل الأطراف الفاعلة بهذه المنطقة الهامة، ولاسيما في ظل المشاريع التنموية التي أقرَّتها المملكة مؤخراً؛ مثل مشروع البحر الأحمر، ومشروع نيوم، وغيرهما من المشاريع التي تشترط الأمن لاستمرارها ونجاحها؛ لذا فمن المهم زيادة القواعد العسكرية البحرية السعودية، وإنشاء مركز لأمن البحر الأحمر يعزز الجوانب الأمنية والعسكرية، وتطوير مفهوم الدبلوماسية البحرية السعودية كأحد مكونات الاستراتيجية البحرية لأمن البحر تعمل في وقت السلم والحرب، وكذلك التفاهم على المصالح الإقليمية والدولية، والحفاظ على الأمن السياسي والبيئي للمنطقة.

ويمثل أمن البحر الأحمر جزءاً من أمن المملكة؛ كونها صاحبة السواحل الأطول عليه بامتداد 1020 كلم، إضافة إلى أهميته التاريخية والرمزية للمملكة؛ نظراً لوقوع مدينة جدة على سواحله، وهي من أهم موانئ السعودية تجاريّاً وسياسيّاً وتعد بوابة الحرمين. إضافة إلى توجُّه المملكة لإنشاء مشروعَين تنمويَّين مهمَّين ضمن رؤية السعودية 2030 وهما: مشروع البحر الأحمر، ومشروع نيوم، وكلاهما يتأثر بما يحدث في البحر الأحمر؛ مما يزيد من أهمية إعادة التوازن بين العسكرة والتنمية.وقد وقَّعت المملكة العديد من الاتفاقات حول نظام أمن البحر الأحمر، وسعت إلى تكاتف الدول العربية المطلَّة على البحر لتوفير الحماية له ضد ما يواجهه من صراعات؛ ومنها: الصراع الصومالي الإثيوبي، والصراع الإريتري الإثيوبي، والصراع السوداني الإثيوبي، والتدخُّل الإسرائيلي والإيراني، والتوسع التركي، والمصالح العالمية للدول الكبرى مثل أميركا وروسيا والتجارة الأوربية.

ورغم جهود المملكة إلا أنها تواجه عدة تحديات، حسب دراسة بعنوان: «أمن منطقة البحر الأحمر»صدرت حديثاً ضمن دورية «مسارات» عن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، أبرزها: قلة عدد القواعد العسكرية السعودية في البحر الأحمر مع طول سواحلها عليه، وتزايد عدد الدول التي تحاول أن يكون لها موطئ قدم فيه، بجانب الحاجة لوجود استراتيجية بحرية تخصُّ البحر الأحمر.

وتخلص الدراسة إلى أن أبرز التهديدات للأمن البحري في البحر الأحمر هو تعطيل التجارة الدولية ونقل البترول والشحن البحري، والقرصنة، والإرهاب. وتعتمد استراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة على الحفاظ على أمن البحر الأحمر لأسباب حيوية تتعلّق بمصالحها النفطية وأمن منطقة الخليج وأمن إسرائيل. مشيرة إلى أن أمن البحر الأحمر مسألة معقدة، يتداخل فيها عدد كبير من الفاعلين في مجالات عدة، على رأسها الدول، وأيضاً شركات النفط العالمية، وشركات الملاحة الدولية، والشركات متعددة الجنسيات، ومصانع السمك المتنقّلة. كما أن التوتُّرات الحاصلة في الدول المطلَّة عليه تزيد من توتر البيئة الاستراتيجية لهذا الممرّ المائي؛ لذا كان هناك توجه أميركي بخصخصة الأمن البحري عن طريق شركات الحماية البحرية.

ويعود التنافس المحموم على البحر الأحمر خلال الأعوام القليلة الماضية ودخول قوى دولية وإقليمية على خط النفوذ في هذا البحر، وفق هذه الدراسة، إلى أهميته كممر لنحو 3.3 مليون برميل من النفط يوميّاً، كما أنه المعبر الرئيس للتجارة بين دول شرق آسيا مع أوروبا، بالإضافة للدول الإقليمية المطلَّة على البحر. ولذلك كان أحد أسباب مجابهة التحالف العربي للحوثيين في اليمن متعلّقاً بحماية الموانئ اليمنية الغربية من الوقوع ضمن النفوذ الإيراني، وكذلك محاولة إيران التدخّل في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي مواجهة للوجود التركي في الصومال والتحالف العربي في اليمن.

ويشكل الوجود العسكري والدولي في البحر الأحمر مصدر تهديد محتمل ومستمر للدول العربية المطلَّة عليه، فبجانب التهديدات الاقتصادية والعسكرية، هناك التهديدات السياسية التي تأتي على رأسها مخاطر الوجود الإسرائيلي والدولي في البحر، الذي أدَّى لجرّ الدول المطلة على البحر الأحمر لصراعات ونزاعات خارجية وداخلية، وتغلغل إسرائيل في أفريقيا. المهددات الحالية في البحر الأحمر هي: العمليات الحوثية، الإرهاب البحري،القرصنة البحرية، التلوث، تهريب البشر، تهريب المخدرات، التدخل الخارجي، الاصطياد الجائر، الألغام البحرية، والوجود العسكري الخارجي.

ويعد البحر الأحمر من أهم الممرات الدولية؛ نظراً لموقعه بين دول الشرق والغرب، ودوره المهم على مر العصور، سواء على المستوى التجاري أو العسكري أو السياسي، ودوره المحوري من الناحية الجيوسياسية والاستراتيجية عندما يتعلق الأمر بالتجارة العالمية والنمو الاقتصادي الإقليمي والاستقرار العام في المنطقة، ويشكّل أهمية استراتيجية لعدد من الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا، بجانب الصين التي تسعى للدخول لقارة أفريقيا؛ لوجود مشاريع لها هناك وتأمين مصادر الطاقة، واليابان التي تهتم بالثروة السمكية. وكذلك الدول الإقليمية المهتمة بتثبيت نفوذها في البحر الأحمر مثل مصر والسعودية وتركيا وإيران، فيما تطلّ مجموعة من الدول على البحر الأحمر وتتأثر بشكل مباشر بما يحدث حاليّاً، وهي: الأردن وجيبوتي والسعودية والسودان والصومال ومصر واليمن.

وتحدد الدراسة الصادرة عن مركز الملك فيصل للبحوث، استراتيجيات الأمن البحري؛ وهي: التنسيق بين الدول وتوحيد العمل، واستشراف التهديدات والوقاية منها، استخدام الموارد البحرية بطرق مدروسة لتجنُّب الأضرار الطبيعية ولتحقيق استدامتها والحفاظ على مواردها، والقدرة على مواجهة التحديات بشكل مرن، وتحسين الأمن السيبراني في البيئة البحرية. وتتطرَّق إلى محاور أمن البحر الأحمر، مبينة أن المحور الأول الشمولية والتخصصية، أي الأمن السياسي والعسكري والبيئي، ومحاولة الوصول لمقاربة وطنية ترسم مفهوماً محدداً وواضحاً لأمن البحر الأحمر كجزء من منظومة أمن المملكة وحدودها، ومحور وجود نظام إقليمي متوازن يختصُّ بالبحر الأحمر، وارتباط أمن البحر الأحمر بدوره الحيوي في الملاحة الدولية والمصالح التجارية العالمية والمنظومة الدولية وأمن الدول الكبرى.

ويشير النشاط التركي المتزايد في البحر الأحمر وعبر الصومال والسودان إلى حالة الضعف العربي والفراغ في البيئة الأمنية بمنطقة البحر، فيما تسعى إيران لتوسيع نفوذها في مضيق باب المندب وجنوب البحر الأحمر مستغلّة علاقتَها بالحوثيين كوسيلة لتأمين قوتها الإقليمية، ولكن التدخُّل والوجود الإيراني في منطقة البحر الأحمر قد تأثّر بشدة بالمتغيرات الإقليمية الراهنة في ظل تبنّي الولايات المتحدة سياسة جديدة تهدف لتقويض الحضور الإقليمي لإيران.

يشار إلى أن دورية «مسارات» التي يصدرها مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، عبارة عن تقرير دوري تعدّه إحدى الوحدات البحثية في المركز، ويصدر كلّ شهرين باللغتين العربية والإنجليزية، ويدرس في كلّ عدد موضوعاً محدّداً، ويفحص التطورات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط والعالم.