إلى جنة الخلد يا خالد

السبت ٦ يوليو ٢٠١٩ الساعة ٩:٠٤ مساءً
إلى جنة الخلد يا خالد

بالأمس أهلنا التراب على قبرك رضًا بمشيئة مَن استدعاك، وسَّدنا جسدًا طاهرًا رطب الثرى، لكنّ روحًا سامية ظلت تحلق فوق رؤوسنا تحلِّق بها الملائكة رفعة إلى الأعالي ..

حتى الشمس كانت تكفكف أشعتها حزنًا، وانكمشت وكأنها تستجدي الضياء من وجهك الصبوح، وجه ما زال ينضح رواء رغم أن الجسد قد زوى.

صباحنا اليوم يا خالد لا بريق له، وكأنما العيون منتقبة ومحتجبة بدمعها المدرار.. لا ترى بريقًا ولا وهجًا.

من طهرك وسماحتك كنا نزكي أنفسنا أن الدنيا ما زالت تحتفظ ببراءتها ونقائها، ابتساماتك ـ رغم وطأة المرض ـ كانت تسري في حنايانا.. تزودنا باليقين، وتبشرنا بأنك لن تلوِّح لنا مودعًا، لقد كنت قويًا وأنت تقاوم شراسة علَّة وسقم شديد المرارة، ثقتك في الله كانت واسعة بامتداد الأفق، منها تعلمنا الاتكاء على رضا الله وكرمه وغفرانه، أريحيتك واتصافك بسماحة الخُلق، والمسارعة في أعمال البر، والإقبال على العلم، والحفاظ على صلة الرحم.. كانت جميعها نبراسًا نستمد منه مقومات علاقاتنا وصلاتنا، وزادًا نقوِّم به مسيرتنا، استعرنا منك يا خالد الطموح والتحدي، واستنسخنا من هديك في حياتك كيفية التعامل والتواصل مع الآخرين بروح السماحة والوداد والبشر.

كم قتلتني كلمتك الأخيرة التي خرجت خافتة من بين شفتيك وكأنها تسر إليَّ أمرًا: “شوفتك يا أبا حسين ترد الروح”..

قلتها بإيمان وكأن سريان الروح لن يتوقف في شرايين هذا الجسد المتراخي الذابل، فبكيت مع هذه الكلمة؛ لأني استشعرت أنك مفارقٌ لا محالة، كل أعضائك وجوارحك الآن تنبئ بهذا، وتقول بأسى: أيامك معدودة يا شيخ خالد، حينها ضممت رأسك الطاهر إلى صدري برهة لعلي أمنحك طاقة لاسترداد حيويتك ونشاطك، لكني كنت أعلم أنها آخر ملامسة لك، وأنت تحث الخطى نحو عالم آخر، قبلت يدك، ثم خرجت محاولا إخفاء دموع احتشدت استعدادًا للانفجار، هرعت خارجًا حتى لا أمنحك الإحساس بالرحيل، فما أشق هذا على النفس، بكيت كما يبكي الوليد، فما عاد خالد أنيسنا ومالك مشاعرنا بوضاءته وبشاشته وآماله العريضة.

كل الأهل والأقارب والأصدقاء والأحباب وطلبة العلم يبكون اليوم خالدًا، كنا نلتمس من الجميع مواساتنا، وتزويدنا بشحنة من الصبر، لكنهم كانوا أحوج منا إلى هذه الشحنة، خانتهم الركب فجثوا على قبرك ينشجون.. ويروونه بالدموع قبل أن تسكب عليه قطرات من الماء.

رثوك نثرًا وشعرًا، نعوك بمشاعر دفاقة فياضة..

فيا الله ما أصعب فراقك، فقد ولدت في زمن ليس بزمانك، تتخلل مسامات جسدك أنوار وكأنها مستمدة من مصابيح الملائكة، ولئن رحلت يا خالد؛ فستبقى خالدًا في القلوب والحنايا، ولهذا شاء الله “عز وجل” أن تحمل طوال حياتك اسم (خالد)..

رحمك الله ابني وأخي وحبيبي وصديقي وصفيي وقرة عيني.. وابن خالي وابن عمتي د. خالد بن خاطر العبيدي الزهراني..

ونبتهل إلى الله أن يجعل عبورك الصراط ارتداد طرف، وأن يكسو وجهك بنضرة النعيم، ويسقيك من رحيق مختوم، ويجعلك من أصحاب الوجوه المسفرة، الضاحكة المستبشرة، ومن أصحاب الوجوه الناضرة التي إلى ربها ناظرة.. آمين يا رب العالمين.

وعزاؤنا أنك ضيف في رحاب رب واسع الكرم والجود، فهنيئاً لك بما نرجوه لك من أن يحشرك “جل وعلا” في زمرة أهل القرآن، أهل الله وخاصته.

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق
الاسم
البريد الإلكتروني