السياحة الرقمية والتحول الرقمي

السبت ٢٩ يناير ٢٠٢٢ الساعة ٥:٢١ مساءً
السياحة الرقمية والتحول الرقمي
بقلم : سلطان بن باز

أبرزت جائحة كورونا أهميّة التكنولوجيا الرقمية في تمكين النمو الاقتصادي وريادة الأعمال والعصر الرقمي والقدرة على الاستجابة السريعة للتحديات الطارئة في الأوقات الاستثنائية, وأن الابتكار يعزز لغة سياحية مستدامة وناجحة في جذب السائحين إلى الوجهات السياحية وتشجيع المبتكرين على خلق أفكار ترويجية حديثة للقطاع السياحي تساعده في الخروج من الأزمات المفاجئة كجائحة كورونا التي شلّت حركة القطاع, وكشفت أوجه القصور الرقمي في كثير من الأنظمة, وأدت لتسارع وتيرة التحوّل الرّقمي في كل الاقتصادات.

وبنظرة تفاؤلية منطقية يمكننا القول إن الفرص المتاحة في قطاع الضيافة والسياحة بعد أزمة كورونا تفوق التحديات والمخاطر، إذ إنه من المتوقع أن نشهد ارتفاعاً للطلب على خدمات السياحة والضيافة, وزيادة في استقطاب اهتمام الجمهور الرقمي, ونشاطًا في حركة عجلة الاقتصاد, وتقدمًا سريعاً في الإمكانيات التكنولوجية, وظهور العديد من المبادرات القوية الداعمة لمسيرة الانتعاش المستدام للقطاع, لاسيما في ظل اعتماد الإنسان المعاصر على التقنية الرقمية في أسلوب وتفاصيل حياته, من البحث عن المعلومات إلى إنجاز المعاملات مرورًا بالتواصل مع محيطه الخارجي وصولاً إلى ممارسة التجارة وتبادل المكاسب الاقتصادية من خلف شاشته الذكية, خصوصا بعد الأزمة التي غيرت أسلوب التعامل مع مختلف مجالات الحياة بما فيها السياحة التي أصبحت أثناءها وبعدها رقمية بامتياز, وأظهرت أن تطبيق الحلول الرقمية أصبح ضرورة ملحة لتنمية الصناعات المتخصصة ورعاية الأعمال الابتكارية, وأن الابتكار التكنولوجي لغة سياحة مستدامة وقادرة على جذب السياح إلى الوجهات السياحية المتقدمة رقميًا من كل مكان.

صحيح أن رغبة الناس في السياحة لم تتغير لكنهم أصبحوا أكثر حذرًا من ذي قبل, وظهرت تغيرات واضحة في سلوكهم ومتطلباتهم عند اتخاذ قرار السفر, حيث بات الناس أكثر اهتماماً بتوفر الاحترازات الصحية في المطارات.
وازداد تركيزهم على مستوى النظافة والتعقيم مع تضاعف مدة استخدامهم للإنترنت ومساحة اهتمامهم بالآراء والتقييمات الالكترونية, إضافة إلى ميلهم المتزايد لاستكشاف وجهات سياحة رقمية جديدة عبر أجهزتهم الذكيّة.

واكبت تلك التوجهات مظاهر جديدة للتحول الرقمي في قطاع السياحة, كاعتماد الهوية الرقمية والكبسولة الصحية في المطار الرقمي, والفحص الحراري للمسافرين إضافة إلى الاستعانة بروبوتات التطهير الذاتي في المطارات والطائرات وزيادة الطلب على الموظفين ذوي المهارات الرقمية والتقنية, ونمو مضطرد لأعداد العاملين عن بعد في قطاع السياحة والسفر, والذي يظهر أنه نمو وجد ليبقى إلى الأبد.

هذه التغييرات المتسارعة تفطن العاملين في قطاع السياحة ومنظمي الرحلات السياحية فحاولوا مواكبتها باستخدام التقنية وتحويل الساحة الرقمية إلى ميدان للترويج السياحي لبلدانهم عبر إنتاج المحتوى الجاذب للسياح على أكثر المنصات الرقمية شهرة مثل يوتيوب والإنستغرام, وإقامة الندوات المباشرة عبر برنامج زوم وغيره لتسويق خدماتهم والتعريف ببلدانهم ودعم فرص اجتذاب السياح من كل أرجاء العالم في ظل الانهيار الدولي لقطاع السياحة .

والذي تسبب في خسائر تقدر بـ1.3 ترليون دولار أميركي في الإيرادات السياحية, وهو مايفوق 11 ضعف الخسائر المسجلة في الأزمة الاقتصادية العالمية, ويعرض أكثر من 100 مليون وظيفة سياحية مباشر للخطر, ويضع المنشآت السياحية الصغيرة والمتوسطة في موقف بالغ التعقيد.

فوفقاً لأحدث بيانات منظمة السياحة العالمية شهدت السياحة العالمية في 2020 عاما كارثياً لم تعرف مثله عبر العصور , انخفضت فيه أعداد السيّاح بنسبة 74% واكتفت فيه الوجهات السياحية حول العالم باستقبال 381 مليون سائح فقط, ما يعني خسارة أكثر من مليار و30 مليون سائح مسجل في العام 2019 نتيجة الانخفاض غير المسبوق في الطلب وزيادة القيود المفروضة على السفر على نطاق واسع غير مسبوق لم تسلم السياحة العربية من آثاره, فقد شهدت نسبة السياح في الدول العربية تراجعاً ملحوظا بنسب تتراوح ما بين79% إلى 76% , ما يعني انخفاضًا عاما في نسبة الوافدين الدوليين بنسبة تتراوح مابين 60 – 80 بالمئة وهو ما يحتم على قطاع السياحة في العالم العربي مواكبة التغيرات الجديدة في سلوك السائح, والانسجام مع متطلبات التحول الرقمي العالمي لزيادة فرص التعافي من آثار الجائحة.

خصوصًا في ظل توقعات فريق من الخبراء ببداية انتعاش السياحة العالمية خلال النصف الأول من عام 2021 وتأكيد فريق آخر على بداية الانتعاش الحقيقي للسياحة العالمية مطلع العام 2022 وتزايد الطلب العالمي على الأنشطة السياحة المقامة في الطبيعة والهواء والمنتجعات بشكل يفوق الطلب على بقية أنماط السياحة.

ولعل من أكبر إيجابيات هذه الأزمة أنها أبرزت دور التقنية الرقمية في تمكين النمو الاقتصادي وريادة الأعمال والقدرة على الاستجابة المرنة والسريعة لتحديات الأزمات الاستثنائية الطارئة -كما أشرنا في البداية – ولفتت أنظار الشركات السياحية إلى ضرورة اتباع نهج تسويقي استباقي يحفظ وهج وزخم نشاطها أثناء الأزمات ويتيح لها تسخير التقنية الرقمية لإيجاد الحلول المبتكرة, عبر تحليل البيانات لتحديد الجمهور المستهدف وإعداد الاستراتيجيات التسويقية الأمثل لترويج خدماتها السياحية بطرق فعالة تضمن استمرار نشاطها في الأزمات الطارئة المشابهة, وهو ما يبرز جليا في وفرة دراسات توجهات السياحة وسلوك السياح
بعد بداية انطفاء جذوة الأزمة, وظهور بوادر تعافي العالم من آثارها ،التي ستجعل السياحة واختيارات السائح عند اتخاذ قرار اختيار وجهته السياحية مختلفين كلياً في المستقبل.

ختاماً نقول إن هناك انسجاماً واضحاً وعلاقة وثيقة بين مستقبل السياحة الرقمية وبين التقنية والانفتاح المعرفي من خلال استقاء المعلومات عبر الانترنت والبحث والحجز عن المقاصد والمعالم السياحية، ويتعين معه وفقاً لسلوك الفرد أو السائح الجديد رسم معالم مستقبل السياحة الرقمية.

@SSBINBAZ

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق
الاسم
البريد الإلكتروني