ثقافة الاحتراز 

السبت ١٤ مارس ٢٠٢٠ الساعة ١٢:١٣ صباحاً
ثقافة الاحتراز 
بقلم :  أ.د خالد الشريدة*

ربما تتفقون معي بأن هذا المعنى يحتاج منا إلى تعزيز كبير في مجتمعنا على مختلف المستويات.

ومع كل التقدير لما تقوم به الدولة، حفظها الله، من إجراءات احترازية واستباقية بشكل يستحق التقدير.

الاحتراز يبدأ من الفرد وينتهي على مستوى الدولة.. بل يتعداه إلى احتراز عالمي كما الوباء الآن (كورونا)..!!

الاحتراز الأهم والأعظم في تقديري هو أن يقي الإنسان نفسه من القرب من كل ما يسيء لنفسه وأسرته ومجتمعه ووطنه.

وقبل ذلك كله على مستواه الشخصي أن لا يسيء لدينه..!!

الاحتراز مفهوم يتعدى الفعل إلى ما قبله بمعنى النظر في (عواقب) ما يحدث فيما لو تم فعل شيء أو حتى فيما لم يتم فعله..!!

هناك احترازات للفعل حتى لا تحدث (ردود أفعال) وهناك احترازات لعدم الفعل (بما يتوقع حصوله من عدم الفعل)..!!

دعوني أشير إلى مظاهر ومعانٍ بسيطة لثقافة الاحترام التي نفتقدها ومنها:

  •  أن كثيرًا من الخدمات التي ننعم بها نقصر كثيرًا في حمايتها، ومنها أننا نترك أحيانًا أسلاكًا كهربائية على جدران منازلنا تكون بحاجة إلى صيانة، ثم لا ننتبه لها إلى بعد أن تتسبب بحادث أليم.
  • نشتري أحيانًا أجهزة أو أدوات أو أفياش بخيسة الثمن ثم تتسبب لنا بمشكلات تساوي أو تزيد على قيمة ما لو اشترينا القطع الأصلية. بل إن القلق التي تسببه هذه القطع يفوق الثمن كثيرًا..!!
  • ننتظر غالبًا حتى آخر الدقائق كي نذهب لوظائفنا أو مدارسنا وجامعاتنا دون أن نأخذ بعين الاعتبار الزحام وما يمكن أن يحدث في الطريق من مفاجآت.. ولو تقدمنا قليلًا لحفظنا أشياء كثيرة. التقدم هو من الاحترام الإيجابي.
  • مظاهر كثيرة لصحتنا وسلامة حياتنا نغفل عنها وتتسبب في مشكلات متنوعة حسب قوتها وأهميتها..

 على مستوى شخصياتنا:

  •  الاحتراز الأهم أن تقوم بواجباتك الشرعية وتحرص على أورادك الدينية، وتؤدي مسؤولياتك الدنيوية؛ لأن كل هذا سينعكس على حياتك اليومية حتمًا.
  • هناك أفعال استراتيجية تؤثر على حياتك وسمعتك ومستقبلك، وهنا تحتاج لأن تفكر قبل الفعل وأثناء الفعل وما بعده.. وأن تناقش وتحلل وتتوقع كل ما يمكن أن يحدث لك حتى تكون على بصيرة لكل ما يمكن أن يحدث.
  • في دراستك.. إن تأخير اطلاعك على موادك وواجباتك حتى يضيق وقتك تخالف بشكل واضح لثقافة الاحتراز فلا تدري ما يمكن أن يحدث ولا حجم الجهد الذي تحتاجه وتستوعب المطلوب فضلًا قدراتك الذهنية كي تستذكر ما يجب في قاعة الامتحان.
  • في أعمالنا.. نؤخر بعض الملفات التي يجب أن نحسمها في أوقاتها حتى لا يأتي الوقت الذي نعالج فيه ما بأيدينا بطريقة مستعجلة تؤثر على سلامة قراراتنا..!!
  • الاحتراز في صحتنا الشخصية (وهي من أبرز مشكلاتنا) حيث طريقة أكلنا ومكوناتها وأوقاتها وأدواتها.. تؤثر على تكويننا الصحي ولا تضر كبار السن فقط بل هي اليوم تعني الشباب بشكل كبير حيث يرغبون كل شيء مستعجل (الأكلات السريعة الدسمة) ولو على حساب صحتهم. ويبدو أن كتابة (معدل الكلريز) في اللوحات هو آخر اهتماماتنا.. بالضبط مثل كتابة (التدخين سبب السرطان) على علبة التدخين القاتلة.. وكان هذا لا يعنينا شيئًا.. فعلًا غريب..!!
  • في قيادتنا لسياراتنا وصيانتها ما أكثر ما ننسى ثقافة الاحتراز فيها..!! حيث قد نسمع صوتًا ونتساهل في الكشف عنه ونتأخر في معالجته وربما كانت كلفته بسيطة جدًا ولكن ضعف ثقافة الاحتراز من تبعاته ربما تسبب في تكاليف أضعافًا مضاعفة..!! الاحتراز كان يمكن أن يوفر لنا الكثير..!!

    وبالتأكيد هناك مظاهر وسلوكيات كثيرة يمكن أن نستحضرها جميعًا تصب في هذه المعاني..

 على مستوى الدولة والمجتمع:

أولًا نعبر بكل معاني التقدير ما تقوم به الدولة من إجراءات احترازية تجاه وباء (كورونا) بل بادرت في اتخاذ إجراءات سبقت بها بعض دول العالم المتقدم ماديًا وعلميًا.. (منها إيقاف المدارس والجامعات والحضور الجماهيري ومختلف التجمعات الكبيرة) وإجراءات للسفر للدول التي ينتشر فيها الوباء.

  • ما يجب التذكير فيه هو أن أفضل احتراز لأي مشكلة على مستوى الإدارات والهيئات والوزارات أن يتم تكليف من يستحق في كل وظيفة قيادية بشكل خاص، فهذه النوعية من القيادات الإدارية سوف تقي الدولة والمجتمع من مشكلات لا تخفى كل عاقل وحكيم، فالواقع يؤكد أن من الشخصيات من يستغل موقعه لتحقيق مصالحه أو أهوائه وتأخير مشاريع فيتسبب في خلق مشكلات تقلق المواطنين وتسيء لسمعة المجتمع والدولة.والحل الاحترازي الاستراتيجي أن نولّي من كان أهلًا بمكانه حتى يسد علينا ثغرات ولا يفتح علينا الثغرات.
  • هناك احترازات على مستوى المجتمع والدولة لا حد لها في العقود والمشاريع والخدمات والأنشطة والفعاليات.
  • الواجب أن نتأمل كل فعل وفعالية وما إذا كان سيخلق لنا مشكلات أو سيعين في نشر الاستقرار وتعزيز الوعي والأمن الاجتماعي.
  • أجهزتنا الحكومية لازالت تعمل وكأنها تعيش في جزر متباعدة ومنغلقة عن بعضها.. مع أن قوة التنسيق فيما بينها يمكن أن تحفظ علينا الجهد والوقت والمال. وعليه نعيد أو نكرر وربما تقضي بعض الجهود على بعض ولو كان هناك ثقافة الاحتراز النبوية على التنسيق لنجحنا في معالجة الكثير من مظاهر الهدر المالي والبشري في كثير من مظاهر حياتنا وخدماتنا.
  • ولعلي هنا أثني بكل معاني التقدير لنظام (أبشر) وكيف سهل علينا جوانب كثيرة من حياتنا.. فكل الشكر لوزارة الداخلية التي تستحق الثناء على هذا النظام النوعي الفريد.
  • من المهم أن نؤكد دائمًا على (بُعد النظر) في كل ما نقوم به وما نخطط أن نفعله حتى نسير على بصيرة وأن نجعل مستقبلنا أكثر سهولة وسعادة وأمنًا وتنمية.
  • ومع كل ما يمكن أن يقال في الاحتراز وثقافته.. إن حقوق الناس يمكن أن تأتي نتيجة طبيعية لأداء واجباتهم.. فالاحتراز هنا أن تقوم بواجبك حتى تحصل على حقك. وأعظم الحقوق التي تسهل كل شيء هي أن تقوم بحق ربك ووالديك وقرابتك وأماناتك.. تجاه وطنك ومن له حق عليك.

*جامعة القصيم

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق
الاسم
البريد الإلكتروني