مشاريع التصعيد في المنطقة العربية

الثلاثاء ٢٣ أبريل ٢٠٢٤ الساعة ٨:٤٤ صباحاً
مشاريع التصعيد في المنطقة العربية
بقلم: أنور مالك

مما لا شك فيه أن المنطقة العربية تعيش على وقع أزمات وتعقيدات كبيرة مفتوحة على كل الاحتمالات الممكنة وغير الممكنة، وستكون لها تداعياتها على الدول العربية والإسلامية وحتى الغربية منها، بما لا يمكن التنبؤ به في ظل تشابك الأسباب والدوافع والمسارات والتباين في الأهداف والغايات أيضًا، والتي تصل في كثيرٍ من الأحيان إلى ما يشبه التصادم في المصالح بين قوى نافذة وكبرى، وهو ما ستدفع ثمنه بعض القوى الصغرى إن لم تكن كلها.

لن نتحدث بنظرية المؤامرة بالرغم من أنها موجودة لا ينكرها إلا من لا يفقه شيئًا في منطق البشر عبر التاريخ، ولا يجعلها مطلقة إلا من لا يفهم شيئًا في نظرية التدافع بين الناس منذ أن وُجد الخلق من على وجه البسيطة.

بل يجب النظر بمنطق عقلاني يزن الأمور بما هي عليه، ويتعامل وَفق معطيات تفرزها الأحداث وتفرضها وقائع كثيرة بينها ذات البعد الأيديولوجي المعنوي وأخرى ترتبط أساسًا بالمصالح المادية والمنافع الدنيوية، وهو تعبير يسيطر على عقول شرائح واسعة من بني البشر.

كما أننا لن نعود إلى التاريخ رغم أهمية الماضي في تشخيص الحاضر وتقييمه؛ فهو يحتاج لوقفات طويلة وعميقة جدًّا، ونَفَسُ القارئ صار محدودًا إلى أبعد الحدود، ولم يعد يحتمل التنظير الطويل والتعمق في مجريات الواقع بصفة غير مباشرة وبنظرة معقدة وبكلمات ليست صريحة.

المتأمل في المنطقة العربية يجدها تعيش على وَقْع أزمات سياسية داخل دول بعينها، وتعيش على وقع أزمات اقتصادية ترهق بعض الشعوب المعينة، كما أن هناك أزمات متشابكة في العلاقات بين الدول، الأكثر من كل ذلك هناك مشاريع تتناحر فيما بينها على مصادر الثروة والتراث.

هذا ما أدى إلى إشعال نزاعات وصراعات عادت بالوبال على دول عديدة بينها التي دفعت ثمن استقرارها وأمنها وحتى سيادتها الوطنية على حدودها، فضلًا عن خسائر لا يمكن وصفها من البشر والحجر والبنى التحتية والروح الوطنية والأخلاقية التي تربط المواطن بوطنه وأمته والمنطقة التي ينتمي إليها.

من حيث المبدأ يجب أن نؤكد أنه عبر التاريخ لا توجد دولة يمكن أن توصف بأنها «عذراء» من المشاكل وربما الأزمات، ولا توجد دولة لم تمر عبر تاريخها بحروب أو نزاعات، سواء ما يتعلق بوجودها أو حدودها، لذلك ليس المعيار يتعلق بتواجد المشاكل وإنما بطبيعة هذه المشاكل وبالحلول التي تُصنع وتُعَد لها ودرجتها في سُلَّم الصعود والنزول.

المنطقة العربية تعيش على وقع عدم الاستقرار الحقيقي بسبب حروب داخل دول بغض النظر عن أسبابها ودوافعها، لكنها متمددة ولها تأثيراتها على الدول المستقرة، فلدينا سورية التي لا تزال في وضع متأزم للغاية، واليمن بدوره يعيش على وقع أزمات معقدة، فضلًا عن لبنان والعراق والصومال والسودان وليبيا وغيرها من الأزمات الخطيرة التي في أكثريتها عبارة عن حروب يذهب ضحيتها مواطنون أبرياء والخسائر المادية لا يمكن تقديرها.

القضية الفلسطينية نفسها منذ بدايتها مع نكبة 1948 وهي تشكل المفتاح في صناعة الأمن سواء للفلسطينيين أو دول المنطقة خاصة دول الطوق منها، وطبعًا عدم إيجاد حل دائم يحفظ الحقوق الفلسطينية التي لا تسقط بالتقادم والتنازل والتي أقرتها الشرعية الدولية زاد من حجم الأزمات وغذّى التطرف وساهم مساهمة فعالة في تنشيط الإرهاب وتفريخ خلاياه وشبكاته وتنظيماته وميليشياته.

كل ما يجري ليس من الصدفة بمكان، بل المعروف أن الأزمات إما تفتح الأبواب للمشاريع الخارجية أو أن هذه المشاريع بحد ذاتها هي من تصنع الأزمات، وفي تقديري إنه يوجد تشابك بين الحالتين في المشهد العربي والإسلامي منذ عقود من الزمن، خاصة مع هذا الانفتاح الإعلامي الرهيب الذي جعل العالم يتحول تدريجيًّا من قرية صغيرة إلى حارة أصغر.

مثلًا في سياق الحديث عن مشاريع صنعت أزمات، نذكر مثلًا مشروع صناعة كيان لليهود في الشرق الأوسط خلق أزمات حادة بالمنطقة، فقد عاشت دول عربية حروبًا عديدة، نذكر في هذا السياق حرب 1967 و1973، وهذه المواجهات التي شكّلت فيها جمهورية مصر العربية رأس الحربة كان لها التأثير البالغ في تشكيل ذهنية اجتماعية وشعبية وأعادت تشكيل خريطة العلاقات والتعاون بين الدول وفرضت واقعها في المنتظم الدولي.

وحتى لما وصل الأمر إلى اتفاق السلام في عهد الرئيس المصري الراحل أنور السادات ساهمت اتفاقية منتجع كامب ديفيد في تغذية الخلافات العربية، ووضع المفاهيم الجديدة في التعامل مع هذا المشروع الذي لا يزال يلعب دوره في زعزعة الاستقرار في المنطقة، رغم مبادرات مهمة، ومن أهمها على الإطلاق مبادرة السلام العربية التي قدمتها المملكة العربية السعودية في قمة بيروت عام 2002، وكان من الممكن أن تشكل قاعدة صلبة في احتواء الأزمات وتصفيرها بما يساعد على التعايش وحفظ أمن الأوطان والسلم العالمي، ويصون أمان الشعوب وكل البشر، غير أنها قوبلت بعوائق كثيرة لعبت الدور فيها أطراف لديها مصلحة في وجود الأزمات وتعقيد الأوضاع المتأزمة.

أما المشاريع التي صنعت أزمات فيمكن ذكر مشروع تصدير ثورة الخميني في المنطقة، الذي بدأ بحرب الثماني سنوات مع العراق والتي انتهت باتفاق بين البلدين الجارين بعد مواجهات دامية وخسائر هائلة ودمار كبير، فضلًا عن تداعيات وخيمة ومنها صناعة الإرهاب والتحريض على الكراهية وغذت الطائفية والعنصرية وفرضت منطق الجيوش الموازية في المنطقة.

مرت تلك المرحلة، إلا أن إصرار الخميني ثم بعده خامنئي على مشروع تصدير الثورة المدستر في الجمهورية الإيرانية، أوصله لدرجة ومستوى صناعة الأدوات من ميليشيات وتنظيمات وحركات تحمل التصور نفسه، سواء ما يتعلق بنظرية «ولاية الفقيه» التي أريد منها السيطرة على شيعة الدول العربية وتحويلهم من مواطنين ولاؤهم لأوطانهم إلى مجرد طوائف تعمل لصالح مشروع طهران العقائدي والقومي، وقد فشل الأمر في دول الخليج، لكنه نجح لحد ما في دول عربية أخرى مما ورّطها في حروب أهلية وصراعات دموية ونزاعات فوضوية.

وأيضًا دعم حركات تدخل ضمن ما يعرف بـ «الإسلام السياسي»، وفي مقدمتها نذكر جماعة «الإخوان» التي تحمل النزعة الثورية نفسها واستعمال الدين للوصول إلى الحكم والانقلاب على أنظمة وحكومات عربية، ومع مرور الوقت خرج من رحم هذا التنظيم جماعات فكرية وأخرى مسلحة مثل الجماعة الإسلامية في مصر والجماعة الإسلامية المسلحة بالجزائر التي بدورها خرجت من رحم المشروع الإخواني المتمدد حينها في العديد من الدول.

نذكر كذلك تنظيم القاعدة بأفغانستان الذي كانت نواته الصلبة من خلال الفلسطيني عبدالله عزام وباستغلال الغزو الروسي لتلك البلاد، والذي جاء في إطار تطور عرفته الحرب الباردة بتحولها إلى أخرى ساخنة عجلت بتفكك الاتحاد السوفييتي.

أيضًا تنظيم «داعش» الإرهابي الذي خرج من رحم «القاعدة» وصار أكثر دموية في مسلسل التصاعد الدموي لهذه التنظيمات التي خدمت بدورها تدخلات خارجية، وغذّت مشاريع معادية للدول العربية والإسلامية، سواء تلك التي همها الثروات أو أخرى أصولية تريد العبث بالتراث العقائدي والقومي والوطني للعرب والمسلمين.

أيضًا توجد مشاريع غربية وأخرى من داخل المنطقة نفسها مثل تركيا حيث عادت بقوة في العقدين الأخيرين بعدما انكفأت على نفسها منذ حكم أتاتورك الذي جاء عقب سقوط العثمانيين، لكن مع تصاعد نفوذ «الإسلام السياسي» صار للدولة التركية نفوذها السياسي والعسكري في عدد من الدول، وفي مقدمتها نذكر سورية وليبيا.

الجوانب لا تزال متشعبة وتحتاج إلى التعمق فيها أكثر، كما توجد زوايا عديدة من الضروري تسليط الضوء عليها في محطات أخرى، وإن كان ما حدث في 11 سبتمبر 2001 وضع العالم في منعطف تاريخي صعب، فإن ما حدث في السابع من أكتوبر 2023 بدوره وضع المنطقة برمتها فيما يشبه التحول الكبير، بل لعب دوره في رفع منسوب الاحتقان السياسي والاجتماعي والفكري والدبلوماسي في العالم العربي والإسلامي مع ما يشهده قطاع غزة من حرب تضاف لمسلسل الحروب المشتعلة والتي صارت تهدد استقرار الدول، خاصة مع المواجهات، سواء كانت حقيقية في جوانب ومسرحية في جوانب أخرى، إلا أن ما يحدث بين طهران وتل أبيب يلعب دوره في التصعيد العسكري الذي سيجعله يعيد رسم الخرائط الجيوسياسية في المنطقة مع مرور الوقت إن لم يتم تدارك الكثير من السياسات والمواقف.

في الختام:

واضح جدًّا أن المملكة العربية السعودية أدركت هذه المخاطر وتداعياتها وأهمية التعجيل من أجل احتوائها قبل أن تصير أقوى من الكل، لذلك تحرك ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان على أصعدة كثيرة وفي منتهى الجدية، ومن بين ما تمّ تحقيقه نذكر الاتفاق مع إيران لاحتواء الأزمة القائمة وتفادي الأخرى القادمة، والعمل على إيجاد حلّ نهائي في اليمن بما يحفظ وحدته الجغرافية والديموغرافية ويعيد لليمنيين أمنهم وأمانهم في ظل شرعية مؤسسات دولتهم، كما الأمر نفسه بالنسبة لسورية والعراق ولبنان.

لم يتوقف الأمر عند ما ذكرنا، بل إن السعودية كانت تتحرك بقوة في إطار مسلسل تفاوضي مع الولايات المتحدة من أجل إيجاد حل نهائي ودائم للقضية الفلسطينية، وفق منظور المبادرة العربية وحلّ الدولتين، وهو مشروع جاد لاحتواء أحد أبرز مصادر القلاقل والقلق في المنطقة التي ربما ستجعلها مستقبلًا محل نزاعات إقليمية قد ترقى في بعض جوانبها لمستوى الحروب العالمية، لكن دوائر متطرفة ومافيات ذات ألوان متعددة تستفيد من مستنقعات الدماء والدموع لعبت دورها في مخطط إجهاض مشاريع تصفير الأزمات، واحتواء الصراعات قبل تجاوز الخطوط الحمراء، وهي التي تعمل عليها عواصم عربية، وفي مقدمتها عاصمة القرار العربي الرياض.

وأعتقد أن الأحداث الأخيرة في القطاع الفلسطيني منذ السابع من أكتوبر 2023، جاءت في إطار تغذية الأزمات ووضع العراقيل أمام من يعمل على تصفيرها لحفظ الأمن الدولي والسلم العالمي الذي تقره مواثيق الأمم المتحدة وقوانينها ومعاهداتها الدولية، وبقدر ما تعقّدت الأمور حتمًا مع حرب غزة إلا أن هناك قناعات متصاعدة وتفرض نفسها تجعل رؤية السعودية في الأول والأخير هي صمام الأمان الوحيد للدول والشعوب والسلم العالمي..

وللحديث بقية.

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق
الاسم
البريد الإلكتروني

  • احمد العلي

    مقال غامض حيث أن الكاتب يتحدث بشكل عام و مُبهم دون إعطاء أي تحليل ودون طرح أي حلول ، فالكاتب يتحدث عن وجود تهديد للمنطقة العربية دون الخوض بتفاصيل هذا التهديد فهو مثلاً يكتفي بوصف الوضع في سوريا بأنه “وضع متأزم” دون إدانة لأي طرف