وليالٍ عشر

الخميس ٢٣ يوليو ٢٠٢٠ الساعة ١:٢٠ صباحاً
وليالٍ عشر
بقلم: د. خالد علي *

جعل الله لعباده نفحات رحمانية يتعرضون لها، ومناهل موسمية يتزودن منها، وفي الحديث الذي رواه الطبراني، وحسنه الألباني، قال صلى الله عليه وسلم: «إن لربكم في أيام دهركم نفحات (أي تجليات مقربات)، فتعرضوا لها (أي بالأدعية والأعمال الصالحة)، لعل أحدكم أن يصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبدًا».

عشر ذي الحجة من مواسم الخيرات التي يمنُّ الله بها على عباده، فيُستحبُ للمسلمِ فيها، أن يتعرّض لنفحات ربه وتجليات مولاه، وذلك بالإكثار فيها من فعل الخيرات وعمل الصالحات من صيام وقيام وقراءة للقرآن وذكرٍ للرحمن، من تسبيح وتهليل واستغفار، فمن أصابته نفحةٌ من نفحات رحمته أو وقعت عليه نظرة من نظرات رأفته، انتعش واللهِ، وإن كان غارقًا في الهموم والأنكاد، وأناخت بفنائه وفودُ الخيرات، وترحلت عنه جيوشُ الغموم والحسرات.

فعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ». يَعْنِى أَيَّامَ الْعَشْرِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ الْجِهَادُ في سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلاَ الْجِهَادُ في سَبِيلِ اللَّهِ إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْْءٍ» أخرجه البخاري وأبو داود وغيرهما.

وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل أيام الدنيا العشر» يعني عشرَ ذي الحجة قيل ولا مثلهن في سبيل الله قال: «ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفر وجهه بالتراب (أي جاهد في سبيل الله) فلم يرجع من ذلك بشيء» رواه البزار بإسناد حسن وأبو يعلى بإسناد صحيح، وهذا يدل على أن كل عملٍ يعمله المؤمن في الأيام العشر، أفضلُ وأحب إلى الله مما يعملُهُ في غيرها من الأيام، فالسعيد من اغتنم مواسم الخيرات، وتقرب فيها إلى مولاه بمختلف الطاعات، فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات، يسعد بها سعادة يأمن بعدها من النار وما فيها من لفحات.

ولذلك كان السلف- رحمهم الله- يعظمون هذه العشر، فلا يحدثون فيها ذنبًا ولا إثمًا، حتى إنَّ بعضهم كان يترك التعليم والتحديث لطلابه أيام العشر، لاشتغاله بالذكر والعبادة، وكان الحافظ ابن عساكر يعتكف في شهر رمضان وعشر ذي الحجة.

وكان سعيد بن جبير إذا دخل أيام العشر اجتهد اجتهادًا شديدًا حتى ما يكاد يقدر أحد على اجتهاده.

وقد ورد فيه عن أبي هريرة وابن عمر أنهما كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبران، ويكبر الناس بتكبيرهما، وذلك عملًا بالحديث الصحيح الذي أخرجه أحمد في مسنده، عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ»، ومن ثم فمن العمل الصالح في هذه الأيام ذكر الله بالتكبير والتهليل لقوله تعالى: {ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات} فالأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة، ولقوله تعالى: {واذكروا الله في أيام معدودات} والأيام المعدودات هي أيام التشريق.

وعلى هذا فيُسن التكبير مطلقًا في جميع الأوقات، في عشر ذي الحجة وسائر أيام العيد والتشريق، وتبتدئ تلك الأيام التي يُستحبُ فيها التكبير، من دخول شهر ذي الحجة (أي من غروب شمس آخر يوم من شهر ذي القعدة) إلى آخر يوم من أيام التشريق (وذلك بغروب شمس اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة.

أما التكبير المقيد الذي يكون بعد الصلوات، فإنه يبدأ من فجر يوم عرفة إلى غروب شمس آخر أيام التشريق، هذا لغير الحاج، أما الحاج فيبدأ التكبير المقيد في حقه من ظهر يوم النحر.

أما صيغ التكبير فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم صيغة معينة في التكبير، وإنما ثبت عن صحابته رضي الله عنهم في ذلك عدة صيغ، وما دام الأمر كذلك فللمسلم أن يكبر بأي صيغة من صيغ التكبير.

 

* أكاديمي وكاتب إسلامي

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق
الاسم
البريد الإلكتروني