العقل الباطن يحفظ المشهد

الثلاثاء ٢٦ أغسطس ٢٠٢٥ الساعة ١٢:٣٨ مساءً
العقل الباطن يحفظ المشهد
بقلم: أفنان آل زايد

لاحظنا جميعًا تواجد مكثف لمقاهي الشيشة، في الشوارع والأحياء، فضلًا على أطراف المدن. وهذا الانتشار يحمل رسالة خفية تتسلل بهدوء إلى العقل الباطن، خاصة عقول الأطفال.

خلالها ينسجم العقل الباطن مع ما يراه كثيرًا، ويخزنه على أنه أمر عادي. ومع تكرار المشهد، يكبر الطفل وهو يرى التدخين شيئًا طبيعيًا، وربما مرغوبًا.

وهنا يكمن الخطر، أن يزداد عدد المدخنين، بسبب بيئة أوحت بطريقة لا واعية، أن هذه الممارسة عادية ومقبولة، وكأنها ليست شكل من اشكال أذية الذات. الدراسات والأبحاث العلمية أثبتت أن رؤية الاطفال المتكررة لمشاهد التدخين ترفع احتمال أن يصبحوا مدخنين حين يكبرون، في مصطلح يعرف بـ “التعرض البصري”.

أي أن ما نسمح به اليوم من انتشار هذه المقاهي قد ندفع ثمنه غدًا بأجيال جديدة مثقلة بهذه العادة السيئة والأمراض. على سبيل المثال لا الحصر، دراسة نشرت عام 2021 بقيادة الباحث لويس مارش في قسم الطب الاجتماعي و الوقائي في جامعة اوتاغو في نيوزلندا.

تناولت مراجعة منهجية لـ 35 دراسة بين عام 1990 و 2019 و توصلت إلى أن هناك علاقة إيجابية واضحة بين كثافة منافذ بيع التبغ وسلوكيات التدخين لدى اليافعين، و اشارت أن تأثير كثافة هذه المنافذ له دور بتعزيز التصور بأن التدخين أمرٌ عادي ومقبول اجتماعيًا، مما يزيد احتمالية الانخراط بسلوك التدخين. وما يقلق بحق، أن كل ذلك قد يُضعف إنجازات بلادنا الحبيبة، في مكافحة التبغ. اذ كنا وما نزال من أقوى الدول في محاربة هذه الآفة، فقد أشادت منظمة الصحة العالمية بجهودنا، ومنحتنا جوائز دولية اعترافًا بقوانيننا، وبرامجنا، وخدماتنا التي ساعدت الكثير على الإقلاع عن التدخين.

ففي 22 مايو 2019 و خلال الدورة الثانية والسبعين لجمعية الصحة العالمية في جنيف، قدّمت منظمة الصحة العالمية للمملكة جائزة التقدير الخاصة من المدير العام (WHO Director‑General Special Recognition Award) تقديراً لجهود المملكة في مكافحة التبغ، مثل تطبق التغليف البسيط وهو تغليف السجائر بطرق لا تحتوي على اي دعايات بالإضافة الى وضع صور تحذيرية، واتساع قطاع عيادات الإقلاع عن التدخين مع سهولة الوصول اليها، وحظر معظم أشكال الدعاية للمنتجات التبغية والتدخين في الأماكن العامة، مع فرض ضرائب مرتفعة على منتجات التبغ. فهل نقبل أن يتراجع هذا المجد أمام موجة مقاهٍ تجارية عابرة؟ هل نسمح أن تذبل سمعة وطنٍ كامل بإنجازاته في سبيل مقاعد محاطة بدخان؟

أنا أكتب لأجل مجتمعٍ بذل الغالي ليحمي صحته، وخوف على أطفالٍ قد يخسرون براءتهم أمام مشهد متكرر لا يرونه خطرًا بل عادة يومية. فلنحافظ على ما حققناه، ولنقف في وجه هذا المدّ المتزايد من مقاهي الشيشة. فالأمر ليس مجرد مقهى، بل مستقبل وطن.

*طبيبة الأشعة التشخيصية في مستشفى الملك عبدالله الجامعي 

DrAfnan.com

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق
الاسم
البريد الإلكتروني