بيان خادم الحرمين يهدد السوق السوداء للعملة في مصر

الأربعاء ٤ يونيو ٢٠١٤ الساعة ٤:٤١ مساءً
بيان خادم الحرمين يهدد السوق السوداء للعملة في مصر

أصبحت السوق السوداء للعملة في مصر مهددة من اتجاهين. فمن ناحية تبشر مساعدات متوقعة من دول خليجية غنية بالتخفيف من حدة نقص العملة الصعبة لا سيما بعد بيان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز أمس الذي دعا فيه “إلى مؤتمر لأشقاء وأصدقاء مصر للمانحين لمساعدتها في تجاوز أزمتها الاقتصادية”، ومن ناحية أخرى يعمد البنك المركزي الذي تتزايد ثقته في الاقتصاد إلى تخفيض قيمة الجنيه تدريجيا.

ولفتت “رويترز” إلى أنه منذ انتفاضة عام 2011 وما تلاها من اضطرابات سياسية واقتصادية ظهرت فجوة كبيرة بين السعر الرسمي للجنيه المصري وسعره في السوق السوداء حيث تباع العملة سرا في متاجر وأزقة بعيدا عن أعين السلطات.

 

وترمز هذه الفجوة للضعف الاقتصادي الذي تعاني منه مصر وهي تكافح لجذب العملة الصعبة من الخارج. لكن الجنيه المصري بدأ يرتفع مقابل الدولار في السوق السوداء وسط توقعات بين المتعاملين بتدفق مليارات الدولارات من الخليج.

 

من ناحية أخرى عمد البنك المركزي المصري لتوجيه الجنيه للانخفاض في السوق الرسمية مقدرا فيما يبدو أن الاقتصاد قد استقر بدرجة تكفي لاتخاذ هذه الخطوة دون التسبب في اقبال خارج عن السيطرة على بيع العملة.

 

والنتيجة كما يقول متعاملون في السوق السوداء واقتصاديون في البنوك هي أن الفجوة بين السعرين قد تختفي قريبا ربما بنهاية العام بما تنتفي معه الحاجة للسوق السوداء.

 

وبلغ الهامش 2.7 بالمئة اليوم الأربعاء انخفاضا من 4.7 بالمئة في الأسبوع الماضي ومقارنة مع أكثر من 10 بالمئة في مطلع العام الماضي.

 

وقال تاجر حقائب في منطقة العتبة المزدحمة في القاهرة حيث يدير نشاطه السري في العملة “لو في فلوس تاني جاية من الخليج مش هيبقى في حاجة اسمها السوق السوداء.”

 

وقال سايمون وليامز كبير اقتصاديي الشرق الأوسط في بنك اتش.اس.بي.سي في دبي إنه يظن أن السلطات المصرية تعتقد أن البلاد يمكنها الآن أن تدع الجنيه يتراجع في السوق الرسمية إلى مستويات تجتذب امدادات جديدة من الدولار.

 

وأضاف “هذه علامة ثقة. فهم يعتقدون أن بوسعهم تخفيف قبضتهم الآن والعودة إلى النظام العادي.”

 

* السوق السوداء

 

يبلغ السعر الرسمي للجنيه فيما بين البنوك 7.15 مقابل الدولار أي منخفضا نحو 15 في المئة عما كان عليه قرب نهاية عام 2012 عندما بدأ البنك المركزي تطبيق نظام مزادات لطرح الدولار بهدف تقنين استخدام العملة الصعبة وحماية الاحتياطيات.

 

ويتعين على البنوك التعامل في الدولار في إطار نطاقات حول السعر المعلن في مزادات البنك المركزي للمعاملات بين البنوك والتعاملات التجارية وللافراد بما يتيح للسلطات السيطرة الفعلية على سعر الصرف الرسمي.

 

لكن اقتصاديين يقدرون أن الطلب الشهري على الدولار في مصر أكثر بنحو نصف مليار دولار عن المبلغ الذي يطرح في السوق الرسمية. وظهرت السوق السوداء لتلبية هذا الطلب.

 

والآن ظهرت توقعات أن المساعدات والاستثمارات التي ستقدمها دول الخليج قد تؤدي إلى تحول كبير في التوازن بين العرض والطلب في السوق السوداء خاصة بعد أن دعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز يوم أمس الثلاثاء إلى عقد مؤتمر للدول المانحة لدعم مصر.

 

ولم يتضح حجم المبالغ التي قد تحصل عليها مصر أو توقيتاتها. لكن البيان السعودي كان بمثابة مؤشر جديدة على أن ثلاثة من أغنى دول العالم هي السعودية والامارات والكويت ترى أهمية سياسية كبرى في تحقيق الاستقرار في مصر.

 

وكانت الحكومات الثلاث قد تعهدت بالفعل بتقديم مساعدات لا تقل عن 12 مليار دولار وقدمت بالفعل أغلبها منذ عزل الجيش المصري في يوليو الماضي الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الاخوان المسلمين.

 

ومن المحتمل أن تتدفق على مصر مبالغ مماثلة أو أكبر في الاشهر أو السنوات المقبلة مع سعي دول الخليج لدعم حليفها قائد الجيش السابق عبد الفتاح السيسي الذي انتخب الاسبوع الماضي رئيسا لمصر.

كما تعمل دول الخليج على تشجيع شركاتها الحكومية على القيام باستثمارات كبيرة في مصر في مجالات مختلفة من الإسكان إلى الطاقة.

 

وقال تاجر عملة آخر في السوق السوداء بالقاهرة طلب عدم الكشف عن اسمه خشية جذب اهتمام السلطات اليه “التوقعات هي أن السيسي سيضبط البلاد ويجلب استثمارات.”

 

وقال هو وآخرون إن سعر الجنيه في السوق السوداء الآن يبلغ نحو 7.35 مقابل الدولار بالمقارنة مع أكثر من 7.50 الاسبوع الماضي وما يقرب من ثمانية جنيهات للدولار خلال حكم مرسي.

 

* السوق الرسمية

 

ومادام الضعف يلازم صناعة السياحة والاقتصاد المصري عموما فمن المستبعد فيما يبدو أن تكفي أموال الخليج وحدها لتوفير الدولارات اللازمة لاغلاق السوق السوداء نهائيا.

 

وسجلت مصر عجزا تجاريا كبيرا بلغ 15.4 مليار دولار في الفترة من يوليو إلى ديسمبر من العام الماضي كما تأثرت ايرادات السياحة بالمخاوف الأمنية وكاد فائض الخدمات أن يختفي. وأدت المساعدات الخليجية حتى الان إلى توقف هبوط حاد في احتياطيات النقد الاجنبي لدى البنك المركزي لكنها لم ترفعها بدرجة كبيرة.

 

وهنا يأتي دور سياسة البنك المركزي. فمنذ نهاية مارس عندما كان سعر الصرف الرسمي 6.97 جنيه للدولار اختار البنك المركزي أسعار العروض المقدمة في مزادات الدولار التي تعمل على دفع الجنيه للتراجع ببطء شديد.

 

ويبدو أن هذا كان تحولا رئيسيا في السياسة رغم أن المسؤولين لم يؤكدوه لأن تحقيق استقرار العملة كان يمثل أولوية بل وانجازا كبيرا للسلطات بعد هبوط الجنيه بوتيرة سريعة في عهد مرسي. وكان ذلك الهبوط أثار انزعاج المستثمرين ودفعهم لتحويل مئات الملايين من الدولارات إلى خارج البلاد.

 

وأجرت رويترز استطلاعا غير رسمي لاراء عشرة متعاملين ومديري صناديق واقتصاديين في مصر والخارج تنبأ فيه ثمانية بأن السعر الرسمي للجنيه سيواصل انخفاضه ليصل بنهاية العام الى 7.35 مقابل الدولار وهذا سيعني انخفاض قيمة العملة المصرية بنسبة 5.4 في المئة خلال 2014.

 

ومن الممكن كذلك أن تشهد العملة انخفاضا متوسطا في العام المقبل.

 

وحتى الآن لم يعلق مسؤولو البنك المركزي علنا على أسباب التحول في سياسة البنك ولم يتسن الاتصال بمسؤولين مطلعين على السياسة الخاصة بالعملة للتعقيب.

 

لكن كثيرا من الاقتصاديين من القطاع الخاص يعتقدون أن السلطات تضع هدفين نصب أعينها. الأول هو تعزيز النمو الاقتصادي وهو يمثل أولوية للسيسي للحفاظ على التأييد الشعبي وذلك من خلال تنشيط الصادرات. وقد قال وزير التجارة منير فخري عبد النور إن مصر تريد زيادة الصادرات غير النفطية بنسبة 15 في المئة هذا العام بعد ارتفاعها 11 في المئة عام 2013.

 

ومن المستبعد أن تكون التجارة الدافع الاساسي وراء تغيير السياسة إذ ان قطاع التصدير المصري يمثل ما يزيد قليلا فقط على عشرة في المئة من الاقتصاد وإذا أدى انخفاض العملة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية فقد يتأثر التأييد الذي تحظى به الحكومة.

 

ويبدو أن السبب الرئيسي هو رغبة في خفض الجنيه إلى المستوى الذي تعتقد اسواق المال أنه يمثل قيمة معقولة ومن ثم قابل للاستمرار في المدى الطويل. وهذا قد يقنع مستثمري المحافظ والشركات من مختلف أنحاء العالم وليس دول الخليج فحسب بأن تستأنف ضخ الاموال في مصر.

 

وفي العام الماضي بلغ الاقتصاد المصري من الضعف حدا كان من الممكن أن يؤدي فيه بدء عملية خفض قيمة العملة إلى ذعر لا يمكن السيطرة عليه في السوق.

 

أما الآن فالثقة أكبر لدى البنك المركزي والسوق – بدعم من المساعدات الخليجية – في أن من الممكن التحكم في هذه العملية.

 

وقال الن سانديب رئيس قسم الابحاث لدى نعيم للوساطة المالية بالقاهرة إن السلطات تدير عملية لخفض قيمة العملة لتشجيع الناس على دخول السوق وجلب استثمارات مباشرة من الخارج.

 

وأضاف أن المستوى الذي سيستقر عنده الجنيه في نهاية الامر يتوقف على مدى سرعة عودة ايرادات السياحة إلى طبيعتها.

 

وإذا اختفت السوق السوداء وأصبح البنك المركزي قادرا على انهاء نظام مزادات الدولار ليرجع إلى سوق حرة نسبيا يتوازن فيها العرض والطلب فسيكون ذلك إشارة ايجابية جدا للمستثمرين.

 

وقال وليامز كبير اقتصاديي الشرق الأوسط لدى اتش.اس.بي.سي “ضعف العملة سيفيد الصادرات لكن عودة نظام الصرف الاجنبي لطبيعته أكثر أهمية من ذلك. فهي تظهر أن الجنيه قابل للتحويل مرة أخرى وأن الازمة انتهت وان من الممكن الاستثمار في مصر مرة أخرى.”