كتاب يرصد الملامح العامة للنظرية الإقناعية لدى سعود الفيصل

الأحد ٢٤ مايو ٢٠١٥ الساعة ١:٣٣ مساءً
كتاب يرصد الملامح العامة للنظرية الإقناعية لدى سعود الفيصل

 

قدم الدكتور مطلق سعود المطيري؛ قراءة تحليلية لخطاب وزير الخارجية السعودي السابق الأمير سعود الفيصل، ركز فيها على الملامح العامة للنظرية الإقناعية لسموه ، مقدماً في الكتاب الذي حمل الكتاب عنوان: استراتيجيات الإقناع السياسي (قراءة تحليلية لخطاب الأمير سعود الفيصل) وصدر عن دار مملكة نجد للنشر والتوزيع رؤى وطرحاً مختلفاً؛ لتحليل الخطاب «الفيصلي» بما يحقق أكبر قدر من الموضوعية والحيادية حول الملامح العامة للنظرية الإقناعية لوزير الخارجية السعودي السابق.

وقدم للكتاب الصحافي والكاتب العراقي صلاح النصراوي، الذي شدد على أن هذا الإصدار يمثل إسهاماً حقيقياً في ميدان معرفي مهم يرتبط بحقول عدة، تشمل السياسة والديبلوماسية والأمن القومي وعلم الاجتماع والإعلام وفنون الاتصال، بل تتعدى ذلك إلى التاريخ، من خلال تسليط الأضواء على جانب مهم من حياة وعمل شخصية ليست مهمة وبارزة فقط، بل استثنائية في عالم السياسة والديبلوماسية، وليس أيضاً في بلاده ولا في العالمين العربي والإسلامي فقط، بل في العالم بأسره، وخلال حقبة خطيرة من التاريخ شهدت فيها المنطقة التي ينتمي إليها، ولا تزال، تطورات وانقلابات سياسية واجتماعية كبرى.

ورأى النصراوي أن الإقناع كديناميكية وكوسيلة لإيصال مضمون الخطاب السياسي للأمير سعود الفيصل أسلوب مقصود ومدبر، وهو ناتج من القناعة بأن مفهوم الخطاب، كما يعرفه علماء الاتصال، يرتكز أساساً على فكرة التواصل بالأفكار بشأن قضايا جديدة، مثلما هو تعبير عن العقلانية وعن أعمال القدرة على التفكير.

وذكر المؤلف المطيري أن الأمير سعود الفيصل يعد أحد أبرز أسماء وزراء الخارجية في الدول العربية في العصر الحديث، إذ لعب أدواراً تاريخية، وشارك في اتخاذ قرارات عدة أثرت ليس في التاريخ ومستقبل السعودية فحسب، بل في مستقبل المنطقة برمتها، فكان وبحق عميد ديبلوماسيي العالم، إذ شغل منصب وزير الخارجية منذ عام 1975، وهو ما أكسبه من الخبرات ما يستطيع به التعامل بحنكة وكفاءة مع كل القضايا التي تواجه بلاده، أو الأمة العربية والإسلامية، أو تلك التي تهدد مصير الأمن والاستقرار العالمي. واعتبر أن السمات الشخصية للأمير سعود الفيصل، وخبراته العملية والعلمية وتوجهاته الفكرية والعقدية لم تكن هي العامل الوحيد الذي جعل منه أبرز وزراء الخارجية العرب، وإنما كانت هناك عوامل واعتبارات موضوعية أسهمت في ذلك أيضاً، لعل أبرزها: السياق السياسي المتمثل في النظام السياسي للسعودية، القائم على قدر كبير من توزيع الأدوار وتكاملها بين مختلف مؤسسات الدولة، وهو ما أعطى وزارة الخارجية دوراً فاعلاً في صياغة السياسة الخارجية للسعودية، بالتعاون والتنسيق مع مختلف الوزارات والمؤسسات وبإشراف القيادة وتوجيهها، كما أن هناك سياقين مكانياً وزمانياً ممثلاً بما تملكه السعودية من ثقل سياسي واقتصادي وديني؛ يمنح كل من يشغل هذا المنصب مساحة واسعة للتحرك، والعديد من الأوراق السياسية الذي تمكنه من المناورة بما يخدم المصالح الوطنية للسعودية والمصالح القومية للعالم العربي، كما أن المرحلة التاريخية التي تولى فيها الأمير سعود الفيصل منصب وزير الخارجية، وهي مرحلة شهدت تطورات إقليمية ودولية، فرضت تحديات خطيرة على المملكة والمنطقة العربية، وهو ما أضفى أهمية غير مسبوقة على التحركات والمواقف التي يتبناها وزير خارجية السعودي، والتي كانت تمثل في أحيان كثيرة نقاطاً مفصليةً في مستقبل السلم والأمن الدوليين؛ بداية من موقف السعودية من غزو السوفيات لأفغانستان، ومروراً بالحرب العراقية وحرب تحرير الكويت، وانتهاء بالحملة الدولية لمكافحة الإرهاب وغيرها من القضايا، التي كان لموقف المملكة منها أهمية بالغة في تحديد الخريطة السياسية والجيوسياسية ليس للمنطقة فحسب، وإنما للعالم أجمع -استجدت قضايا تدخل في هذا السياق، مثل الربيع العربي والوضع في العراق حالياً، والأحداث في سورية، إذ إن الكتاب المؤلَّف عام 2008، وأعيدت طباعته العام الماضي-.

وكشف الكتاب عن القضايا الرئيسة والفرعية، التي تمحور حولها خطاب الأمير سعود في فترة الدراسة والتي بلغت 14 قضية، تنوعت بين قضايا دولية، وإقليمية، ومحلية، لافتاً إلى أن القضايا الإقليمية احتلت المرتبة الأولى بين إجمالي القضايا التي ركز عليها الوزير الفيصل في خطاباته، بنسبة 42.8 في المئة، يليها القضايا الدولية بنسبة 34.8 في المئة، وأخيراً جاءت القضايا الخاصة بالسعودية بنسبة 26.5 في المئة.

وأشار المؤلف إلى أن أهم خمس قضايا ركز عليها الأمير سعود الفيصل في خطاباته هي على الترتيب: التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب بنسبة 16.6 في المئة، يليها القضية الفلسطينية وتداعيات الصراع العربي-الإسرائيلي بنسبة 15.8 في المئة، ثم القضية العراقية وتطوراتها بنسبة 12.5 في المئة، وعلاقات التعاون الثنائية بين السعودية والدول الغربية بنسبة 10 في المئة، وأخيراً تتساوى الأزمة اللبنانية، والسعي نحو تصحيح المفهوم الغربي عن الإسلام في مرتبة واحدة بنسبة 7.5 في المئة.

وخلص المؤلف إلى نتائج عدة، تشكل في مجملها ملامح النظرية الإقناعية لدى الأمير سعود الفيصل وأولها: ضرورة الاهتمام بترابط بنية الخطاب السياسي مهما تعددت المستويات والأبنية الفرعية داخله، إذ يعد هذا الترابط أحد استراتيجيات الإقناع اللغوي وبعده العقلي والعاطفي، إضافة إلى ملمح يتمثل في استخدام المفاهيم بدقة متناهية، وتعامله بحرص شديد مع دلالتها وما تستدعيه من أفكار وأحكام ذهنية لدى متلقي الخطاب ومستمعيه، والتوظيف الدقيق والناجح لكل ذلك من أجل إيصال الرسالة المبتغاة بدقة وسرعة؛ تضمن الهدف الرئيس من ذلك الخطاب، وهو ما يتطلب مراعاة السياقان السياسي والجغرافي وطبيعة الجمهور المستهدف ومواكبة التطورات التي يشهدها العالم.

وكشف الكتاب أن النظرية الإقناعية التي طرحها الأمير سعود في خطاباته؛ تؤكد الأهمية المتنامية لإدراك الاختلاف بين نمط المحاورة الخطابية والمحاورة الجدلية والمهارات التي تتطلبها كل منهما وتأثيراتهما، وعدم استخدام أي منهما إلا بعد إتقان ما يتطلبه من شروط ومهارات؛ إذ نمط المحاورة الخطابية الذي يعد من أقصر الطرق للوصول إلى الحقيقة يعتمد على هرمية واحدة للخطاب السياسي، بغض النظر عن الإلقاء وطبيعة المتلقين، أما النمط الثاني فيعتمد على المنهج الجدلي، وهو منهج يتميز بالصعوبة والمخاطرة والفعالية في آن واحد.