القصيبي قصة أسطورة تستحق أن تروى وخارطة طريق لكل وزير ناجح

الخميس ١ سبتمبر ٢٠١٦ الساعة ١٢:٠١ صباحاً
القصيبي قصة أسطورة تستحق أن تروى وخارطة طريق لكل وزير ناجح

 المواطن – بندر الحميد- الرياض 

مرت قبل أيام قلائل في 10 من أغسطس الذكرى السادسة لرحيل رجل الدولة والأديب والشاعر والروائي المعروف الدكتور غازي القصيبي ، وبما أن البعض قد يجهل الكثير من تاريخ الرجل وخدماته الجليلة التي قدمها لوطنه أثرنا هنا في (المواطن) أن نضع النقاط على الحروف ونستعرض بعضًا مما يستحق أن يروى عن الرجل والذي وصل في مرحلة من المراحل إلى مايشبه (الأسطورة) متخذين من أشهر كتبه ” حياة في الإدارة ” مرجعًا لكل ما سيرد من مقتطفات لأبرز ماجاء في ثنايا ذلك الكتاب المثير والثمين ، والذي وصف مرحلة هامة من مراحل عمله أكاديميًا بالجامعة ، ثم مديرًا لسكة الحديد ، ثم وزيرًا لوزارتي الصناعة والكهرباء والصحة ، ثم سفيرًا لدى دولة البحرين الشقيقة .

* رغم حصوله على درجة الماجستير من الولايات المتحدة الأمريكية في تخصص القانون في العلاقات الدولية وتوقعه أن يعود للوطن ويجد عملًا مرموقًا من أول يوم ، وعند التحاقه بجامعة الملك سعود عين استاذًا مساعدًا في كلية التجارة إلا أنه لم يستطيع أن يجد له في البداية مكتبًا ولا حتى طاولة وقبل هذه الظروف ليختار الدوام في مكتبة الجامعة وليقضي وقته في القراءة من الساعة الثامنة إلى إلى الثانية ظهر كل يوم ، وبعد شهور على هذا الحال جاءت الطاولة إلا أن أول عمل كلف به لصق صور الطلاب على استمارات الامتحان ! ،  ومع ذلك قبل هذا العمل عن طيب خاطر

يذكر القصيبي في هذا الشأن حكمه تقول : يحسن بالمرء في عالم الإدارة وفي عالم الحياة الواسع أن يوطن نفسه على التعامل مع جسام الأمور وتوافهها على حد سواء .

* بعد أن كلف بتدريس مبادئ القانون ومبادئ الادارة العامة مع بداية العام الجديد ورغم رفضه لتدريس التخصص الثاني الا ان عدم وجود اساتذه جعله يوافق على مضض ويذهب خلال الاجازة الصيفية كاملة في الجامعة الأمريكية ببيروت ليقرأ في المكتبة ويدرس كل مايخص الادارة العامة تمهيدًا لتدريسها ، وفي الموعد المحدد وعند عودته ليبدأ مرحلة التدريس أخيرًا بالجامعة فوجئ بقرار يطلب منه التوجه إلى اليمن حيث رشح ليكون من ضمن لجنة السلام السعودية المصرية لانهاء الحرب الأهلية في اليمن بموافقة الملك فيصل رحمه الله ، ورغم تفاجئه بذلك وعدم رغبته الذهاب إلى بلاد تمزقها الحروب والقلائل وقتها وغضبه على من رشحه لتلك اللجنة وهو عمران العمران من وزارة الداخلية إلا أنه أقنعه وقال له سوف تتفتح أمامك أفاق أكبر وسوف تتعرف على كبار المسؤلين بعد أن كنت مغمورًا ، وربما تكون دراستك للدكتوراة عن اليمن وسوف تحصل على انتداب ، وكل ذلك حدث لاحقًا بالفعل حيث تعرف القصيبي وقتها على الأمير سلمان بن عبدالعزيز – الملك حاليًا – وتنبأ له وقتها بأنه سيصبح وزيرًا ، وهذا ماحدث لاحقًا بالفعل وحصل على مبلغ انتداب يقدر ب 25 الفًا وكان وقتها وبمقاييس ماقبل الطفرة يعد مبلغًا هائلًا واستطاع أن يشتري بجزء منه أرضًا بنى عليها بيت العمر لاحقًا !

* يقول غازي القصيبي أن التجارب العملية من خلال عمله في مكتب يقدم الاستشارات القانونية علمته شيئًا غريبًا عن الطبيعة البشرية هو : لا يأخذ الناس بجدية كافية أي خدمة تقدم لهم بلا مقابل أو بسعر منخفض واستشهد بقصة حيث كانت مكاتب الاستشارات القانونية في الرياض تتقاضى 15 الف ريال مقابل إعداد عقد من عقود الشركات وهو رأى أن إعداد هذه العقود لم يكن يتطلب جهدًا يذكر وأن المبلغ مرتفع وقرر عندها الا يتقاضى إلا مبلغ 5 الاف عن كل عقد يعده وعندها اتصل به صديق يعمل في نفس المجال ونصحه بالعدول عن القرار معتبرًا أن القرار لن يضر أحدًا غيره وهو مالم يصدقه القصيبي إلا أن ماتوقعه صديقه حدث بالفعل حيث تجنب العملاء المكتب الرخيص الذي يقدم العقود الرخيصة وأصروا على التعامل مع المكاتب الفاخرة التي تقدم العقود الغالية .

* بعد سنة واحدة من حصوله على شهادة الدكتوراة من لندن رشح غازي القصيبي وهو ابن الحادية والثلاثون ليكون عميدًا لكلية التجارة بجامعة الملك سعود ، ورغم عدم موافقته مبدئيًا لتخوفه من عدم تعاون زملاءه في الكلية الذين يفوقونه أقدمية حيث سيصبح يفوقهم منصبًا ، وهو ماجعله يحاول التملص من المنصب باشتراطه ثلاثة شروط غير قابلة للتفاوض وهي :

أن تكون العمادة لفترة واحدة سنتين دون تجديد ، والشرط الثاني أن يتاح له المجال للقيام بالاصلاحات التي يعتقد أن الجامعة تحتاجها ، والشرط الثالث موافقة كل الزملاء السعودديون في الكلية على تعيينه ورغم أنه كان واثقًا أن هذه الشروط كفيلة بإنهاء الترشح إلا أن المفاجأة كانت الموافقة عليها كاملة وبالإجماع .

 

*  استطاع القصيبي وبعد توليه إدارة سكة الحديد تحسين وضع العاملين بها من خلال إنهاء الترقيات المتأخرة حيث أصبحت تتم بمجرد استحقاقها ، وإلغاء التفرقة التي كانت موجودة وأثرت على سير العمل بين الموظفين الرسميين والموظفين المتعاقدين من خلال ادراج كادر وظيفي جديد أدى إلى جعل الموظفين المتعاقدين يحظون بكل المزايا التي يتمتع بها الرسميون ، بالإضافة إلى إنشاء جامع الحي السكني – وهو الذي مازال قائمًا حتى الأن بحي الناصرية بالدمام – كما أنشأ ناديًا للنشاط الثقافي والرياضي على أن أهم الحوافز التي وفقه الله لتقديمها لموظفي السكة هو توزيع أراض من المؤسسة على الموظفين ذوي الخدمة الطويلة ، وهذا مافعله أيضًا مع موظفي وزارة الصناعة والكهرباء ، وزاد على ذلك في وزارة الصناعة والكهرباء بأن وفر شقق سكنية تؤجر للموظفين بأجور رمزية ، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد بل كان كل موظف يرقى يستلم رسالة تهنئة شخصية منه ، ورسائل أخرى لكل موظف تشاطره الأسى في المناسبات الحزينة والفرح في المناسبات السعيدة كتهنئتهم بالعيد ، وتابع ملف الترقيات أيضًا أثناء تسلمه وزارة الصحة ورقي خلال الفترة التي قضاها في الوزارة عدد من الموظفين فاق عدد الذين رقوا في أي فترة زمنية مماثلة .

 

* جاءت فترة على القصيبي وهو في منصبه بسكة الحديد شعر خلالها أنه بدأ يتحول إلى وزير تحت التدريب وذلك بعد أن زار الأمير فهد بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزيرًا للداخلية وقتها الملك فهد لاحقًا رحمه الله الدمام حيث ذهب القصيبي للسلام عليه وطلب أن يجلس مع القصيبي على انفراد حيث تحدث الأمير فهد عن فلسفة تنموية قال فيها أعرف مايريده كل مواطن حيث يريد بيتًا لائقًا يضمه وأهله ويريد عملًا كريمًا ويريد مدرسة في الحي الذي يسكنه ويريد مستوصفًا بقرب بيته ويريد مستشفى ويريد خدمة كهربائية ، وقد اتضح للقصيبي بعد تلك الجلسة أن الأمير فهد يتبنى النظرية التنموية المعروفة بإسم ” إشباع الحاجات الأساسية ” وأن في ذهنه له دورًا يتجاوز تسيير القطار ، ثم أصبح عضوًا في مجلس إدارة صندوق التنمية العقاري الذي أنشئ في تلك الفترة ويعود الفضل بعد الله في تأسيسه للأمير فهد بن عبدالعزيز ، ثم تأكد كل ذلك بعد أن سافر مع الأمير فهد في رحلتين رسميتين هامتين إلى الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وهو مازال مديرًا لسكة الحديد وهي من الحالات النادرة التي يشارك فيها أحد بهذا المنصب في مهمات سياسية كبيرة .

 

* من ذكريات القصيبي الطريفة أثناء عمله في سكة الحديد أن أحد رجال الأعمال البارزين في المنطقة الشرقية زاره في مكتبه وقدم له دعوة لتناول وجبة الغداء أو العشاء وكان القصيبي لا يحب المجاملات الفارغة كما يقول وحاول الاعتذار ولكن الرجل أصر فما كان من القصيبي الا أن قال له : أنت تعرفني منذ كنت أستاذًا مساعدًا بالجامعة ولكنك لم تدعني إلا الأن فقال الرجل بصراحة ” هذه الدعوة ليست لك وإنما لهذا الكرسي الذي تجلس عليه فما كان من القصيبي الا أن قال تقديرًا لصراحتك يسرني أن أقبل الدعوة ، فقال الرجل : ومتى الموعد ؟ فقام القصيبي من على الكرسي ثم أشار إليه وقال ” هيا خذ ضيف الشرف معك وأطعمه ما شئت ” !!

* رغم وصول تلميحات عام 1395 هـ من الأمير فهد وقتها رحمه الله بدخول القصيبي التشكيل الوزاري الجديد حيث قال له : هناك مهمة كبيرة في انتظارك ثم تجاوز ذلك إلى التصريح بعد أن قال له الملك خالد رحمه الله قريبًا سوف يكون هناك تغيير وزاري وسوف تدخل الوزارة ” يقول القصيبي رغم كل ذلك إلا أنه لم يسمح أن يؤثر كل هذا على عمله في سكة الحديد ، ومما يؤكد ذلك أيضًا أنه وفي يوم صدور الأمر الملكي بتشكيل الوزارة اتصل به صباحًا صديق يعمل في الديوان الملكي وقال : إنه رأى إسم القصيبي ضمن التشكيلة وأضاف أن الخبر سيبث في نشرة أخبار الظهيرة إلا أن القصيبي ومع كل ذلك رأى أنه من المعيب أن يترك عمله ويذهب للمنزل لمشاهدة نشرة الأخبار أو أن يٌحضر راديو للمكتب للاستماع للنشرة حيث اعتبر ذلك من استباق الأمور ومما لا يليق بكرامة المنصب الذي يشغله ولا بكرامة المنصب الذي يمكن أن يشغله . وبالفعل سارت وتيرة العمل كما هي في ذلك اليوم قبل أن يتلقى اتصالًا من زوجته تهنئه بالعمل والمنصب الجديد .

 

* من الصفات المهمة التي اعتبر القصيبي ضرورة توفرها في القائد الإداري الناجح ثلاث صفات :

الأولى عقلية وهي القدرة على معرفة القرار الصحيح معتبرًا الحكمة هنا جوهر هذه الصفة ، والصفة الثانية المطلوبة النفسية وهي القدرة على اتخاذ القرار الصحيح ومعتبرًا الشجاعة روح هذه الصفة ، والصفة الثالثة المطلوبة هي مزيج من الصفة العقلية والصفة النفسية وهي القدرة على تنفيذ القرار الصحيح ويعتبر القصيبي أنه إذا اجتمعت الصفات الثلاث لدى القائد الإداري فلا يهم عندها أي اعتبار أخر حتى ولو كان التخصص ، معتبرًا أن الوزير الذي يكون متخصصًا ويكلف بالعمل الإداري في نفس المجال قد يتأثر بما أسماه القصيبي “روح النقابة” ومعناها الولاء المتبادل للقطاع الذي يتبعه الموظف وهو ما يؤثر من وجهة نظر القصيبي بطريقة شعورية أولا شعورية على قرارات الوزير المنتمي للنقابة  .

 

*  من القصص الملفتة والطريفة التي يرويها القصيبي في كتابه أنه كان حينما تحدث انقطاعات الكهرباء في الرياض يذهب بنفسه ليرافق فرق الصيانة إلى مختلف الأحياء لاصلاح الأعطال ، وكان يفعل ذلك مرة في الشهر ويقصد من ذلك رفع الروح المعنوية للعاملين في فرق الصيانة ، وحتى يعلم المواطنين أن الجهاز بأكمله وعلى رأسه الوزير ساهر على خدمتهم ، كما كان أثناء الانقطاعات الكبيرة في الرياض يتوجه إلى مقر الشركة ويشارك موظفي السنترال في تلقي الشكاوى الهاتفية وذات ليلة اتصل مواطن غاضب وقال وهو يصرخ ” قل لوزيركم الشاعر أنه لو ترك شعره وأهتم بعمله لما انطفأت الرياض كلها ، فقال القصيبي شكرًا لقد وصلت الرسالة ، فقال المواطن : ماذا تقصد ؟ ، فقال القصيبي : أنا الوزير ، فقال المواطن : احلف بالله ، فقال القصبيي : والله ! ، فما كان من المواطن إلا البقاء في حالة صمت ووجوم ربما لأنه مصدق أو غير مصدق قبل أن يهوي بالسماعة !

 

* في الكتاب تحدث القصيبي عن علاقته بالاعلام حيث ذكر أنه كان متعاونًا مع رجال الأعمال إلى أبعد الحدود وأنه لم يكتم عن الصحفيين شيئًا باستثناء ماكانت الضرورة القصوى تقتضي كتمانه ، وكان يستجيب لكل صحفي جاد يريد عمل مقابلة معه ، ولم يكن هناك شيء يكتب عن الوزارة إلا كان هناك رد فعل فوري منه،  ولم يكن الرد يجيء من قسم العلاقات العامة حيث لم يكن في وزارته قسم كهذا وإنما كان الرد يجيء بخط الوزير مباشرة ، كما ذكر أنه كان يتقبل النقد حتى اللاذع منه حتى أنه كان يرجو رؤساء التحرير أن يوافوه بأصول رسوم الكاريكاتير الساخرة من الخدمة الكهربائية وفيما بعد الصحية أثناء عمله وزيرًا للصحة حيث ذكر بأنه كان يعلق هذه الرسوم الساخرة في مكتبه .

 

* اعتمد غازي القصيبي في إدارته الوزارية على تدعيم صلاحيات الوكيل أي وكلاء الوزارة من مبدأ “وحدة القيادة” حيث يرى بأنه لا يمكن لموظف أن يتلقى التعليمات من الوكيل ومن الوزير دون حدوث خلل أو ارتباك حيث يرى بأن اتصال الوزير المباشر بالموظفين يؤدي بتلقائية إلى تأكل سلطة الوكيل ومع الزمن الى انهيارها كلية ، ومن هذا المنطلق وعندما يتولى الوزارة فإنه يصدر قرارًا بتفويض كل صلاحيات الوزير المالية والإدارية للوكيل ، حيث يرى أن الوكيل هو المسؤول عن الإدارة اليومية للوزارة وأن على الموظفين تلقي التعليمات منه ومنه وحده ، وفي ذلك يقول أيضًا بأن أي وزير لم يفعل ذلك فلن يجد الوقت الكافي للتفكير والتخطيط ويضيف في ذلك أيضًا بأن هذا التفويض وهذه الصلاحيات المفتوحة لا تمنح للوكيل إلا بعد شهور من اللقاء اليومي بين الوزير والوكيل والذي من خلاله يستطيع أن يعرف الوكيل اتجاهات الوزير ويتجنب اصدار قرارات لاتتماشى مع هذه الاتجاهات .

 

* يسدي القصيبي نصيحة للوزراء لاتقدر بثمن تتعلق بتحقيق أي مناقصة أهدافها لابد من توفر شرطين الأول هو أن تكون لدى الجهة الحكومية فكرة دقيقة جدًا عن تكلفة المشروع حيث يرى بأنه بدون هذا الشرط يمكن أن ترسى المناقصة على صاحب عطاء منخفض يقل عن التكلفة الحقيقية بكثير ، والشرط الثاني هو أن تتأكد الجهة المعنية أن الفرق بين عطاءات المتنافسين يبقى ضمن حدود مقبولة ٢٥٪ مثلًا .

 

* من المواقف التي يرويها القصيبي في كتابه قصة تعرض محمود طيبة محافظ المؤوسسة العامة للكهرباء لمحاولة رشوة من احدى الشركات التي تنفذ أحد المشاريع بقيمة مليون ريال ، ووقتها طلب طيبة مهلة للتفكير متعمدًا لكي يذهب ويخبر القصيبي بالأمر ، وعندها رأى القصيبي انه لابد من تلقين الشركة درسًا قاسيًا لا تنساه وحتى تتعظ من خلاله الشركات الأخرى ، حيث قام بإبلاغ الجهات الأمنية ، وعندها تم نصب كمين من قبل المباحث الإدارية لمندوب الشركة وبالفعل ضبط المندوب بالجرم المشهود ولقي عقوبته طبقًا للأنظمة ، وبعدها ذهب القصيبي للأمير فهد بن عبدالعزيز – رحمه الله – ولي العهد وقتها وروى له ماحدث وأضاف أن الرجل الذي رفض المليون ريال لايملك هذا المبلغ فقال الأمير فهد فورًا ” مادام قد رفضه حرامًا فسوف يأخذه حلالًا  ” ، وبالفعل  قرر إعطاءه المبلغ مكافأة على نزاهته مع منحه وباقتراح القصيبي وسامًا مع فرض غرامة على الشركة مقداره عشرة ملايين ريال .

 

* يقول القصيبي في كتابه أنه من نعم الله عليه أنه رزق بموهبة القراءة السريعة جدًا والتي ساعدته على قراءة المعاملات وانجازها ، وارجع الفضل بعد الله في ذلك للطريقة السلمانية بحسب وصفه وهي طريقة الملك سلمان بن عبدالعزيز  عندما كان أمير الرياض وقتها حين زاره القصيبي في مكتبه بأمارة الرياض ولاحظ أنه يقرأ الأوراق بسرعة مذهلة وحين سأله عن السر أجابه : لاداعي لقراءة الثلث الأول من الرسالة لأنه يحتوي ديباجة طويلة ولا داعي لقراءة الثلث الأخير من الرسالة لأنه يحتوي على خاتمة طويلة يكفي قراءة الثلث الأوسط ، يقول القصيبي من وقتها وهو يتبع الطريقة السلمانية .

ا* يصف القصيبي في كتابه أسلوب الملك فهد رحمه الله في الرد على طلبات الوزراء بأن الملك فهد كان رجلًا جم الأدب شديد الحياء ولم يسبق أن راه يرفض طلبًا لأي وزير أو أي انسان أخر بصفة مباشرة ومع الزمن تعود الوزراء على اسلوبه فعندما يوافق على طلب وزير كان يقول على “بركة الله” أو “توكل على الله” ، وعندما تكون لديه تحفظات على الطلب كان يطلب من الوزير أن يكتب له رسالة عن الموضوع وهذا يعني أن احتمال الموافقة قد انخفض إلى 50% ، وعندما تكون لديه شكوك جدية حول حكمة القرار المطلوب كان يقول للوزير ” دعني أفكر ” ومعنى هذا أن احتمال الموافقة قد انخفض إلى 10%، وعندما يقرر عدم الاستجابة لطلب كان يطلب من الوزير أن يبحث الموضوع مع وزير المالية وهذا يعني أن احتمال الموافقة أصبح 1%

 

*  بدأ القصيبي في أول يوم كوزير للصحة بداية مدوية حيث بدأ بزيارة مستشفى في جدة دون إنذار مسبق ويُعتقد أن الزيارات المفاجئة كانت نادرة الحدوث قبله ، يقول دخلت بدون بشت ووقفت مع المراجعين وبعد فترة عرفني أحد المرضى وجاء يسلم علي وعندها تنبه الموظفون وتنبه المدير الذي جاء مسرعًا بادي الاستغراب ، يقول كان خبر تكليفي بالوزارة أذيع ذلك الصباح ولم يكن قد انتشر الخبر فأخذ البعض يسأل ماذا يفعل وزير الصناعة والكهرباء في المستشفى ؟ وعندما علم المدير أني وزير الصحة زاد استغرابه ماذا يفعل وزير الصحة من أول يوم بالمستشفى ؟ وبلغ الاستغراب حد الذهول بعد أن قال القصيبي للمدير إنه يريد أن يزور كل شبر في المستشفى !!

 

* كان القصيبي أثناء توليه مهمة الصحة حريصًا على أن يزور مرفقًا صحيًا واحدًا كل يوم ، ويذهب إلى قسم الطوارئ في المستشفى المركزي ” الشميسي ” بالرياض قبيل منتصف الليل مرة واحدة كل اسبوع ، ومن القصص في هذا الشأن أنه زار مستشفًا خارج الرياض وفي أول غرفة دخلها كانت الأوضاع سيئة ، وفي الغرفة الثانية كانت أفضل نوعًا ما ، وفي الغرفة الثالثة أفضل وعندما تسرب الخبر عن وصول الوزير كانت الغرفة السادسة كما ينبغي من الترتيب والنظافة وفي الغرفة السابعة زادت بأن أصبح فيها زهور موزعة في أنحاء الغرفة ، وفي نهاية الجولة قال القصيبي لمدير المستشفى إن كل ما يرجوه أن تكون كل الغرف طيلة الوقت كالغرفة السابعة حين وصلها !!!

 

* كان هناك لمسات شخصية إنسانية حانية للقصيبي في وزارة الصحة من خلال تأسيس جمعية أصدقاء المرضى والتي كانت وماتزال حتى الآن تضطلع بدور كبير في التواصل مع المرضى المنومين ، كما كان يقوم بنفسه بزيارة الاف المرضى المنومين بالمستشفيات حيث يعتبر أن في ذلك مفعول البلسم حينما يرى مريض وزير الصحة يزوره بنفسه ، وكان أهل كل طفل يولد في مستشفيات وزارة الصحة يتلقون بطاقة تهنئة منه ومعها صورة الطفل ودليل الأسماء العربية والذي أعدته الوزارة بالتعاون مع عدد من الجامعات السعودية ، واستحداث الخط الساخن لاستقبال شكاوى المواطنين وكان يطلع عليها كاملة ، ومضاعفة أعداد المتبرعين بالدم الذي كان دون المستوى وكانت الوزارة تضطر إلى استيراد كميات كبيرة من الدم من الخارج وظهر معها أوبئة فتاكة وعندها استحدث عدة طرق مثل حملات التوعية وصرف مكافأة مالية لكل متبرع وتوزيع هدايا تذكارية وشهادة تقدير موقعة من الوزير شخصيًا – كان يوقع يوميًا مالا يقل عن ٢٠٠ شهادة – وميدالية استحقاق لكل من يتبرع بدمه عشر مرات وكل ذلك ساهم في الاستغناء عن الدم المستورد .

 

* كان هناك من يردد بأن القصيبي يقوم بالجولات التفقدية المفاجئة بترتيب مسبق مع الإعلاميين وفي أحد الأيام وفي عطلة نهاية الاسبوع وكان في زيارة لصديقه عمران العمران بمدينة الهفوف ، وكان أن كرر عليه نفس الكلام من أنه ربما يسرب الزيارات للصحف قبل أي زيارة ، واثناء الحديث كانوا يمرون أمام مستشفى الملك فهد فطلب منه القصيبي أن يوقف السيارة وقال له تعال وانظر بنفسك أنت تعرف أن هذه الزيارة خاصة في العطلة ولم أكن أنويها يقول القصيبي في الدور الأول لم يكد يعرفه أحد وفي الدور الثاني بدأ بعض المرضى وبعض العاملين بالمستشفى يتعرفون عليه وفي الدور الثالث كان كل من في المستشفى يدرك أن وزير الصحة موجود بالمبنى وعندما وصل الدور الرابع كان هناك عدة مصورين وعدة صحف وفي اليوم التالي كانت أخبار الزيارة وبالصور تملأ أكثر من صفحة في أكثر من صحيفة ، وعندها اقتنع صديقه عمران ولكن لم يقتنع أخرون ، كما شاع في الوقت نفسه قصص غير صحيحة تداولها الناس ومن ذلك تلقيه مكالمات من جازان تشكره على الزيارة التي قام بها البارحة وبرقيات من تبوك على الزيارة التفقدية التي قام بها خلال الأسبوع مع أن القصيبي لم يزور المدينتين في تلك الفترة ، وتداولت قصص بين الناس منها قول أحدهم  أن الوزير ظهر بمستوصف في ديرتهم ملثمًا بعد منتصف الليل وأخر ذكر بأن الوزير زار مستوصفًا في حي الروضة في سيارة تاكسي ، وثالث ذكر بأنه زار مستوصفًا في البطحاء ملثمًا وفي ذلك يقول القصيبي حقيقة لم أزر تلك الأماكن ولم أذهب في أي زيارة بالتاكسي أو ملثمًا !

 

* من أطرف المواقف التي مرت بالقصيبي في حياته الإدارية بل أطرفها بحسب وصفه يقول بأنه ذات يوم استلم رسالة من طبيب عربي يبدي من خلالها رغبته في العمل بالوزارة وكان يحمل كل المؤهلات المطلوبة إلا أن الطبيب توقع أن طلبه سيحظى بالمزيد من اهتمام الوزير الشاعر إذا ضمنه بقصيدة تمتدحه يقول القصيبي كانت القصيدة ركيكة ولم يكن فيها بيت موزون واحد ، وعندها كتبت إلى شؤون الموظفين توجيهًا بتوظيف الطبيب بشرط ألا يكتب شعرًا ، وبعد اسبوع قيل له أن الطبيب يود مقابلته حيث جاء متظلما من إدارة شؤون الموظفين والتي طلبت منه التوقيع على تعهد بعدم كتابة الشعر وعندها لم يستطع القصيبي أن يغالب ضحكه ثم مزق التعهد وقال للطبيب إن بوسعه كتابة الشعر بشرط ألا يرسله للوزير وعندما استفسر القصيبي من الإدارة عن التعهد جاء الرد بأنه لم يسبق لهم أن رأوا وزيرا يمزح معهم من قبل !!

 

* أثناء غزو العراق للكويت كان موقف غازي القصيبي شجاعًا ومشرفًا حيث كتب عدة مقالات وأجرى عدة مقابلات صحفية وإذاعية وتلفزيونية ومن ذلك ظهوره مع المذيع الأمريكي الشهير لاري كينج في برنامجه الشهير بقناة السي إن إن وهي المقابلة التي حظيت بردود فعل كبيرة حتى أنه وصل القصيبي بعدها عدد هائل من الرسائل لا يقل بحسب قوله عن 500 رسالة وكلها تشيد بالمقابلة ، كل هذا النشاط وهذه المواقف جعلت الكويت تمنحه أعلى وسام بعد التحرير ومنحه مواطنوا الخليج أغلى أوسمة المحبة بحسب وصفه ، ومع ذلك لابد من ثمن لهذه المواقف كما يقول حيث وصلت القصيبي رسائل تحمل كراهية ورسائل تحمل تهديدات بالقتل ومع ذلك لم ينزعج منها ولم يلقي لها بالًا لكنها أُخذت بشيء من الجدية في الرياض حيث أرسل له ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله وقتها سيارة مصفحة ثم أرسل له في الاسبوع نفسه الملك فهد رحمه الله فريقًا أمنيًا لحراسته .

 

*  بعد تحرير الكويت تم تكليف غازي القصيبي ليكون سفيرًا لدى بريطانيا ورغب تقبل القصيبي للقرار الذي استشاره فيه الملك فهد رحمه الله أولًا ووافق عليه مباشرة معتبر كل شيء يأتي منه هو أمر لابد أن يُنفذ فأنا جندي من جنودك يعمل على الجبهة التي تختارها إلا أن القصيبي يقول إنه ذهب بعدها إلى البحر مباشرة وأخذ يتأمل أنوار المنطقة الشرقية  التي تتلألأ في الأفق ثم بدأت الدموع تسيل ببطء من عينيه وهو يقول ” آه أن يكون الإنسان سفيرًا لبلد يستطيع من موقع عمله أن يرى أنوارها ” كناية على أنه لم يكن يود مغادرة البحرين والبعد عن السعودية  ، يقول القصيبي في هذا الشأن أيضًا انه لن ينسى وداع البحرين المؤثر والذي كسر فيه الأمير الشيخ عيسى رحمه الله كل قواعد البروتوكول حيث أقام مأدبة كبرى تكريمًا للقصيبي ولم يسبق لأي سفير أن كُرم على هذا النحو كما منحه وسام البحرين ولم يسبق لأي سفير أن منح هذا الوسام ً ، وفعل رئيس الوزراء الشيخ خليفة وولي العهد الشيخ حمد وقتها الملك حمد حاليًا الشيء نفسه حيث تجاوزا كل رسميات البروتوكول ، كما كان وداع الصحافة حارًا وعاطفيًا وكانت مشاعر الناس العاديين أروع من رائعة .