بالصور .. عيون على مهرجان “مزايين الإبل”

الجمعة ١٤ أبريل ٢٠١٧ الساعة ٨:٣٥ مساءً
بالصور .. عيون على مهرجان “مزايين الإبل”

 

 

١

باص مكتظ وسائق تبدو عليه علامات الغضب ومزيج ثقافي شرقي وغربي . رجال وهم الأكثر في المقدمة ونساء أقل في المقاعد الخلفية ومتحدث بدأ حديثه بالشكر لمن رتّب هذه الزيارة كما شكر الجميع على القدوم والمشاركة أعقبها بكلمات محفزة للاستفادة من الزيارة والحصول على معلومات ذات قيمة لتثري الحاضرين وتُنقل للمجموعة التي لم تحضر، وعيون يملؤها الفضول لما نحن بصدد أن نراه في هذا المدى الممتد من الأرض المنبسطة ..!

 

٢

لا يوجد في هذا الفصل من السنة ذلك التدرج في ارتفاع درجات الحرارة فالظهيرة حتمًا تبدأ مبكرة ولا تنتهي إلا قبل مغيب الشمس، كانت الوجوه محمرة والظل يطلبه الجميع فلا رطوبة في هذا الجو الجاف فنسمات الهواء البارد في الظل نعيم يداوي الأرواح ..!

 

٣

نصل إلى نقطة التقاء البادية وبقايا آثارها البائدة مع ما أنتجته التقنية من أدوات وآليات وأجهزة كان هناك مزج عجيب بين الأصالة والتقدم نراه من خلال المشهد الخارجي ونحن نأخذ طريقنا للدخول في هذا المهرجان المثير لما سبقه من تحول هذه البقعة الجرداء إلي مكان ينبض بالحياة المدنية في غضون شهرين، كان هناك شيء يخالج النفوس بين الحيرة والإعجاب ..!

 

٤

فليعذرني القاريء الكريم فأنا أرتجل الكتابة وأستل تلك الصور من الذاكرة القريبة والمشحونة بلمحات كثيرة، لا يستطيع قلمي أن يلم بتفاصيلها لذا وددت أن أشارك ببعض الومضات العابرة علها تضفي شيئًا من التغيير في وتيرة ملتقانا الكريم .. وقف شاب وسيم الوجه فرح المحيا يرحب بنا ويرد بعد كل تساؤل نطلقه صبراً..

 

” سنريكم ما يسركم “

..

٥

منذ الوهلة الأولى كانت عيون الزوار تنظر لنا بنوعٍ من الاستغراب من يا ترى يكون هذا الوفد المختلط من رجال ونساء ، ولما كل هذا الاحتفاء وكم كنا محظوظين، فالمكان لم يصل إلى ذروته ولكن العيون تتخطفنا والتساؤلات تملؤها والوفد يخطو برويّة ويتبع خطى المرشد اللبق بجدية وتركيّز حتى دلفنا من أحد أبواب مكان أطلق عليه “سنام” .. والمسمى مستوحى من سنام الإبل ومخزن الشحم ومصدر قدرتها على البقاء بدون ماء لمدة قد تصل إلى أسبوع والسنام في الثقافة المحليّة هو ذروة الشيء وعلوه ..

٦

في سنام كان الضوء يسلط دومًا على ما جاء ذكره في القرآن الكريم عن الإبل، وقد ذكرت في خمسة مواضع والسنة النبويّة مع ذكر ناقة الرسول صلى الله عليه وسلم القصواء وتاريخها الحافل مع الرسول الكريم وموتها حزنًا عليه بعد وفاته عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم ، ومن ثم عرج المتحدث المختص في هذا القسم عن أماكن تواجد الإبل في العالم العربي وكذلك في العالم، والمثير أنّ الصومال تقع في المركز الأول على مستوى العالم برقم يصل إلي سبعة ملايين رأس والسعودية يصل فيها تعداد الإبل إلى حوالي مليون وأربعمائة رأس، وبالتأكيد كان هناك إحصاء شامل لأكثر دول العالم للإبل من ذوات السنام الواحد ..!

 

٧

في خطوة استباقية واستثمارًا للوقت كان من المقرر أن نرى مضمار العرض ونحن نجلس على مدرجات معدة للمشاهدة، والشيلات تصدح في المكان بآخر ما أنتجه صوت مهنا العتيبي، صوت يبعث الحماسة وله قبول كبير في ساحة الشيلات، ولكن الحَر وبٌعد المضمار عن موقع النشاطات المصاحبة أنهك الجميع، ولسوء الطالع أنّ المضمار كان يخلو من الإبل لحظة وصولنا ، فغيّرنا المكان لنتجه إلى الردهة الشماليّة لنجد بيت شعر يحاكي حياة الماضي ومجموعة من الإبل المعدة للركوب يقف بمحاذاتها رجل ذو ملامح فرعونية يمتشق مِجنداً أسود ويلبس مفرجاً* أبيض عاصباً رأسه بشماغٍ أبيض والإبل حولة مقلوصة * في بعضها البعض وقد تسنىّ للبعض أن يأخذ رحلة مختصرة على الهوادجِ والأشدة ..!

 

* المفرج هو لبس فضفاض واسع الأيدي ليسمح للهواء أن يبرد الجسم عند ارتفاع درجات الحرارة ..

 

* مقلوصة عندما تريد أن تنقل الركايب وهي مجموعة الإبل المعدة للركوب وأن وحدك تربط بعضها ببعض وتسمى التي تقاد من الركوب الأولى قليصة وهذه الكلمة سيئة السمعة في الثقافة المحلية وتستخدم للتقليل من شأن الشخص فهو يقاد بغيره ..

 

٨

انتقلنا إلى بيت شعر آخر ولكنه مكيّف وشعرنا بتحسن الجو وتحلقنا جميعًا داخله وبدأنا حوارًا متنوعًا من القصيد إلى طرح بعض القضايا الاجتماعية وفتح موضوع يحمل جدليّة ساخنة بين الرجال والنساء والتعدد ومشكلة العنوسة واتكاء بعض الأزواج على النص الشرعي في الحض على الزواج وردود الفعل المتفاوتة بين القبول والرفض، ووصف بعض النساء للرجل المعدد بالزهو الاجتماعي وتحويل الزواج من امرأة أخرى إلى عمل بطولي يجبن عن القيام به بعض الرجال، ولكن التجربة كانت حاضرة لتنقل لنا مشوار حياتها مع التعدد وكيف تتحول حياة الأسرة إلى التشتت وضياع الأبناء جرّاء الطلاق، وتمزق الأسر ليستشهد مجموعة من الرجال بتجارب خبروها وعاصروها مع التعدد وأنّ أي تجربة اجتماعية بائسة لا يجب أن تسحب على كل التجارب وأنّ الصراع الحقيقي في هذا الشأن صراع المرأة مع المرأة فدائمًا علاقة المرأة بالمرأة ملتبسة والتسابق محموم للسيطرة على الرجل والضحية في نهاية المطاف هي المرأة وارتفاع حصيلة المطلقات والأرامل والعوانس بشكل مضطرد في أوساط مجتمعنا، ونحن دوماً نستهلك ذواتنا في الحوار حول المشكلة ولا نولي اهتمامًا للحلول وهي أحق بأن تناقش وتطرح ” فلكل مشكلة سبب ولكل مشكلة حل ” وهنا يجب أن نبحث ..!!

 

٩

كان لنا موعد مع المركز الإعلامي للمهرجان دخلنا والإعلاميون والصحافيون يعملون بجد واهتمام لننتقل إلي غرفة معدة للاجتماعات واستقبلنا مدير المركز بكل لطف وحسن وفادة، ومن ثم بدأ حديثه بتؤدة الأكاديمي الحصيف مستعرضًا البعد التاريخي للإبل ومدى ارتباطها بمجتمعنا وتاريخ الجزيرة العربية، ومن ثم انتقل إلى بداية الفكرة وتحويل هذا المنشط الاجتماعي الكبير من عمل عشوائي إلى عمل مؤسسي منتظم، يخضع لقوانين تنظمه وتضع له إطارًا يراعي عدة جوانب من أهمها حفظ حقوق الملاك وحفظ حقوق هذه الثروة الحيوانية من العبث وربطها بشرائح تشرف عليها وزارة الزراعة، وطرح في حديثه الشيق الخطط المستقبلية للمشروع بشكل مقتضب، يراعي جميع النقاط ويركّز بشكل عملي على جميع التساؤلات التي تمت إثارتها ومن ثم تمّ تنظيم الأسئلة بالتتالي حتى خرجنا بتصور شامل ومقنع ويبعث في نفوسنا قبول ما نراه من نواقص، ومن المعلوم أنّ عملاً بهذا الحجم وفي هذا الوقت الضيق لابد أن يعتريه ما يسمى اصطلاحًا فوضى البداية ولكن الخطى الواثبة تتقبل الأخطاء وتسعى إلى تعديلها حتى يكتمل العمل، والتجارب الوليدة نُخضعها للزمن وتقادم الأيام لنأخذ صورة أشمل وأكثر إقناعًا ورضى ..!

 

١٠

الإبل نقلة حضارية وثقافية وفضاء

سألني صديقي : ماذا فعلتم في مهرجان مزايين الإبل؟ قلت له: نحن زرنا مهرجان الملك عبدالعزيز الثقافي الاجتماعي والفضائي. قال: ماذا عن الإبل؟ قلت: الإبل هي جزء من المهرجان. وقبل أن يسألني سألته: هل سمعت بالقبة الفضية الفضائية؟ قال: نعم إنها في فلوريدا في أميركا. قلت له: بل هي في مهرجان الملك عبدالعزيز المقام حاليًا في موقع الرحيمه. سألني: وماذا يوجد فيها؟ قلت له: يوجد كل الفضاء الأقمار والشمس والنجوم والغيوم والسفن الفضائية، باختصار أنت لا تحتاج أن تستخدم سفينة فضائية لزيارة الفضاء بل تركب سيارتك وتتوجه إلى المهرجان. ثم عاد وسألني بحماس: وماذا يوجد بجانب الفضاء؟ قلت له: توجد معلومات وصور الإبل في القرآن الكريم والسنة! قال: مثل ماذا؟ قلت: ناقة الرسول عليه السلام (القصواء)-وناقة صالح عليه السلام-والجمل سفينة الصحراء-ومسميات الإبل وأخيرًا يوجد قسم تثقيفي ترفيهي علمي للأطفال. قال: أنا بكرة سأتوجه للمهرجان! قلت له: لا تنسى كاميرتك! قال: كاميرا جوالي أفضل الكاميرات!

د.محسن

١١

كان بودي أن تكون السلسلة مترابطة ولكن دخول الدكتور محسن مشكوراً أضاف بعدًا جماليًا آخر لذا بعد خروجنا من مركز حويّر وهو مركز يعني بالتعليم بالترفيه من خلال نشاطات ومسرح للطفل مع وجود شخصية لحويّر تضفي نوعًا من البهجة وتأصيل ثقافة الإبل لدى النشأ، ونقل هذه الفعاليات على قناة أجيال في بث مباشر، كان لنا موعد مع جمال آخر وكرم ضيافة من قِبل المنظم والمنسق لهذه الرحلة المهندس سعد وإخوانه الكرام، تم انتقالنا إلى مخيّمهم بالقرب من مركز المهرجان وبرفقتنا مجموعة من السفارة المكسيكية توزعنا على الغرف المعدة والخيام استقبلونا بالقهوة والشاي والترحيب، وهنا أريد أن أقول ما قال شاعر من شعراء العرب :

 

إذ المرء وافى منزلاً منك قاصدا

قراك وساقته إليك المسالك

 

فكن باسماً في وجهه متهللاً

وقل مرحباً أهلاً ويوم مبارك

 

وقدم له ما تستطيع من القرى

عجولاً ولا تبخل بما هو هالك

 

فقد قيل بيت سابق متقدم

تداوله زيد وعمر ومالك

 

بشاشة وجه المرء خير من القرى

فكيف بمن يأتي به وهو ضاحك

 

 

 

في خيمتنا دارت أحاديث شيقة عن قصص من تاريخ نجد العذية بعدها وبعد يومٍ جميل تناولنا طعام الغداء في جوٍ أخوي مبهج ليكون ختام لقائي بأصدقاء الرحلة مودعاً لهم وشاكراً وممتناً لكرم ضيافة المهندس سعد ورحابة صدور الرفاق متجهاً إلي مدينتي الجبيل أحمل في نفسي كثيراً من السعادة وأهدي كل تحاياي لكم جميعاً سائلاً المولى عز وجل لكم التوفيق والنجاح إنه على كل شيء قدير ..

 

عزيزي القاريء الكريم في ملتقي رواد ومواهب قدمت هذه النبذة المختصرة عن هذه الرحلة علها تضفي شيئاً من الفائدة مع إعتذاري الشديد لكل شخص تم ذكره في ثنايا هذه الومضات أن يتقبل مني أي زلل ويحملني على مركب السماح ..