عدته المطرقة والمجرفة والفرشاة.. قصة يوم عمل لمستكشف الآثار

الجمعة ٢٧ أكتوبر ٢٠١٧ الساعة ٢:٤٦ مساءً
عدته المطرقة والمجرفة والفرشاة.. قصة يوم عمل لمستكشف الآثار

من مخيم صغير وبسيط في عمق الصحراء الساكنة، ومع إطلالة الفجر يخرج عالم الآثار والكتابات العربية القديمة الدكتور خالد بن محمد أسكوبي وفريق التنقيب الأثري، التابع للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، متجهاً إلى موقع التنقيب الأثري المجاور للمخيم في إحدى المناطق الصحراوية القريبة من المدينة المنورة.

يحمل الدكتور خالد وفريقه (عدة التنقيب الأثري)، وهي عدة متواضعة في عددها كبيرة في مهمتها، وهي عبارة عن (مجرفة صغيرة خاصة بأعمال التنقيب، وفرشاة، ومحافير، ومسترين، ونظارات حامية من الغبار)، وبعد الوصول للمواقع يبدأ الفريق التحرك في (حفرة التنقيب) بخطوات متأنية ومدروسة للوصول إلى المكان الذي وصلت إليه مراحل العمل.

وقال الدكتور خالد: “نحن نتعامل مع الموقع الذي نجري فيه تنقيباتنا الأثرية معاملة مواقع الكنوز بل وأكثر، فالآثار التي تختزنها أرض الموقع وتحت ترابها تتجاوز في قيمتها الكنوز المادية؛ لما لها من قيمة تاريخية وعلمية، فهي تمثل شواهد لحضارات متعاقبة شهدتها هذه الأرض العظيمة في تاريخها ومكانتها، فوطننا يتميز بثرائه الحضاري والثقافي وذلك من كثرة المواقع الأثرية والمعالم التاريخية والعمرانية ومسارات طرق التجارة والحج فقد كان ملتقى الحضارات وحاضن التاريخ، لذا نتعامل بشكل دقيق جداً مع هذه الأرض أثناء أعمال التنقيب، فيكون لنا مسار معين لا نخرج عنه أثناء المشي في الموقع”.

وتابع: “عند القيام بأعمال التنقيب والحفر نكون حريصين جداً حتى لا تتأثر أية قطعة أثرية نبحث عنها أو تتعرض للتلف، فكل قطعة ولو كانت صغيرة تمثل موسوعة من المعلومات، لذا نحفر ونزيل التراب بالمسترين والفرشاة بكل دقة وتركيز وتأنٍ، حتى أن الموقع الصغير يأخذ أياماً من العمل، وعند العثور على قطع نقوم بتنظيفها بشكل دقيق ووضعها في مكان خاص للحفظ وإجراء دراسة أولية عليها، وكم تكون سعادتنا بالغة حين نعثر على لقي أو معثورات أو مبنى أثري نفرح به كفرحنا بالعثور على كنز ثمين”.

وأردف الدكتور خالد: “اختيار الموقع الذي تجري فيه أعمال التنقيب يكون بعد دراسة والتأكد من أنه موقع أثري واحتمالية وجود آثار فيه كثيرة، فهناك فرق المسح في الهيئة العامة للآثار والتراث الوطني تحدد المواقع الأثرية التي كانت مساكن بشرية قديمة ومن ثَمَّ توزع المهام على فرق التنقيب”.

ويمكث فريق التنقيب أحياناً عدة أشهر في الموقع الذي يكون في الأغلب في عمق الصحراء متحملاً الأجواء الباردة والحارة، والبعد عن المدينة.

وتابع خالد: “لا أبالغ إذا قلت بأن ساعات النهار تمضي دون أن نشعر، فداخل أعضاء الفريق حب لهذا العمل وشغف باستكشاف الآثار، ومشاعر التعب تزول بفرحة الإنجاز حين الحصول على قطعة أثرية ثمينة، ووراء حب العمل دافع آخر مهم وهو حب الوطن والعمل على خدمته بتوثيق حضاراته ومكانته التاريخية”.

لا يقدّر أهمية هذا الموقع إلا مَن يعرف قيمته، لذا وفي حين يرى العامة أن هذا الموقع ليس سوى صحراء، فإن فريق التنقيب يتعامل معه كبيته وأكثر، فيحرص على حمايته والمحافظة عليه ويستعين برجال أمن لمنع دخول المتطفلين.