مجلس التنسيق السعودي العراقي.. مبادرة الرياض تقوّض عرش كسرى في بغداد

الثلاثاء ٢٤ أكتوبر ٢٠١٧ الساعة ١٢:٢٨ صباحاً
مجلس التنسيق السعودي العراقي.. مبادرة الرياض تقوّض عرش كسرى في بغداد

بادرت المملكة العربية السعودية، إلى إعادة تفعيل العلاقة مع العراق، تحقيقًا للمصالح المشتركة، إذ يُمثل الجوار الجغرافي للبلدين، وتشاركهما في حدود برية تقدر بـ814 كيلو مترًا، والروابط الدينية والقومية والاجتماعية، واستحقاقات المصالح والتحديات الأمنية؛ عوامل تفرض على قيادة الدولتين تطبيع علاقاتهما، وتطويرها، بما يعود بالإيجاب على البلدين وشعبيهما، الأمر الذي تجلّى في إطلاق مجلس التنسيق السعودي العراقي.

الدافع الأمني والسياسي محرّك هام للتنسيق:

ثمة دوافع سياسية وأمنية واقتصادية عدة للسعودية، لتطوير علاقاتها مع العراق؛ أهمها الأمني والسياسي، إذ تسعى المملكة إلى استغلال فرصة توتر العلاقات الأميركية الإيرانية، في عهد الرئيس الأميركي ترامب، لعودة سياستها في أن تكون حاضرة في العراق، وفق استحقاقات الجوار الجغرافي والمصالح المشتركة بين الشعبين، وما تمليه مكانتها الدينية والسياسية.

واستعادة المملكة لنفوذها في العراق، تحمي مصالحها وأمنها، بعد أن غدا العراق ساحة شبه حصرية للنفوذ الإيراني، لاسيّما منذ سقوط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، فضلًا عن أنَّ محاربة تنظيم “داعش” الإرهابي، تعدُّ هدفًا مشتركًا لكل من السعودية والعراق، وهو من يحتّم تعزيز العلاقات بين البلدين، وتعزيز سلطة الأخير على الفصائل المسلحة؛ بهدف حماية حدود المملكة وتأمين أمنها.

رهان العراق على العلاقات مع الرياض لمستقبل وطني أفضل:

وفي المقابل، نرى أنَّ الحكومات العراقية، ظلت منذ الاحتلال الأميركي في 2003، تعاني اختلالًا في علاقتها مع دول الجوار لمصلحة إيران، التي غدت تصور أنها البلد المتحكم في العراق.

وعانى العراق الكثير بسبب هذه السياسات الطائفية، وانتشار ميليشيات العنف، والصراع بين مكوناته السياسية، ومن ضمنها الداخلية، للكتلة الشيعية، التي حرمت العراق من الاستقرار والتنمية.

ويعتقد القادة العراقيون، أنَّ تطوير العلاقة مع السعودية سينعكس إيجابًا على الداخل العراقي، وعلاقته مع الدول العربية سياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا، بعدما عانت الحكومات العراقية المتعاقبة، من شبه عزلة في علاقتها مع محيطها العربي، جراء طبيعة تكوينها، واتهامها بتبني سياسات طائفية والتبعية لإيران، ولذا فهي تسعى من خلال تطوير علاقتها مع السعودية إلى الحصول على شرعية إقليمية فعالة في محيطها العربي، تحقق لها الاستقرار والمصالح المشتركة، وتمكِّنها من استقطاب الاستثمارات السعودية والعربية.

ويسعى رئيس الوزراء العراقي، الدكتور حيدر العبادي، إلى تحقيق مكاسب في علاقته مع السعودية تنعكس إيجابًا على مستقبله ومكونه السياسي ضد منافسيه، ومنهم نوري المالكي، إذ يدرك العبادي حساسية سياسته بالنسبة إلى إيران، فضلًا عما يعانيه العراق من النتائج السلبية على اقتصاده، جراء استمرار إغلاق حدوده مع السعودية، ومع سوريا؛ نتيجة تدهور الأمن، وفقدان الدولتين السيطرة على الحدود.

كما يعاني العراق ضعف البنية التحتية، والإخفاق في ملف إعادة الإعمار، وتدهور الأوضاع الاقتصادية وانعكاساتها على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للسكان، وعلاقتهم بالحكومة، لكل ذلك وغيره تراهن بغداد على أن ينعكس تطوير علاقة العراق بالسعودية إيجابًا على الأوضاع الاقتصادية والخدمات في العراق. كما تراهن على دور السعودية في إعادة الإعمار والاستثمار، وأن تقتدي بها دول عربية، ومن ثم ينعكس ذلك إيجابًا على تطبيع الحياة للمواطنين والاستقرار الأمني.

المملكة تواصل تحويل الخصوم إلى محايدين:

في ضوء دوافع تطوير العلاقات السعودية العراقية، يمكن استشراف مستقبل العلاقات، في سيناريو يستند إلى تمتع المملكة برصيد من التجارب في تحويل الخصوم إلى محايدين أو حلفاء؛ كما في ستينات القرن الماضي، عندما تصالحت مع ثوار اليمن، وتصالحها مع النظام المصري. ويمكن أن يُعد تحييد الدور العراقي في أزمة العلاقة السعودية الإيرانية المتصاعد أولى ثمار هذه السياسة، لاسيما بعد مرور أكثر من ربع قرن من الانقطاع والتأزم الذي ساد العلاقة بين البلدين، إذ أظهر قادة البلدين قدرة على تجاوز الخلافات، أو ترحيلها، ومقاومة الضغوط المحلية والإقليمية.

وكانت العلاقة بين الرياض وبغداد، قد انقطعت منذ الغزو العراقي للكويت 1990 في عهد الرئيس الراحل صدام حسين، واستمر التوتر خلال الاحتلال الأميركي للعراق، وتكوين حكومة بقيادة حزب الدعوة الشيعي، وزاد تأزم العلاقة بين البلدين في أثناء رئاسة نوري المالكي للحكومة العراقية، الذي اتُّهم باعتماد سياسة طائفية، وتمكينه إيران من بسط نفوذها على العراق.

وبعد سلسلة من الزيارات واللقاءات بين المسؤولين من الدولتين، اتفقت الرياض وبغداد، في ختام زيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى السعودية، في 20 حزيران/ يونيو الماضي، على تأسيس (مجلس تنسيقي) لـ”الارتقاء بعلاقاتهما إلى المستوى الإستراتيجي”، وفتح آفاق التعاون في مختلف المجالات؛ السياسية والاقتصادية والأمنية، الأمر الذي توّج بالتحقيق برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وننتظر أولى ثماره في المستقبل القريب.

وتمخّض الاجتماع الأول لمجلس التنسيق السعودي العراقي، عن اتفاق الجانبين على:

  1. إعادة تشغيل خطوط الطيران من السعودية إلى جمهورية العراق.
  2. افتتاح قنصلية للمملكة في العراق.
  3. فتح المنافذ الحدودية.
  4. تطوير الموانئ والطرق والمناطق الحدودية.
  5. مراجعة اتفاق التعاون الجمركي.
  6. دراسة منطقة تبادل تجاري بين البلدين.