#مشروع_نيوم .. البصمة السعودية في خارطة الاستثمار والتكنولوجيا

الجمعة ٢٧ أكتوبر ٢٠١٧ الساعة ٣:٥٨ صباحاً
#مشروع_نيوم  .. البصمة السعودية في خارطة الاستثمار والتكنولوجيا

لا يتلخّص سعيه لبناء هذه الأمّة اقتصاديًا فقط، لكنّه يعرف كيف تدار رؤوس الأموال لتولّد أموالاً أكثر، وفي الوقت نفسه عينه على السياسة الخارجية والمحيط الإقليمي، والدولي، ومخرجات سياسات الدول وتأثيرها على مشاريع المملكة العربية السعودية، هنا نجد أنفسنا أمام مدرسة حقيقية في التخطيط، والإدارة، إذ لا يقدم الأمير محمد بن سلمان على خطوة، دون أن تكون مدروسة بدقة في مراحل تنفيذها كافة، حتى تصبح بصمة على الأرض ذات فائدة لكل سكانّها.

نظرة سياسية واقتصادية مستقبلية، تستشفّها “المواطن” من حواري ولي العهد لكل من وكالتي رويترز وبلومبيرغ الدوليتين، تضعنا أمام وطن يمتلك المدينة الرأسمالية الأولى في العالم، التي تفصل بين واجبات المؤسسات الحكومية ودورها، لا يفكر المحافظ فيها إلا بسبل النمو، ولا يعيش فيها الإنسان إلا في أقصى درجات الرفاه، حيث التسوّق متعة، والحياة سكينة وأمن وراحة، تسطرها التكنولوجيا المستقبلية.

مائة مليار دولار مرتقبة من نيوم:

ومن أهم ما أورده الأمير محمد بن سلمان، هو بيانه لدور صندوق الاستثمارات العامة في الوطن الجديد، إذ أوضح في حديثه لوكالة “بلومبيرغ”، أنَّ دور صندوق الاستثمارات العامة يكمن في توليد المال. وبيّن سموّه أنّه “لذا عندما بدأ الصندوق بالعمل وإنشاء نيوم نظر إليه من جانب التنمية والدخل. لذلك وبطبيعة الحال، سوف تقوم نيوم بتوليد الكثير من الأموال لصندوق الاستثمارات العامة، وهو ما سيساعد على زيادة إجمالي الناتج المحلي لدينا بشكل كبير”.

وأورد ولي العهد مقارنة، بين المشاريع الاقتصادية الكبرى القائمة في المملكة من جهة ومشروع نيوم من جهة أخرى، مبيّنًا الفصل في مخرجاتها إذ إنَّ “المرتقب من مشروع نيوم زيادة تقدر بمائة مليار دولار أميركي بحلول عام 2030م في إجمالي الناتج المحلي”، وهو ما لم تكن المملكة تسعى إلى تحقيقه في مشاريعها السابقة، التي تولى بعضها القطاع الخاص، وأخرى كانت بالشراكة، مثل المركز المالي ومدينة الملك عبدالله الاقتصادية.

وعندما نتوقف أمام عبارة سموّه، بأنَّ “واجب نيوم أن تكون مركزًا عالميًا للجميع، في العالم بأسره، وليس للسعوديين فقط”، نستشف منها أنّنا أمام حدث ثوري، يعيد هيكلة الحياة الاقتصادية والمجتمعية، فهو انفتاح من نوع خاص، على الثقافات الأخرى، وعلى عالم المستقبل والتكنولوجيا في الوقت نفسه.

مدرسة التخطيط بدأت عملها منذ 2015:

وكشف ولي العهد، أنَّ التخطيط بدأ في العام 2015، بطرح الفكرة، تحت حاجة المملكة إلى عاصمةٍ تجارية واقتصادية، وبدأت النقاشات حتى الأشهر الأولى من العام 2016م، ليتبلور المجلس التأسيسي تحت رئاسته، وكذلك المكتب التأسيسي، الذي يتحول إلى الإدارة بحد ذاتها.

وأوضح الأمير محمد بن سلمان أنَّه “عملنا في فترة عام 2016 من أجل تأسيس هذا المكتب وبناء الاستراتيجيات، والرؤى، والأهداف، وبدأنا في طرح الأفكار، ما هي الخسائر؟ وما هي التسريبات التي نعانيها في اقتصادنا؟ وكيف لنا أن نعيدها؟ وكيف ننافس؟، وأخيرًا، توصلنا إلى تسعة قطاعات، بعضها كانت تقليدية والبعض الآخر قطاعات جديدة. ولكن حتى القطاعات التقليدية، كُنا نريد أن نُقدمها بطريقة تبين أنها ثورية وجديدة. على سبيل المثال الترفيه، ستكون هُنالك أفكار استثنائية تمامًا”.

هذا الحديث، يجعلنا نرى أن الخطى الحثيثة، استغرقت وقتها لتتبلور في مشروع كوني فريد الطراز، يسعى ليكون الرائد في العالم، ليس على مستوى الذكاء الاصطناعي وحسب، بل درس أعمق التفاصيل، وصولاً إلى الإعلان، ورؤى الطرح للاكتتاب، وحتى الشراكات مع المستثمرين، لبناء مشروع نيوم، مدينة السعودية الكونية.

عنصر المفاجأة:

ويريد الأمير محمد بن سلمان، أن تكون نيوم نفسها هي أول وأهم روبوت في نيوم، نريدها أن يكون الروبوت رقم واحد. فكل شيء سيكون مُتصّلاً بالذكاء الاصطناعي، وشبكة الإنترنت. وسيكون ملف قاطن نيوم الطبي متصلاً بجهازه المنزلي وسيارته، ومرتبطًا بعائلته وملفاته الأخرى.

ويعني هذا بالضرورة أنَّ النظام سيطوّر نفسه في كيفية توفير أفضل الأشياء لساكني نيوم. ففي نيوم، كل شيء سيكون متصلًا بالآخر. ولذلك لن يكون بمقدور أحد العيش في نيوم أو زيارتها دون الحصول على تطبيق نيوم، الذي سيكون لدينا في ذلك الوقت، ولذلك سيكون أول روبوت في نيوم، هو نيوم نفسها، الأمر الذي يفتح الأفق أمام الخيال الذي ينتظره الإنسان من رفاهية المستقبل، والمعيشة التي تكسر قيود النمطية.

التكنولوجيا في خدمة الإنسان ليست بديلاً له:

وما تحاول المملكة تحقيقه، عبر مشروع نيوم، على سبيل المثال لا الحصر، في شأن النقل، هو إيصال الحاويات الموجودة في المصانع إلى الميناء وإلى السفن دون الحاجة إلى أي تدخل بشري. ولكن كيف يمكنك تصميم مدن صناعية بحاوياتٍ بإمكانها الوصول إلى السفن ومن ثم نقلها إلى المستودعات وخلق الإمدادات وخفض التكاليف، سيكون الأمر أشبه بما هو مطبّق في المطارات.

هذه الصورة العصرية، يلخّص ولي العهد من خلالها، لمحة من التطوّر في الاعتماد على التكنولوجيا لراحة الفرد، فعلى غرار النقل، سيكون أيضًا التموين والتعليم، والإمداد بالخدمات كافة، فهو هنا يفتح للإنسان آفاق الابتكار، ومسالك الخيال، ليكون كل شيء ممكنا وقابلا للتنفيذ في مشروع نيوم.

فرص وظيفية واعدة رغم التكنولوجيا:

سيتم خلق الكثير من فرص العمل في مشروع نيوم، وبطبيعة الحال، سوف يجد السعوديون الكثير من فرص العمل هناك. ولكن ليس من واجب نيوم خلق فرص عمل للسعوديين فقط بل إن من واجبها هو أن تكون مركزًا عالميًا للجميع في العالم بأسره. لذلك فإنها ستخلق فرص عمل للسعوديين وستخلق فرص عمل للكثير من الناس في جميع أنحاء العالم. لكنها ستولد المال لصندوق الاستثمارات العامة، وسوف تذهب هذه الأموال من الصندوق إلى الحكومة السعودية، التي بدورها سوف تساعد بشكل كبير على البدء في الكثير من المشاريع، وخلق أنواع مختلفة من الوظائف.

السائح مستثمر:

وهنا تتجلى أمامنا السياسة الوطنية واضحة وصريحة، على الإنسان أن يطلق العنان لأفكاره، ويبدأ العمل على تكوين عالمه الخاص، والبحث عن الفرص الأنسب له في أي مكان، فللمواطنين وظائف وكذلك للأجانب، لكن نيوم يستقطب العقول، وليس فقط زيارات الرفاهية، إلا أنَّه في الوقت نفسه، يستثمر السياحة، ويحوّل روّاد المدينة إلى مستثمرين بمجرد دخولهم إليها، إذ بيّن ولي العهد أنَّ “الزائرين لنيوم، يمكنهم استئجار أماكن مبيتهم، وسينفقون أموالهم على الخدمات وسلع التجزئة والترفيه، وقد يستأجرون أو يشترون سكنًا دائمًا فيها، وهو ما يعني أنَّهم مستثمرون وسيّاح في الوقت نفسه”.

التزام سعودي حكومي:

ولأنَّ نيوم تعتبر أمرًا مختلفًا تمامًا، فإنَّ صندوق الاستثمارات العامة سيمتلك شركة نيوم بنسبة 100%، ويمنح المستثمرين فرص العمل في المدينة الكونية، وهو ما يعني أنَّ هنالك التزاما من الحكومة، فالمملكة تضع اسمها في السطر الأول. وقد وضع صندوق الاستثمارات العامة مئات المليارات من الدولارات في هذا المشروع. وكذلك وضع بعض المستثمرين نفس المبالغ.

لا كحول ولا خرق للقانون في نيوم:

وسيكون هنالك قوانين مختلفة، على سبيل المثال، سيتسنى للمملكة أن تطبق 98% من المعايير المُطبقة في المدن المشابهة، ولكن لن يكون بوسعنا تطبيق نسبة 2% المتبقية، مثل المشروبات الكحولية، فإذا رغب الأجنبي في تناول المشروبات الكحولية، فيمكنه الذهاب إلى مصر أو الأردن، وهو ما بيّنه ولي العهد بأنَّ “مصر على سبيل المثال، تبعد عن جزيرة تيران 3.5 كيلو متر، وتبعد عن رأس الشيخ حميد 15 كيلو مترًا، فإذا كنت على الجانب الأقرب لمصر، فستستغرق من الوقت دقيقتين اثنتين بالسيارة. وإن كنت في الجانب الأبعد من المدينة فستستغرق 20 دقيقة بالسيارة تقريبًا، وهو ما يعني أنَّ حاجة السائح أو المستثمر الأجنبي لن تكون مستحيلة، بل ستلبى ودون خرق لقوانين المملكة العربية السعودية”.

أنظمة خاصة بنيوم في إطار القانون السيادي السعودي:

وشدّد الأمير محمد بن سلمان، على أنَّ القوانين السيادية في نيوم سوف تكون ضمن إطار القانون السعودي، مثل الدفاع، والأمن الوطني، ومكافحة الإرهاب والتهديدات المماثلة، والسياسة الخارجية. هذه الأمور ستبقى ضمن إطار القوانين الحكومية. ولكن القوانين التجارية وغيرها ستخضع تحت إطار قوانين خاصة بنيوم نفسها. سوف يمنحون الحق في تنظيم كل هذه التفاصيل بالطريقة التي تخدم أهداف نيوم، وتخدم الجميع، سواءً شركات أو أفراد، فالتشريعات سوف تكون وفقًا لحاجة الشركات والمستثمرين.

ثلاثة أسس تستقطب الروّاد:

ولأنَّ مشروع نيوم الرائد، يسعى إلى استقطاب العقول والاستثمارات، بيّن الأمير محمد بن سلمان، ثلاثة أسباب تدفع الناس نحو نيوم، هي: إذا كان مستثمرًا، أو يعمل في أحد المشاريع، أو سائحًا، أما إذا لم يكن من ضمن هذه الثلاثة أصناف؛ فلن يكون في نيوم. ولذلك سوف تكون الأنظمة والتشريعات معدة بالطريقة التي تجعل النمو سريعًا للغاية.

نيوم ليس مصدر قلق لدبي بل شريك يكمّل دورها:

تنشئ المملكة العربية السعودية، عبر مشروع نيوم، طلبًا جديدًا، الأمر الذي سوف يساعد دبي، وكذلك المواقع المحورية الأخرى في الشرق الأوسط.

وأكّد الأمير محمد أنَّ “هونغ كونغ لم تضر بسنغافورة، ولا العكس. فهم يخلقون طلبًا جديدًا جيدًا لبعضهم البعض. هذه المنطقة، سوف تخلق طلبًا جديدًا، وليس نفس طلب دبي. هذه المنطقة سوف تساعد دبي، والبحرين، والكويت. إذ سوف تصدر الكويت، على سبيل المثال، إلى أوروبا بشكل أسرع وأرخص من الآن، وذلك عبر أنابيب وسكك منطقة نيوم إلى مصر (شمال سيناء) ثم إلى أوروبا”.

وستحظى نيوم بالكثير من المنافذ، بعضها في السعودية وبعضها في مصر. ولذلك، سوف تستفيد دبي، والبحرين، والكويت، ومصر والأردن، وكذلك دول البحر الأحمر، فضلاً عن الكثير من الأماكن في العالم.