في عُقر دارهم .. بروباجندا “السلطان الفاتح” تعزز خطاب الكراهية

الأحد ٣٠ سبتمبر ٢٠١٨ الساعة ١:٥٩ مساءً
في عُقر دارهم .. بروباجندا “السلطان الفاتح” تعزز خطاب الكراهية

وجهت ألمانيا دعوتها إلى الرئيس التركي رجب أردوغان لزيارة تستغرق 3 أيام ضرب الأخير بأهميتها عرض الحائط وأطاح بآمال شعبه وبلاده بغية الظهور في صورة “الفاتح”.

ألمانيا التي تحاول تأمين إطلاق سراح مواطنيها الذين لا زالوا قيد الاعتقال منحت الفرصة لأردوغان لرأب صدع  العلاقات بين البلدين بعد حملته في قمع خصومه عقب محاولة انقلاب 2016.

ووسط أزمة اقتصادية كبيرة تعانيها تركيا ودعم عاجل تحتاجه لوقف تدهور الليرة، غضّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الطرف عن الأهمية الحقيقية من زيارته إلى برلين، والتي كان من المفترض أن تكسر حالة البرود بين البلدين وتعيد النقاشات الخاصة بالهجرة والتأشيرات إلى الساحة بقوة، فضلًا عن استغلال الزيارة لبناء علاقات متينة تمكن تركيا من الدخول إلى الاتحاد الأوروبي عبر بوابة ألمانيا.

لم يُصب السلطان العثماني الهدفَ وجعل زيارته تضيع سُدى فلم يظهر كرئيس دولة تعاني من الانهيار  واستعرض مجده الشخصي لاسيما بعد إشرافه على افتتاح جامع كبير بكولونيا من تنظيم الاتحاد التركي الإسلامي للشؤون الدينية ” ديتيب” والذي يثير بدوره مخاوف كبرى في ألمانيا.

استعراض وتخويف

يخدم الاتحاد التركي “سيئ السمعة” والمنظم للاحتفالية أجندة أردوغان السياسية ولا يقوم بدور ديني على الإطلاق فهو يدير 900 مكان للصلاة في ألمانيا تحت إشراف أئمة أتراك كما أن الهيئة التي تشرف عليه متهمة بدورها بالتجسس على معارضي أردوغان.

من جانب آخر ماذا عساه أن يحدث إعلان اتحاد إسلامي في دولة غربية ضمنيًا عن قدرته على حشد أكثر من 25 ألف مشارك في افتتاح مسجد؟ سوى أنها محاولة للتخويف والترهيب وفتح الباب أمام مزيد من التضييق على المسلمين في ألمانيا ببروباجندا معدة سلفًا واستعراض لا عقلاني للقوة.

وعلى الرغم من اجتهاد الاتحاد التركي الإسلامي في حشد أنصاره لحضور افتتاح المسجد إلا أن الحضور اقتصروا على حاملي الدعوات للمشاركة داخل المسجد حيث كانت سلطات كولونيا عازمة على إلغاء الندوة من الأساس.

خطاب كراهية

قال أردوغان في افتتاح المسجد مخاطبًا ضيوفه :- “في فترة حرجة، قمنا بزيارة مثمرة وناجحة لألمانيا، أكدت على أننا نحتاج إلى تنحية خلافاتنا جانبا والتركيز على مصالحنا المشتركة  داعيًا ألمانيا إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد الانفصاليين الأكراد مشتكيًا مما حدث مع نجم كرة القدم “مسعود أوزيل” الذي استبعد من المنتخب الألماني لكرة القدم بسبب جذور تركية.

ويبدو أن رسالة أردوغان التصالحية التي حاول تقديمها السبت في كولونيا حادت عن الطريق أو أن الرجل كما قال المثل الشعبي ” جاي يكحلها عماها”، ولم يتوقف الأمر إلى هذا الحد فقد نقل عنه قوله تعقيبًا على استبعاد أوزيل “هذه العنصرية يجب أن تنتهي” خارجًا عن الكلمة المعدة له سلفًا متهمًا ألمانيا – البلد المضيف – بإيواء إرهابيين !

وجاءت تصريحات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي اعتادت الدبلوماسية “مخيبة للآمال” التركية حيث قالت بعد الزيارة إن ثمة “انقسامات عميقة” ما زالت قائمة.

خطاب رآه الألمان خطاب “كراهية” من الدرجة الأولى والتساؤل الذي يطرح نفسه كيف لرئيس دولة لديه التزامات اقتصادية خانقة أن يتصرف وفقًا لهواه الشخصي في مواقف تتطلب وعياً ومرونة وانفتاحاً لا إثارة للمخاوف ونقل صورة سيئة عن الإسلام تقوم على الاستعراض والتخويف والتعالي.

لم يكن “أردوغان” يقف على الأرض أو يبدو أنه كان يحلم،  في زيارة وضعت كثيرًا من القضايا المصيرية على المحك وتطلبت عقلًا واعيًا مدركًا لخطورة الأحداث، ظهر في صورة المتسلط ليستعرض عضلاته وقدرته على الحشد في بلد يعاني من الرعب تجاه كل ما هو إسلامي.

وما يزيد الطين بلة أن زيارة أردوغان قد تزامنت مع موجة من أخبار القمع والاعتقالات والقرارات القضائية غير القانونية للمعارضة السياسية في بلاده.

إن الهدف الأساسي من افتتاح الجامع قد اتخذ مسارًا مغايرًا تمامًا فبينما كانت الرسالة الأساسية الإشادة بالانفتاح الألماني على الإسلام إلا أن الحدث أساء للإسلام فقد حمل رسالة ملوثة ببصمات الديكتاتور الذي تعج سجونه بالمعتقلين.

وعلى الرغم من أن اليمين المتطرف بتركيا قد قدم طعونًا عدة ضد بناء المسجد خوفًا من تحول كولونيا إلى مركز للإسلاميين غير أن الطعون فشلت في نهاية المطاف.

غير مرحب بك

رسالة مباشرة وجهها متظاهرو كولونيا لأردوغان مفادها أنت زائر غير مرغوب فيك، وراء لافتة ضخمة كتب عليها “أردوغان غير مرحب به” احتشد المئات في كولونيا معترضين على الزيارة، معتبرين أنها زيارة استفزازية فهم لا يرونه سوى دكتاتور وقاتل غير مرغوب فيه، الفكرة التي دأب الأخير على ترسيخها في الزيارة أكثر فأكثر بعد تصرفات يمكن وصفها بـ”الصبيانية”.

وفي برلين تظاهر الآلاف في العاصمة الألمانية ورفعت شعارات ” لا مرحباً بأردوغان” ولم تقتصر المشاركة في المظاهرة على الألمان بل وقف معهم الأتراك والأكراد جنبًا إلى جنب، وقالت الشرطة إن أعداد المظاهرة قد اقتربت من الـ5 آلاف وبلغ المنظمون 8 آلاف.

هكذا دائمًا تفضح الشعوب طموحات الحكام خاصة أولئك الذين يرتدون ثوبًا ليس بثوبهم ويرغبون في الظهور على غير الصورة الحقيقية التي يبطنونها ويتركون شعوبهم تأن تحت وطأة الجوع والانهيار والأزمات غير آبهين سوى بتحقيق مآربهم الشخصية.