رحلة التعدين السعودي من مهد الذهب إلى وعد الشمال

الخميس ٢٢ نوفمبر ٢٠١٨ الساعة ٦:٣٩ مساءً
رحلة التعدين السعودي من مهد الذهب إلى وعد الشمال

تجسد مدينة وعد الشمال الصناعية بيئة خصبة لتحقيق طموحات المواطن في العيش برفاهية، وزيادة المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي، بما يحمله ذلك من توليد للوظائف المباشرة وغير المباشرة، وتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط، إلى جانب ما تحمله المدينة من أبعاد الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، التي تنعكس على حياة الفرد بشكل ملموس.
ولعل من أبرز السمات المميزة لهذه المدينة هي توفير مصدر دخل لأبناء الوطن، خصوصًا أبناء منطقة الحدود الشمالية، وصقل مهاراتهم وقدراتهم، والاستفادة من طاقاتهم؛ مواكبة لأهداف رؤية المملكة 2030 وبرنامج التحول الوطني 2020، وتجسيدًا لأهداف برنامج الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية.
خطط التوظيف والتأهيل في “وعد الشمال” ستسهم في خفض معدلات البطالة في المملكة، وذلك بتوليد 22 ألف وظيفة، وزيادة المحتوى المحلي بنسب عالية.

وكانت المدينة قد سجلت سبقًا خلال المرحلة التأسيسية الأولى، أي في مراحل تشييد البنية التحتية التي تولتها شركة التعدين العربية السعودية “معادن”، بتدريب وتأهيل أكثر من 2640 شابًا سعوديًا في مرافقها، 85% منهم من أبناء المنطقة، عملوا لدى أكثر من 20 مقاولًا في المشروع، عبر مركز الاستثمار والتنمية المحلية، الذي أسس بهدف الربط بين طالبي العمل والمقاولين والموردين، فيما استقطبت شركة معادن نحو 450 شابًا للعمل لديها، 74% منهم من أبناء المجتمع المحلي، يشغلون وظائف هندسية وفنية وإدارية، وهم من خريجي جامعات الشمال وجامعات أخرى من باقي مناطق المملكة، وآخرين من حملة الثانوية العامة، وهي أرقام في نمو مستمر، مواكبة مع ما تشهده المدينة من حراك مستقبلي لدى اكتمال مراحلها.
عمليات التوظيف والتأهيل كانت في حركة لا تهدأ، أسهم فيها شركاء الإنجاز في المدينة، مثل الشركة السعودية للخطوط الحديدية (سار) التي استقطبت حديثي التخرج من المنطقة الشمالية لتدريبهم على مهارات قيادة القطارات وصيانتها في المعهد السعودي التقني للخطوط الحديدية (سرب) في مدينة بريدة، بالإضافة إلى الهيئة العامة للموانئ، التي اشترطت نسبًا عالية من المواطنين السعوديين في العقود التي تبرمها مع القطاع الخاص، فيما استفادت شركة المياه الوطنية من الكوادر السعودية الشابة في المنطقة، وذلك في تنفيذ أعمال مشروع نقل المياه المعالجة إلى وعد الشمال، عن طريق استثمار مواهبهم وخبراتهم وصقلها بما يحقق الفائدة لهم وللمشروع. وكانت عملية الإشراف والتوجيه وإدارة البرنامج تتم من قبل فريق سعودي مؤهل في المركز الرئيسي للشركة بمدينة الرياض.
وكان لمحطة التوليد المركبة، التي تعمل على إنشائها الشركة السعودية للكهرباء، دورًا حقيقيًا في توطين صناعة الطاقة الكهربائية، ونقل المعرفة والخبرات إلى أبناء الوطن، وبدورها لعبت الهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية «مدن» دورًا مميزًا في توظيف أبناء المنطقة في جميع المشروعات، بناءً على الاحتياج الوظيفي، حيث أعلنت عن الوظائف الشاغرة عبر قنوات “مدن” الرسمية للتوظيف.
ولكي تستمر عجلة النجاح والتقدم بخطى ثابتة، أبرمت المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني شراكة إستراتيجية مع شركة “معادن”، لإنشاء المعهد الوطني للتعدين في المدينة، لتخريج فنيين سعوديين متخصصين، وفي الوقت الذي لا يزال فيه المعهد قيد الإنشاء، استفادت المدينة من مخرجات المعهد السعودي التقني للتعدين في مدينة عرعر، الذي نجح في تأهيل وتدريب أكثر من 500 شاب سعودي.

الأثر الاجتماعي لـ وعد الشمال 

وفي الأثر الاجتماعي لـ “الوعد”، أسست شركة معادن بالتعاون مع وزارة التعليم مدرستين للتميز العلمي في عرعر وطريف، باستثمارات تجاوزت 150 مليون ريال، وتقدم المدرستان محتوىً علميًّا بأساليب حديثة، من أجل تأهيل الطلاب على تسلم دفة القيادة في مشاريع المنطقة الصناعية، ومنها “وعد الشمال”.
ولم تغفل “وعد الشمال” البعد الاقتصادي في الاستدامة، من خلال تسهيل سبل الاستثمار في المنطقة، وتوفير حوافز مميزة للمستثمرين مثل التأجير طويل المدى للأراضي الصناعية الجاهزة وبأسعار تنافسية، وتسهيل الحصول على قروض تصل حتى 75% من تكلفة المشروع، ومن الميزات المقدمة للمستثمرين أيضًا الإعفاء الجمركي على التصنيع والمواد الخام، بالإضافة إلى تشجيع الموردين على الإنفاق على المشتريات المحلية، مما يسهم في دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة، كما ساهم في توسعها وفتح آفاق جديدة للشباب السعودي.
أما مبادرات استدامة البيئة في وعد الشمال، فجلها يرمي إلى جعل المنطقة أكثر ملاءمة للعيش بطريقة صحية وسليمة، وفي هذا الصعيد شغّلت الهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية “مدن” محطة مراقبة جودة الهواء في مدينة “وعد الشمال” لتقييم جودة الهواء، ورصد البيانات المناخية في المنطقة وربطها بأنظمة إدارة البيئية.
من جهتها، ابتكرت شركة “معادن وعد الشمال للفوسفات” حلولًا عملية لتحسين كفاءة استهلاك الطاقة والمياه، والاستغلال الأمثل للموارد المتاحة، والتخلص من المواد المستنفدة عبر إعادة التدوير والمعالجة، وتأمين استدامة طويلة الأمد للأعمال والموظفين والمجتمع المحيط بمشروعات الشركة، فيما حرصت الشركة السعودية للخطوط الحديدية (سار) في تصاميم العربات والقاطرات وأنظمة التشغيل على اتباع مواصفات عالمية لضمان الأمن والسلامة، تتميز بأنظمة عزل حراري، وتجهيزات سلامة تتمثل في صمامات أمان مانعة للاحتراق، إضافة إلى أنظمة تسخين في كل عربة، يتم من خلالها الحفاظ على درجة حرارة الكبريت عند وصوله إلى المرافق الصناعية في وعد الشمال إلى مستوى 140 درجة مئوية، لتسهيل عملية التفريغ، كما أن كل قاطرة مزودة بكاميرات مراقبة أمامية وخلفية HD لضمان السلامة العامة وسلامة العربات، إضافة إلى نظام إشعار متطور لمراقبة عمل العربات على الخط الحديدي أثناء النقل، يقوم بتنبيه طاقم القيادة عن أي خلل.


وشكل وجود خط حديدي لنقل الكبريت المصهور وحامض الفوسفوريك إلى مدينة وعد الشمال حلًا عمليًا ساهم في إزاحة آلاف الشاحنات عن الطرق يوميًا تنقل الكمية ذاتها، الأمر الذي ترتب عليه توفير 70% من الوقود المستهلك في نقل الحمولة نفسها بالشاحنات، فضلًا عن خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 75%، إضافة إلى الدور الحيوي للقطارات في توفير السلامة على الطرق وخفض نسبة الحوادث بإذن الله.
ومن ضمن مبادرة الحفاظ على البيئة، استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة للحفاظ على البيئة، والتي تجريها شركة المياه الوطنية، جنبًا إلى جنب مع مبادرتها لتشجير المنطقة بزرع 44 ألف شجرة.
كما كان للشركة السعودية للكهرباء مساهمة فعالة في إنشاء محطة تعمل بنظام الدورة المركبة المتكاملة ISCCP ، وستعمل على تقليل انبعاثات الكربون وأكسيد النيتروجين، إضافة إلى ما سيحققه استخدام المحطة للطاقة الشمسية من توفيرٍ هائلٍ في الوقود المكافئ.
وأن “وعد الشمال” تضاعف جاذبية الاستثمار في السعودية محليًا وعالميًا زادت المملكة العربية السعودية من جاذبيتها الاستثمارية محليًا وعالميًا عبر اطلاقها “مدينة وعد الشمال الصناعية” المتكاملة التي شيدتها سواعد وطنية.

توطين التقنية 

وبعد أن تمكنت المملكة العربية السعودية في الربع الأول من القرن الحالي من توسيع مجالاتها الصناعية وتوطين التقنية بشكل ملموس، رفعت صادراتها إلى دول العام لتحجز مقعدها ضمن مجموعة الدول العشرين، وخفضت معدل وارداتها، ما جعلها قبلة للمستثمرين المحليين والأجانب.
وواكبت ذلك بجملة إجراءات اتخذتها حكومة خادم الحرمين الشريفين لاستقطاب الاستثمارات، من خلال توفير مدن صناعية متكاملة تدفع المستثمرين إلى اقتناص الفرصة فيها، والحصول على مشاركة فاعلة في إحداها، خصوصًا أن الاستثمارات الأجنبية في المملكة قفزت خلال النصف الأول من العام الحالي بنسبة 90%، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
ولعل من أبرز المزايا التي وفرتها الدولة للمستثمرين، وفرة الأيدي العاملة المؤهلة، ووجود أراضٍ صناعية، وشبكة طرق، ومحطات كهرباء ومياه، ومساحات تخزينية، إضافة إلى الموانئ والمطارات، فضلًا عن القوانين والقرارات والأنظمة المرنة التي تسهل الاستثمار.
واليوم، أعدّت المملكة للمستثمرين بيئة استثمارية متكاملة في مدينة “وعد الشمال” التي انطلقت مسيرتها قبل نحو ست سنوات بقرار ملكي، واستثمارات تجاوزت 85 مليار ريال. فهذه المدينة ذات المستوى العالمي، تستهدف زيادة رفاهية المواطنين وتنمية منطقة الحدود الشمالية اقتصاديًا واجتماعيًا، عبر استثمار الاحتياطي الهائل للفوسفات المقدر بنحو 2.7 مليار طن، ويمثل حوالي 7% من المخزون العالمي .
وقد سعت المملكة إلى جعل “وعد الشمال” مدينة صناعية نموذجية متكاملة، توفر للمستثمرين كل ما يحتاجون إليه، بدءًا من عمليات استخراج المعادن من الأرض حتى عملية التصدير والبيع في الأسواق العالمية.
وتعد “وعد الشمال” نموذجًا عالميًا متكاملًا يحتذى به على مستوى الصناعات كافة، فهي تعاون بين كل من وزارات الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، والنقل، والبيئة والمياه والزراعة، و”صندوق الاستثمارات العامة”، و”شركة التعدين العربية السعودية” (معادن)، و”الهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية” (مدن)، و”الهيئة العامة للموانئ”، و”المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني”، و”الشركة السعودية للخطوط الحديدية” (سار)، و”شركة المياه الوطنية”، و”الشركة السعودية للكهرباء”، وشركة “أرامكو السعودية”، و”هيئة المساحة الجيولوجية السعودية”.
وسبقت “وعد الشمال”، تجربة صناعية سعودية كبرى تمثلت في بناء مدن رأس الخير والجبيل وينبع الصناعية، وها هي اليوم تكتمل المسيرة بـ “وعد الشمال” التي تحقق التوازن التنموي في مناطق المملكة كافة، بما يعود بالخير والمنفعة على أهل المنطقة، والمملكة، والمستثمرين.
وتعد مشاركة “صندوق الاستثمارات العامة” في “وعد الشمال”، عنصر أمان إضافي للمستثمرين، إذ يعرف بأنه “الذراع الاستثمارية الرئيسة” للمملكة، ويمتلك نحو 50% من شركة “معادن”، و70% من “الشركة السعودية للصناعات الأساسية” (سابك)، واللتين تملكان معًا 75% من شركة “معادن وعد الشمال للفوسفات”. كما يمتلك الصندوق “سار” التي ربطت “وعد الشمال” بالسكك الحديدية التي تربط منطقة الحدود الشمالية بوسط المملكة وشرقها.
ومما لا يدع مجالًا للشك بأن أعين المستثمرين من القطاع الخاص في المملكة والخارج، تتجه نحو تلك المدينة الحديثة، التي تمتلك كل المرافق ومقومات البنية التحتية والخدمات المساندة، بما في ذلك مدينة سكنية مجاورة للشركات والمصانع، فضلًا عن الأمن والاستقرار الذي تنعم به المملكة، فيما تَعِدُ “وعد الشمال” بالمزيد خلال المراحل المقبلة من البناء، والتي سيبدأ العمل بها قريبًا.

مستقبل التعدين السعودي 

رحلة التعدين السعودي من “مهد الذهب” إلى “وعد الشمال” تقف المملكة العربية السعودية اليوم على أعتاب صرح جديد شيدته السواعد السعودية في منطقة الحدود الشمالية، التي تستعد لاستقبال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله – ليدشن بيده الكريمة، مدينة “وعد الشمال” الصناعية، التي تتهيأ لتسهم في المسيرة الاقتصادية وتدعم قطاع التعدين لأن يكون الركيزة الثالثة للاقتصاد السعودي، بعد النفط والبتروكيماويات.
ومسيرة صناعة التعدين السعودية ليست وليدة اليوم، بل تثبت تقارير تاريخية وخبراء جيولوجيين، أنها قديمة وتعود إلى حقب تاريخية بعيدة. وتشير الدراسات إلى أن أعمال التعدين انطلقت في منطقة مهد الذهب خلال العصر العباسي، وتم استخراج أكثر من 40 طنًا من الذهب والفضة، لتتوالى على مدى العصور، عمليات البحث عن الثروات الطبيعية والمعدنية الكامنة في أراضي المملكة، وبناء وتشييد المدن الصناعية القادرة على تحويل هذه الخامات إلى منتجات نهائية.
وتشير تقارير هيئة المساحة الجيولوجية السعودية أن العديد من الدراسات أجريت لتحديد العديد من المكامن والثروات في منطقة الحدود الشمالية، وكشفت عن رواسب غنية بالخامات المعدنية المتنوعة، ومخزونًا كبيرًا من المعادن في باطن الأرض، مثل الفوسفات.
توالت الدراسات والبعثات الجيولوجية في المنطقة، حيث أجريت برامج لإعداد خرائط جيوعلمية مختلفة المقاسات، وكذلك برامج حفر شملت مثاقب حفر في الحوض، بلغ إجماليها 1200 ثقب، بمجموع 50 ألف متر، ونتج عن ذلك اكتشاف خام الفوسفات في منطقة الجلاميد بمنطقة الحدود الشمالية العام 1983م، ثم أم وعال، وعلى هذه الاحتياطيات تقوم اليوم مدينتان صناعيتان مهمتان لصناعة الأسمدة الفوسفاتية ومشتقاتها، هما رأس الخير ووعد الشمال.
لم يكن خام الفوسفات المكتشف في مناطق حزم الجلاميد وأم وعال والخبراء، الوحيد المكتشف في منطقة الحدود الشمالية، فالمنطقة تزخر بالخامات والمعادن، ومنها خام الحجر الجيري في منطقة حرة الحرة، وخام الدولوميت غرب مدينة عرعر، خام الطين جنوب وغرب محافظة طريف، وخام البوزلان في منطقة جبل الخطيمي بالقرب من طريف، إلى جانب مواد كسارات بحص ومواد بناء.
هذه الموارد الثمينة التي أثبتت دراسات أولية أجريت على مدى 3 سنوات جدواها، دفعت وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية إلى إقامة مدينة صناعية قرب حدود المملكة الشمالية؛ تتوفر فيها جميع مقومات الصناعة والتنمية المتوازنة المستدامة، والتي أمر بها الملك عبدالله – رحمه الله – بعد زيارته للمنطقة، ووعوده للأهالي بأن تأخذ منطقة الحدود الشمالية نصيبها من التنمية والازدهار، فيما أخذ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – أيده الله – على عاتقه تنفيذ هذا الوعد، وترجمته في أبهى صورة.
و”وعد الشمال”، المدينة الصناعية المتكاملة، كانت مكملاً لما بدأته وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية من دراسات، استطاعت – بمشاركة منظومة من جهات حكومية وخاصة – تشييد المدينة في زمنٍ وجيز، على مساحة تبلغ 440 كيلومترًا مربعًا، وبإجمالي استثمارات تبلغ 85 مليار ريال.

ريادة سوق الفوسفات بعد النفط

جاءت مدينة وعد الشمال لتدعم مكانة المملكة العالمية كلاعب رئيسي في إنتاج الفوسفات، فالمملكة التي تعد موطنًا لـ 7% من إجمالي الفوسفات العالمي، ستكون ثاني أكبر منتج للفوسفات في العالم بحلول العام 2024م، عبر مشروعاتها الصناعية في قطاع التعدين، مثل مدينة رأس الخير الصناعية في المنطقة الشرقية التي تنتج 3 ملايين طن الأسمدة الفوسفاتية، ومثلها لمدينة وعد الشمال الصناعية في منطقة الحدود الشمالية، بالإضافة إلى مشروع فوسفات 3، والذي لا يزال قيد الدراسة والإعداد، وسيرفع إنتاج المملكة من الأسمدة إلى 9 ملايين طن سنويًا.
وتأتي مدينة وعد الشمال ترجمة لرؤية 2030، والبرنامج المنبثق عنها “برنامج الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية” الذي يسعى للاستفادة المثلى من الموارد المعدنية غير المستغلة بالمملكة، والتي تقدر بـ 5 تريليون ريال، من خلال تسريع عمليات الاستكشاف وتطوير منظومة التعدين الصناعية بحلول عام 2030م، فيما تطمح الخطط المرسومة لتمكين قطاع التعدين من مختلف الجهات ذات العلاقة، وتوليد أكثر من 450 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة للمواطنين بهدف الحد من البطالة وتنمية المجتمع المحلي.
كما حققت حكومة المملكة العربية السعودية، ممثلة بوزارة الطاقة والثروة المعدنية بالتعاون مع شركة التعدين العربية السعودية (معادن) والهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية (مدن)، أحلام المشروعات الاستثمارية في المنطقة الشمالية بمدينة “وعد الشمال الصناعية” التي توفر بيئة استثمارية دائمة وآلاف الوظائف وتفتح آفاق المستقبل أمام الشباب السعودي الطموح، وتنوع مصادر الدخل بما يحد من الاعتماد على النفط.
وفي “وعد الشمال الصناعية” التي تجاوزت استثماراتها 85 مليار ريال، وتضم سلسلة من المنشآت والمرافق الصناعية المتنوعة، لتحول الصخور إلى رافد اقتصادي تنموي كبير في المملكة، عبر استغلال خامات الفوسفات الوفيرة في المنطقة، التي تعد المادة الأساسية في صناعة الأسمدة الزراعية، بعدما أظهرت الدراسات المسحية لجيولوجيا المعادن بأن هذه الصخور غنية في العديد من المكونات المهمة مثل: الفوسفات، والحجر الجيري، والدولوميت، والبحص، إضافة إلى الرمل والردميات التي تسهم بشكل كبير وفعال في مجال البناء.
وتعد هذه المكونات أيضًا، عنصرًا أساسيًا في إنتاج حامض الفسفوريك، والألومنيوم المصبوب، والأمونيا السائلة، ومواد الطلاء، وغيرها الكثير من المنتجات، إضافة إلى المنتج الرئيس المتمثل بالأسمدة الفوسفاتية.
ومن أجل استثمار هذه الثروات المعدنية، تضم مدينة “وعد الشمال الصناعية” منظومة نموذجية متكاملة من المصانع والمنشآت، إذ توجد فيها “شركة معادن وعد الشمال للفوسفات” التي أسست باستثمار بلغ 30 مليار ريال، بملكية تصل لنحو 60% لشركة التعدين العربية السعودية (معادن)، و15% للشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)، و25% لشركة “موزاييك” الأميركية التي تعد أكبر منتج لأسمدة الفوسفات في العالم.

وستضع “وعد الشمال” المملكة على سلم القوى المنتجة للفوسفات في العالم، إذ ينتج المصنع بقدرته التشغيلية، ثلاثة ملايين طن من الأسمدة على شكل منتجات جاهزة وهي: سماد فوسفات الأمونيوم، الأسمدة الفوسفاتية المركبة، و440 ألف طن على شكل منتجات تحويلية تشمل: حمض الفسفوريك النقي المستخدم في الصناعات الغذائية، وثلاثي بولي فوسفات الصوديوم المستخدم في تصنيع المنظفات، وفوسفات أحادي الكالسيوم المستخدم في تصنيع أعلاف الحيوانات، وكذلك فوسفات ثنائي الكالسيوم المستخدم في تصنيع أغذية الحيوانات، فيما تنتج شقيقتها مدينة رأس الخير ثلاثة ملايين طن أخرى من الأسمدة.

خلية عمل متناغمة

وتشكل مرافق “وعد الشمال” خلية عمل متناغمة، حيث يوجد مصنع متخصص لحامض الفسفوريك، الذي يعد العنصر الأساس لمصانع المدينة العاملة في مجال صناعة الأسمدة، سواءً في “وعد الشمال” أو في مدينة رأس الخير الصناعية، اللتين تعتمدان بشكل رئيس على منتجات هذا المصنع، والذي ينتج مليون ونصف المليون طن بالطاقة القصوى، عبر ثلاثة خطوط إنتاج. كما يشمل دورة صناعات أخرى مثل إنتاج الملح الحمضي، والصوديوم، إضافة إلى استخداماته مليّنًا مائيًا عالي الجودة.
ويعمل المصنع الأكبر من نوعه في العالم، والمعروف بمصنع حامض الكبريتيك، الذي يعتبر حاضرة مدينة “وعد الشمال الصناعية” ومكّن المملكة من التواجد في الميادين الصناعية، في مجالات إنتاج الأسمدة الكيميائية، وصناعة الصابون المطاط المؤكسدة والنازعة للماء، إضافة إلى إنتاج الأصباغ، والخام البلاستيكي، إضافة إلى منتجات أخرى يوفرها عند استخراج الأحماض مثل صناعة بطاريات السيارات، التي تشكل سوقًا تجاريًا كبيرًا حول العالم.


ويدار المصنع بكفاءات سعودية بعضها شق طريقه التعليمية والمهنية في كبريات الصروح العلمية في العالم، وبعضها تتلمذ في الجامعات والمعاهد الوطنية المتخصصة، والتي تديرها المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، بشراكة استراتيجية مع “معادن”.
ولا تقتصر مرافق المدينة على ذلك، إذ يوجد مصنع تركيز نسبة الخام، الذي يقدم مجموعة من الصناعات التحويلية، وتبلغ نسبة إنتاجه فيه 5.3 مليون طن سنويًا منها نحو 15 ألف طن من الخام المركز يقدم إلى مصانع أخرى منها مصنع حامض الفسفوريك.
وتضم المدينة مصنعًا للأمونيا الذي تم بدء التشغيل التجريبي فيه. وبينت “معادن وعد الشمال” أن قدرته الإنتاجية ستبلغ 1.1 مليون طن من الأمونيا سنويًا، وسيظهر أثرها المالي عند البدء في الإنتاج التجاري، فيما ستكتمل المدينة بمشروع فوسفات 3، الذي لا يزال قيد الدراسة، وسيؤمن طاقة إنتاجية إضافية تبلغ 3 ملايين طن من الأسمدة الفوسفاتية.
ولمواكبة التطور التقني والصناعي، صممت مدينة “وعد الشمال” وفق أعلى معايير الأمن والسلامة وبتقنيات حديثة جدًا تتوافق مع مواصفات الهيئة العليا للأمن الصناعي إضافة إلى بعد منشآتها عن المرافق الحيوية لتجنب مخاطر التلوث البيئي، إذ تضم المدينة منشأة خاصة بالتحميل والتفريغ للمواد التي تصلها عبر شبكة سكة حديد تابعة للخطوط الحديدية السعودية (سار)، إضافة إلى مستودعات تخزينية لحفظ المواد الكيميائية تعمل بتقنية عالية للحفاظ على المواد المخزنة، ومنظومة فرز حديثة تحفظ الجهد والوقت، ومستودعات خاصة بقطع الغيار للآليات الثقيلة العاملة في المشروع وصيانتها، إضافة إلى ورش صيانة ميدانية تشغلها أيد عاملة وطنية.
وتوفر المدينة منطقة شاملة لمناولة المنتجات تدار بطريقة حرفية عالية، من خلال وحدات خاصة لحفظ السوائل، بطاقة استيعابية عالية وآمنة، إذ تعمل طواقم المدينة الفنية على تحصين المنطقة بنظم أمنية وبيئية مشددة، لضمان حفظ سلامة الموظفين والبيئة المحيطة.
تحقيق الأمن الغذائي العالمي

تضع “مدينة وعد الشمال” التي تفتتح خلال أيام، المملكة العربية السعودية على خريطة الدول المساهمة في تحقيق الأمن الغذائي العالمي، من خلال إنتاج نحو ثلاثة ملايين طن من الأسمدة الفوسفاتية التي تعيد للتربة خصوبتها، ما يعني استصلاح مزيد من الأراضي الزراعية وزيادة دخل المزارعين، وتوفير فرص عمل، وتحريك العجلة الاقتصادية في عدد من دول العالم، إضافة إلى مساعدة الحكومات على توفير الغذاء لشعوبها.
فهذا الصرح الصناعي الجديد الذي أسسته المملكة على مساحة 440 كيلومترًا مربعًا في منطقة الحدود الشمالية بتكلفة بلغت نحو 85 مليار ريال، هدفه الأساس تنويع مصادر الدخل بما يتناغم مع “رؤية المملكة 2030″، وتوفير آلاف الوظائف المباشرة وغير المباشرة للسعوديين عمومًا، ولأبناء المنطقة تحديدًا، وتطوير قطاع التعدين الواعد، ودعم المنطقة بما يضمن تحقيق التنمية الوطنية المتوازنة والمستدامة، وتحقيق الأمن الغذائي المنشود الذي تسعى إليه الأمم المتحددة للقضاء على الجوع في العالم.
واستعدادًا لهذه المهمة، تعمل شركة “معادن وعد الشمال للفوسفات” على تأهيل الشباب السعودي للقيام بهذه المهمة على أرض “وعد الشمال”، والتي ستعمل بإنتاجية قصوى تمكنها من سد الاحتياجات المحلية الزراعية السعودية واحتياجات العديد من الدول، من خلال إنتاج الأسمدة المتنوعة الاستخدامات، والتي لها دور في نمو النباتات بإنتاجية أسرع وأعلى، إضافة إلى ميزتها في التحلل.
وأن حكومة خادم الحرمين الشريفين وفّرت كل سبل النجاح لإعداد “وعد الشمال”، لتكون مدينة صناعية نموذجية متكاملة، من البنية التحتية الشاملة إلى منشآت التعدين وشبكات الطرق والسكك الحديد لنقل هذه المعادن إلى مرافق الإنتاج. وكذلك أنشأت بالتعاون مع الشركاء والمستثمرين، مرافق وفق مواصفات عالمية لتصنيع الأسمدة ومخازن لحفظها، ومحطات لتنقية المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي لتوفير بيئة خالية من التلوث، ومحطات كهربائية متكاملة تعتمد على الطاقة المتجددة النظيفة، وثلاثة أرصفة في ميناء رأس الخير لتصدير الأسمدة إلى الخارج والمساهمة في تحقيق الأمن الغذائي العالمي.
والأمن الغذائي العالمي تعرفه منظمة الغذاء العالمي (الفاو): بأنه توافر الغذاء لجميع الناس في كل الأوقات، والإمكانات المادية، الاجتماعية والاقتصادية من خلال الحصول على غذاء كاف، ومأمون، ومغذٍّ، ليعيشوا حياة مفعمة بالنشاط، والصحة، مما يوفر الجو الملائم للحياة وإعمار الكوكب.
ويعتمد تحقيق الأمن الغذائي بشكل مباشر وغير مباشر على ظروف عدة، منها: الأوضاع السياسية، الاقتصادية والاجتماعية، وما يندرج من عوامل تابعة لها، إذ أن التخلف والجهل وعدم الاستقرار هي السبب الأول للمجاعة والأمراض ووقف عجلة التنمية في العديد البلدان، كما أنها سببًا رئيسًا في التخلف الاقتصادي، الذي يطرد الاستثمار والتنمية في تلك المجتمعات.