قرار إلغاء منح الجنسية.. هل يعود ترامب بأميركا للحقبة الانعزالية بتكرار تجربة تاتشر ؟

الخميس ١ نوفمبر ٢٠١٨ الساعة ٧:٣٧ صباحاً
قرار إلغاء منح الجنسية.. هل يعود ترامب بأميركا للحقبة الانعزالية بتكرار تجربة تاتشر ؟

أطاح الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بطموحات الملايين من سكان العالم للحصول على الجنسية الأميركية، وبتصريح صادم ومثير للجدل قرر الرئيس تغيير طبيعة بلاده كبلد قائم على أساس الهجرة ليصبح أكثر انعزالية ويحذو حذو رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارجريت تاتشر التي أنهت الحق للأطفال المولودين على الأراضي البريطانية في الحصول على الجنسية.

أضحى عصر الحصول على الجنسية الأميركية بشكل غير مكلف، عبر سفر الأمهات إلى الولايات المتحدة قبل وضع أبنائهن بأشهر قليلة من أجل منح الطفل المنتظر الجنسية حلمًا قابلًا للنسيان.

وينص التعديل الرابع عشر في الدستور الأميركي على أن “جميع الأشخاص المولودين أو المجنّسين في الولايات المتحدة والخاضعين للولاية القضائية فيها هم مواطنون أميركيون ومواطنون في الولاية التي يقيمون فيها”.

إطاحة بأحلام المهاجرين في الحصول على الجنسية:

اعتاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن يخرج بتصريحات صادمة ومثيرة للجدل بشأن ملف الهجرة.

وقبيل أيام قليلة من انطلاق انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأميركي، خرج ترامب ليعرب عن نيته إصدار أمر تنفيذي بإلغاء منح الجنسية للأطفال المولودين على الأراضي الأميركية.

ويرى ترامب أن منح الجنسية الأميركية بهذه السهولة لكل من هب ودب أمر سخيف ويجب وقفه.

فأميركا هي البلد الوحيد في العالم الذي يأتي إليه شخص وينجب أطفالًا ليصبحوا مواطنين أميركيين لمدة 85 عامًا ويتمتعون بكل المزايا التي تأتي مع الجنسية حسب تصريحاته في مقابلة مع موقع أكسيوس الإخباري.

ويريد ترامب أن ينهي هذه الحالة بإصدار أمر تنفيذي رئاسي، حيث قال إنه طرح الأمر للتشاور مع مستشار قانوني، ووصل إلى تقييم قائم على أن أمرًا تنفيذيًّا كافيًا لإنهاء منح الجنسية للمولودين على الأراضي الأميركية بعد أن كان يظن أن الأمر يتطلب تعديلًا دستوريًّا.

وكان نواب جمهوريون قد حاولوا مرارًا إلغاء منح الجنسية الأميركية للأطفال المولودين لأهل يقيمون في البلاد، لكن محاولاتهم باءت بالفشل.

واستمر الجدل الدائر داخل الجناح اليميني للحزب الجمهوري، ففي يوليو الماضي كتب مايكل أنتون المستشار السابق لترامب أن “المبدأ القاضي بمنح الجنسية بشكل تلقائي لشخص ما لمجرد أنه ولد ضمن الحدود الجغرافية للولايات المتحدة هو أمر عبثي، سواء من وجهة نظر دستورية أو تاريخية أو فلسفية”.

عودة للحقبة الانعزالية قبل الحرب العالمية الثانية:

وكانت هذه الحالة التاريخية التي تميزت بها الولايات المتحدة، إحدى الخصائص التي تفردت بها البلاد، التي فتحت ذراعيها للمهاجرين، وعلى يد ترامب يبدو أن البلاد تتغير بوتيرة متسارعة في كل الاتجاهات لتعود مرة أخرى لتصبح أكثر انعزالية.

في ثمانينيات القرن التاسع عشر كانت جزيرة “إليس” المقابلة لسواحل نيويورك بمثابة المنفى المفتوح الذي جمع كل المهاجرين غير المرغوب بهم من قبل الولايات المتحدة.

واستمرت الولايات المتحدة في احتجاز المهاجرين على الجزيرة لسنوات عديدة، ولم يسمح لهم وقتها بدخول البلاد حتى النصف الثاني من القرن العشرين مشكلة وجه أميركا الانعزالية في هذه الفترة.

ومع بدء تطبيق نظام منح الجنسية للمولودين في الأراضي الأميركية عام 1968 بدأ عصر القوة الأميركية العظمى في الظهور وسحبت مناطق النفوذ من تحت أقدام فرنسا وبريطانيا.

ويبدو أن ترامب يريد أن يعيد السياسة الانعزالية التي وضعها الرئيس السابع للولايات المتحدة أندرو جاكسون التي حكمت المزاج الأميركي في العلاقات الخارجية حتى الحرب العالمية الثانية.

ويبحث ترامب عن كل الثغرات التي من شأنها أن تسد كل الطرق للسماح بالهجرة إلى البلاد في الاستمرار.

هراء يتصادم مع الدستور وطبيعة الحالة الأميركية:

على الرغم من عدم وضوح الكيفية التي سيتمكن من خلالها ترامب من التخلص من منح المواطنة للمولودين في أميركا عبر إصدار أمر تنفيذي، إلا أن القرار لاقى سيلًا من الانتقادات.

فأستاذ القانون الدستوري في جامعة هارفارد لورنس تريب اعتبر أن مشروع المرسوم الذي لوّح به ترامب مجرد هراء، مشيرًا عبر تغريدة له على موقع التدوينات المصغر “تويتر” إلى أن التعديل الـ14 للدستور إن كان ترامب قادرًا على إلغائه بجرة قلم، فمن الممكن أن يمحو الدستور برمته بالطريقة نفسها.

ويرى مراقبون أن الولايات المتحدة كبلد حديث اعتمد في المقام الأول على انصهار الأعراق، حيث قام اقتصادها منذ نشأته على هذا المزيج الذي اعتمد بشكل كبير على الهجرة، التي وقفت بدورها وراء مولد أميركا كقوة صناعية كبرى.

ولفتت مجلة “ذا أتلانتيك” إلى أن محاولة ترامب ستواجه على الفور دعاوى قضائية سيتم تفعيلها ورفعها للمحاكم العليا للبت فيها.

فحق المواطنة للمواليد تم تأكيده مرارًا وتكرارًا لضمان أنه أيًّا كان عنصرية النظام الحاكم فإن الدستور يضمن الجنسية لكل من يولد داخل الولايات المتحدة؛ حسب مارثا جونز مؤلفة كتاب المواطنة بالولادة تاريخ العرق والحقوق في أميركا قبل الحرب.