رحلة عبر التاريخ.. مكة المكرمة قبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم

الأربعاء ٧ أغسطس ٢٠١٩ الساعة ١١:٥٣ صباحاً
رحلة عبر التاريخ.. مكة المكرمة قبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم

مكة المكرمة أشرف البقاع وأفضلها، وخير البلاد وأكرمها، تهفو إليها القلوب، ويتوجه لها المسلمون في صلواتهم، هي موطن العبادة والإنابة، فيها أول بيت وضع للناس الذي جعله الله مثابة للناس وأمنا، البلد الأمين الذي يأتيه الخير والرزق استجابة لدعوة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر).
مكة هي مولد خاتم الأنبياء ومبعثه صلى الله عليه وسلم، ومنها أشرق نور الهدى وبدأ نزول القرآن الكريم، هي بلد الله الحرام، فلا يسفك فيها دم، ولا يصاد صيد، ولا يعضد شجر، ولا يقطع نبات، ولا يلتقط لقطة إلا لتعريف، يضاعف الأجر والثواب فيها، إذ الصلاة في المسجد الحرام بمئة ألف صلاة، وبها الحجر الأسود الذي ليس موضع على وجه الأرض غيره يُشرع تقبيله، وهو حجر من الجنة.
تقع مكة المكرمة غرب المملكة العربية السعودية على خط عرض 31 درجة، وترتفع عن سطح البحر بمقدار 280 متراً، وتتجاوز مساحتها 480 هكتاراً، وتبعد عن مدينة جدة بحوالي 73 كيلومتراً، وعن مدينة الطائف 87 كيلومتراً، وعن المدينة المنورة 450 كيلومتراً، وعن العاصمة الرياض 990 كيلومتراً، تنحصر في مجموعة من الوديان تحيط بها سلسلتان من الجبال تكاد أن تتصلان ببعضهما من جهات الشرق والغرب والجنوب، يسودها طقس حار جاف تتراوح درجة الحرارة فيها في فصل الشتاء بين 15 و20 درجة مئوية، بينما تصل في فصل الصيف إلى 45 درجة مئوية.


كانت مكة المكرمة محاطة بأسوار ثلاثة تحميها من غارات المعتدين مثل أي مدينة قديمة، وهذه الأسوار هي: سور باب المعلاة من جهة الشرق، وسور باب الشبيكة من جهة الغرب، وسور باب اليمن من جهة الجنوب، كما أن جبالها الشامخات محيطة بالمدينة إحاطة السوار بالمعصم مكونة سياجاً طبيعياً قوياً ضد هجمات المعتدين.
وظلت مكة المكرمة على مدى تاريخها الطويل، مقصداً ومحطة لمرور القوافل التجارية من الشرق إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب، لوقوعها وسط شمال الجزيرة العربية وجنوبها من جهة، ولتوفر عيون المياه الجوفية فيها والتي تحتاج إليها القوافل التجارية من جهة أخرى.
وبعد ظهور الإسلام وتوطيد أركانه، أصبحت مكة المكرمة صاحبة المكانة الأولى في العالم الإسلامي، إذ تشخص أبصار المسلمين وأفئدتهم إلى رحابها الطاهرة خمس مرات كل يوم وهم يؤدون الركن الثاني من أركان الإسلام، ويفد إليها كل عام الملايين في مواسم الحج والعمرة تلبية لأمر اللّه لخليله إبراهيم عليه السلام (( وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق )). سورة الحج 27 .
سميت مكة لقلة مائها، وقيل لأنّها تمكّ الذنوب أيّ تُذهبها، وقيل أيضاً في سبب التسمية أنّها تمكّ الظالم فيها أيّ تُنقصه وتُهلكه، ويجدر بالذكر أنّ مكة المكرمة سُميت بعدد من الأسماء، ومنها : بكّة، والبلد الأمين، وأم القرى، وأم رحم، والحاطمة، والبيت العتيق، والرأس، والحرم الأمين، وصلاح، والقرية، والبلد، ومعاد، والعرش، والوادي، والبلدة، والقادس، والمقدسة، والناسة، والباسة.
وجاء في فضل مكة المكرمة أحاديث كثيرة تذكر بعض فضائلها وميزاتها، فعن فضل الصلاة فيها ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال : ( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمائة مرة ) . رواه أحمد وابن حبان بإسناد صحيح.


ومن فضائل مكة المكرمة أنه يحرم استقبالها واستدبارها عند قضاء الحاجة دون سائر البقاع لقوله صلى الله عليه وسلم :( لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا ). متفق عليه، ومن فضائلها أن الله أخبر أنها أم القرى كما في قوله تعالى : (( ولتنذر أم القرى ومن حولها )) فالقرى كلها تتبع لها وفرع عليها ومن فضائلها أنها قبلة لأهل الأرض كلهم، فليس على وجه الأرض قبلة غيرها.
وشد الرحال إليها بالحج فرض على كل مسلم، بخلاف غيرها من البقاع، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :( والله إنك لخير أرض وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت ).رواه أحمد والترمذي.
ولذلك كله اختار الله البلد الحرام لنبيه ، صلى الله عليه وسلم، وجعله مناسك لعباده وجعله حرماً آمناً ، لا يسفك فيه دم ، ولا تعضد به شجرة ولا ينفر صيده ، ولا يختلي خلاه ، وجعل قصده مكفراً لما سلف من ذنوب في حق من لم يرفث ولم يفسق .


ومكة المكرمة خير البلاد وأحبها إلى الله جعل من عرصاتها مناسك لعباده فرض عليهم قصدها، وأقسم بها في كتابه في موضعين منه فقال تعالى : (( وهذا البلد الأمين )) ، وقال :(( لا أقسم بهذا البلد الأمين )).
وورد في حرمة مكة المكرمة أدلة كثيرة منها ما ثبت عن الرسول، صلى الله عليه وسلم، أنه قال :( إن مكة حرمها الله تعالى ولم يحرمها الناس ، ولا يحل لأمرىء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً أو أن يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقولوا له : إن الله أذن لرسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يأذن لك وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس وليبلغ الشاهد الغائب). متفق عليه.
تشتهر مكة بجبالها الشامخة ومن أشهر جبالها جبل النور الذي يوجد فيه غار حراء، حيث كان مكانًا يتعبد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم قبل بعثته، وبه نزل الوحي. وأيضًا جبل الثور الذي يحوي غار ثور، الذي مكث فيه الرسول عليه الصلاة والسلام مع صاحبه أبي بكر الصديق خلال الهجرة إلى يثرب، وكذلك جبل جبل عرفة الذي لا يكتمل حج المسلم إلا بالوقوف به، وجبل عمر وجبل أبي قبيس، وجبل الطارقي الذي يقع في الجهة الشرقية من مشعر منى، ويبلغ ارتفاعه قرابة 900 متر، ويعدّ أعلى جبل في مكة المكرمة.


يقصد مكة كلَّ عام ملايين الحجاج لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام لِمَن استطاع إليه سبيلاً، ولاستيعاب تَنامِي أعداد الحُجَّاج، حشَدت المملكة كُلَّ إمكاناتها من ماديَّة وبشريَّة لتَطوِير مَشاعِر الحج، وتَوفِير كافَّة التَّسهِيلات اللازمة لخدمة ضيوف الرحمن، فالمَرافِق العامَّة من شبكات مياه الشرب المتطوِّرة والإضاءة الشامِلَة، وإنشاء دورات المياه الكثيرة، وإقامة شبكة من الطُّرُق والشوارع الفسيحة التي تتخلَّلها الجسور والمعابر والأنفاق الضَّخمة لتَخفِيف الازدِحام الشديد خلالَ مَوسِم الحج، ولتَنظِيم حركة المرور بين مكَّة والمشاعر المقدَّسة في عرفة ومنى ومزدلفة – لهو خيرُ شاهدٍ على هذه الإنجازات الكبرى.

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
  • Security Professor: Mohammad Ayed Ahmad Jaradat

    الحمد لله رب العالمين على العطاء الممدود لا مقطوع ولا ممنوع ودعوة مفتوحة للسائلين
    قلوبا تهوى اليها رغبة للتائبين الى الله ولمثل ذلك فاليتنافس المتنافسون ولا تثيم
    حبا لله لرسوله وماءا لذة للشاربين ماء زمزم
    سقيا رحمة للطائفين والركع السجود
    اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ولا من الائسين من رحمك