أولى عناية فائقة بشرع الله

كاريزما الملك عبدالعزيز ساعدت في جهود التوحيد

الأربعاء ٢١ سبتمبر ٢٠٢٢ الساعة ٧:٠١ مساءً
كاريزما الملك عبدالعزيز ساعدت في جهود التوحيد
المواطن - واس

استحوذت شخصية الملك عبدالعزيز بن عبد الرحمن آل سعود – رحمه الله – على اهتمام كثير من الزعماء والمفكرين والكتاب حول العالم، فانبرت أقلامهم تحاول جاهدة وصف هذا القائد الملهم وتناول عبقريته الفذة، وصفاته القيادية، وإنسانيته الرحيمة، رجل كان أمة في شخصيته العبقرية التي لا يمكن أن توصف إلا أنها ذات تميز وتأثير قوي.
يقول خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود – حفظه الله-“: تاريخ الملك عبدالعزيز – رحمه الله – لا يقتصر على جوانب الكفاح وإنجازات التوحيد والبناء فحسب، التي هي مهمة ومعلومة للجميع، وإنما يتضمن جوانب كثيرة تبرز فيها شخصيته الإنسانية”.
من هذا المنطلق تسلط وكالة الأنباء السعودية في هذا التقرير الضوء على شخصية الملك عبد العزيز وصفاته القيادية التي بنيت على الاقتداء بالرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وإخلاص العبادة لله تعالى وحده والتقرب إليه بأنواع كثيرة من الطاعات وحرصا على أمته الإسلامية وجمع ما تفرق منها ونشر الأمن والاستقرار والعدل بعون الله.

كاريزما الملك عبدالعزيز 

تميز الملك عبدالعزيز ذو القامة الطويلة، المليء الجسم، الباسم الوجه، ذو الهيبة والوقار، بشخصية فريدة من نوعها، أساسها وجوهرها الصفات العربية الأصيلة، التي لا تقبل الضيم وتدافع عن الضعفاء، وتغيث الملهوف، وتكرم الضيف، وتعفو عند المقدرة، وبشهامة ومروءة وصدق وأمانة ومكارم أخلاق، وغيرها من الخصال الحميدة التي قلما أن تجتمع في رجل واحد؛ إلا أن شخصية الملك عبدالعزيز استثناء في ذلك مثلها مثل أفعاله وإنجازاته الاستثنائية التي لم يقدر على فعلها أحد سواه.
لم يكن الملك عبد العزيز وبشهادة كل من عرفه وجلس بمعيته؛ يختلف عمن حوله من الرجال في الزي إلا بغترته الحمراء وعقاله المقصب؛ أما “البشت” والثوب فلم يكونا ممتازين عما يلبسه الرجل العادي؛ بل إن الرجل العادي ليلبس أحسن نوعاً وأغلى ثمناً مما يلبسه هو، وأما الحذاء فليس إلا نعلين نجديتين يحتذيهما أفقر الرجال.

وتظهر شخصية الملك عبد العزيز الكاريزمية كما صورها – محمد أمين التميمي في كتابه، لماذا أحببت ابن سعود؟ – بقوله: “وأما شخصيته، فهي تلك الشخصية التي لم تنسها مظاهر الملك مسؤوليتها عن رعيتها، ولم يبعدها جبروت السلطان عن طاعة الرحمن، فكما أنه ينظر في الكبير والصغير والجليل… من شؤون مملكته ورعيته، ويقرأ كل ما يرفع إليه من برقيات وكتب وتقارير، ولا يسمح لأحد من رجاله والمقربين إليه بفتح شيء منها، فلا يترك شاردة ولا واردة من أحوال بلاده ورعاياه إلا ويكون قد ألم بها ووقف على أسرارها، ويرد على كل ما يرسل إليه من كتب وبرقيات من مختلف الأنحاء والجهات، وقد فتح بابه لكل مظلوم، وأصغى لكل شاك مهضوم، حتى إن برقية يرسلها إليه أقل الناس شأنا في مملكته تكفي لإثارة اهتمامه، فصدر أوامره البرقية للجهات المختصة بالتحقيق في الشكوى وإعادة الحق إلى نصابه… علاوة على كل ذلك، فإنه لم ينس حق الله عليه من صلاة وصيام وزكاة وحج ودروس دينية وذكر الله تعالى وتسبيح؛ فهو يستيقظ قبل فجر كل يوم لقراءة القرآن، فإذا أذن الفجر صلاة حاضرا، ويواظب على أداء بقية الصلوات الخمس مع الجماعة في مسجد القصر، وعلى صلاة الجمعة في المسجد العام… وأما بيانه وإفصاحه؛ فهو ذلك التعليق الجميل على ما يقرأه مقرئه من تفسير القرآن الكريم والأحاديث النبوية، وتلك الدرر الغوالي من النصائح التي ينثرها على الحاضرين في ذلك المجلس الليلي العام، الذي يبدأ من بعد صلاة العشاء إلى الساعة الرابعة العربية، حيث ينصرف الجمع لا ليأوي هذا الرجل إلى فراشه، ولكن ليجلس مجلسا آخر مع المختصين من رجاله ومستشاريه لبحث مهام الدولة، وقد يمتد هذا المجلس الخاص إلى منتصف الليل”.

العناية الفائقة بشرع الله

وكان من أبرز ما عرفت به شخصية الملك عبدالعزيز عنايته الفائقة بشرع الله وحرصه على سيادته، وكان هذا واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار، يصدح به في كل محفل، ودونك خطبه وأقواله لا تكاد تخلو من الاستشهاد والاستدلال بما قاله الله عز وجل، ورسوله المصطفى عليه الصلاة والسلام، حتى إن الأجانب الذين التقوا به لمسوا ذلك بشكل واضح. يقول موريس جارنو في “تحقيق حول ابن سعود” – بحسب ما أفاد به رئيس قسم التاريخ والحضارة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور عبدالمحسن الرشودي -:”إذا كان ابن سعود نجح في لم شعث الجزيرة العربية تحت لوائه، وإذا كان قد جعل من بلد مضطرب آهل بالعصابات البلد الأكثر أمناً في العالم، فمرد ذلك ليس للقوة والسيف فحسب، بل لأنه سكب في أعماق الأمة الناشئة أقوى عوامل التراص والتماسك، أي التقيد الشديد بأحكام القرآن”.

ويقول الكاتب كنث وليامز عن فصاحة الملك عبدالعزيز: “مواهب ابن سعود الخطابية عظيمة، فهو يظهر مقدرة عجيبة في أحاديثه العامة والخاصة، وهو إذا تكلم تدفق كالسيل، يحب التحليل ورد الشيء إلى أصله، شديد الولع بتشريح المواضيع تشريحاً يدل على ذكاء وفطنة ولباقة، يخاطب البدوي بلهجة البدوي، والحضري بلهجة الحضري، وما استمع أجنبي إليه إلا خرج مفتوناً بحديثه”.
وروى المؤرخ خير الدين الزركلي في كتابه: “شبه الجزيرة العربية في عهد الملك عبدالعزيز” أوصافاً دقيقة لكل ما يتعلق بالقائد العظيم، ومما قال عنه في أحاديثه وخطبه:” ليس من المبالغة ولا من الثناء أن أذكر أن عبدالعزيز كان عجباً في سرعة الخاطر إذا تحدث، وفي قوة الحجة إذا أراد الإقناع… وسر القوة في حجة عبدالعزيز أن عقله كان يسبق لسانه، وأنه ينسى العاطفة أمام المنطق ولا يقول إلا كما يعتقد.. لم يكن يهيئ الخطبة كما يفعل أكثر الناس…يتحدث حين يخطب منطلقاً على سجيته غير متأنق ولا متكلف فيفيض في الشطر الأول من خطبته – أو من حديثه – بما تمليه عليه ذاكرته من عظات يستمدها أو يستمد معاني أكثرها من الحديث النبوي الشريف ومن آيات كتاب الله ويأتي بالشواهد وقد يتمثل بالبيت من الشعر أو بالشطر يرد في كلامه عرضاً لا على أنه قول ينشد، ولكن على أنه كلام محكم يورد…ويتناول الموضوع فإذا كان عادياً كافتتاح مشروع أو تحدث إلى فريق من الناس، تكلم هادئاً متمهلاً تتخلل قوله ابتسامة خفيفة تجتذب إليه قلوب سامعيه، وإن لم تكن الابتسامة فليس هناك عبوس ولا تجهم ولا يلمح على وجهه في أي حال ما يعلو وجوه معظم الخطباء من تحديق من قريب أو من بعيد، ومن اصطناع للجد، لا أثر للنكتة في خطاباته، ولا توقف لمعرفة رأي السامع فيما يقول”.

الهمة العالية والأخلاق السامية

وكان من مجموع ما تميز به الملك عبد العزيز – بحسب مدير مركز تاريخ مكة المكرمة الدكتور فواز الدهاس – الإيمان بالله والثقة به سبحانه وتعالى والتوكل عليه والاستمساك بالعروة الوثقى، ومن الهمة العالية والأخلاق السامية التي ظلت توجه سلوكه في المواقف كلها، إذ يتبين أن الرجل كان أمة في مواهبه وخصائصه، وبإنسانيته التي مكنت له – بعد توفيق الله – من تخطي جميع الصعاب والمواقف التي مر بها في حياته، فقد كان أميراً وسلطاناً وملكاً”.
ويقول الدكتور فون ويزل –بحسب ما ذكره الدكتور الرشودي- :”وفي ابن سعود ميزة أخرى وهي أنه كريم صادق، وقد حادثته مرتين في شؤون مختلفة، كان بعضها دقيقاً جداً، فلم ألحظ قط أنه يلبس الباطل ثوب الحق، نعم كان سياسياً أحياناً في أجوبته، فلا يقول كل ما يعرفه، ولكنه لم يتلفظ بكلمة واحدة غير صادقة”.

التعامل مع الخصوم

تعامل الملك عبد العزيز مع من عارضه أو حاربه من أجل إقامة هذه الدولة تعاملاً إنسانياً وكريماً، حتى قيل: إنه ما شخص عاداه، وبقي حيا يرزق إلا عاد إليه طوعا، بسبب حسن تعامله، وصدقه مع الناس.
ومن النادر أن تقترن صفة العفو مع صفة الشدة والحزم خصوصا لدى القادة الذين ينشغلون بالتأسيس والمواجهات، لكن الملك عبد العزيز كما يقول الملك سلمان في كتاب ملامح إنسانية من سيرة الملك عبدالعزيز – بحسب ما أفاد به الدكتور الدهاس – “أثبت للجميع قدرته على العفو في أصعب الظروف شدة، حيث انعكست إنسانيته المتميزة في حرصه على العفو حتى مع أشد الخصوم، فبإنسانيته وحسن تعامله ملك عبدالعزيز قلوب الرجال، حتى أصبح المحرضون عليه من المؤيدين له”.
يتجلى ذلك واضحاً عند النظر مثلاً إلى من كان يصحب الملك عبد العزيز دائماً في سيارته الخاصة، فمعظمهم كانوا من معارضيه، وأصبحوا من أخلص رجاله، بل من أقرب الناس إليه، فتلك هي إنسانية الملك عبدالعزيز التي حولت الخصوم إلى مخلصين، إلى درجة أن صار بعضهم من بين حراسه الشخصيين.

همة عالية لقائد ملهم

كان الملك عبد العزيز ذا همة عالية فريدة من نوعها، كيف لا وهذه الشخصية العظيمة كانت تعيش تاريخ الدولة السعودية الأولى في مرحلتها الأولى والثانية وتتمثل هاتين الدولتين، وتريد أن تعيد لهذه الجزيرة بهاءها الذي فقدته والأمن الذي افتقدته، ولم يكن هذا ممكناً إلا في ظل التوحيد الذي كان يحتاج إلى شخصية أجمع المواطنون والأجانب الذين زاروا الجزيرة العربية على عبقريتها وعلى امتدادها العالمي وليس المحلي فقط.
جميع الظروف السائدة في الجزيرة العربية –آنذاك- تشير إلى صعوبة توحيد البلاد ولم الشتات، ونبذ العنصرية، إن لم تكن تلك المهمة مستحيلة؛ إلا أن الملك عبدالعزيز كان مؤمناً بالله سبحانه وتعالى ومن ثم بقدراته وبالرجال الذين وقفوا معه، فبدأت ملحمة التوحيد التي ارتوت فصولها وأبوابها بتضحيات رجال أبطال كانوا خير معين لقائد فذ محنك، آمن بوطن يعيش الجميع تحت ظلاله الوارفة ويأكلون من خيراته في أمن وأمان، ويضحي وطناً لهم وللأجيال التي تأتي من بعدهم، فكتب الله له ذلك، وتحقق حلم التوحيد بهمة عالية من ملك ملهم.

الملك عبدالعزيز رجل الدولة .. النظرة السديدة

بنظرة سديدة بعيدة المدى وبعد انتهاء ملحمة التوحيد، رسم الملك عبدالعزيز ملامح الدولة الحديثة المبنية على الأمن والأمان والعدل والعلم والمعرفة والرفاه، فكان رحمه الله يعلم يقيناً أن الدول والحضارات تبنى من خلال نشر التعليم والمعرفة بين أطياف المجتمع، وتهيئة جميع السبل لذلك، فبادر بنظرة ثاقبة ورؤية مستقبلية لإقامة المؤسسات التعليمية والثقافية والمراكز التنظيمية؛ وسارع إلى إنشاء مجلس الوكلاء، فمجلس الشورى ثم أسس صحيفة أم القرى ولم يكد يمضي إلا بعض عام من دخوله مكة المكرمة حتى أسس أول مديرية للمعارف العامة وعدداً من المدارس منها المعهد العلمي السعودي وتتابع بعد ذلك افتتاح المدارس والمعاهد لتتوج في سنة 1369هـ بافتتاح كلية الشريعة والدراسات الإسلامية ثم كلية المعلمين في سنة 1372 هـ التي أصبحت كلية التربية فيما بعد وهما نواة جامعة أم القرى ومنطلق التعليم العالي الأول بالمملكة.
يقول الدكتور الدهاس:” لقد حكم الملك عبدالعزيز أكثر من خمسين عاما ولم يكن هذا الرقم مقياساً لمدة الحكم فحسب بل كان زمناً للتوحيد والتوطين والتعليم والرقي بأطراف البلاد بعد أن كانت تتنازعها الحروب القبلية وتفرقها النزعات الطائفية وتتنازعها القوى الداخلية والخارجية”.
واهتم الملك عبد العزيز رحمه الله بمجتمعه وقبائله المختلفة وبمواطنهم مترامية الأطراف وقرر إقامة دولة وتنظيم أمورها وترسيخ الأمن في ربوعها وتأمين طرق الحج وتعمير البلاد وتوطين البادية وتثبيت كيان الدولة وتحسين علاقتها مع دول الجوار العربية والإسلامية والصديقة والوقوف إلى جانب القضايا العربية والإسلامية العادلة.
لقد استطاع الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – رحمه الله -خلال هذه الفترة النهوض بها من مجتمع بدائي يسوده الجهل والأمية إلى مجتمع يسوده التقدم العلمي والحضاري والتضامن المجتمعي، فأصبحت الجزيرة العربية تحتل مكانة متميزة في العالمين العربي والإسلامي بل والعالم أجمع.
لنصل اليوم إلى الاحتفال باليوم الوطني الـ 92، للمملكة العربية السعودية، الذي كابد من أجله بطل ملحمة التوحيد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – رحمه الله – ليوفر وطناً مترامي الأطراف يرفل كل من يعيش فوق أديم أرضه بالأمن والأمان والرخاء والحياة الهانئة الكريمة.

الملك عبدالعزيز