الدولار يتراجع أمام العملات العالمية
النفط يتجه لمكاسب أسبوعية
تنظيم محكم وبيئة آمنة ترافق ضيوف الرحمن في المشاعر المقدسة
ضيوف برنامج خادم الحرمين يحطّون رحالهم في مشعر منى لرمي جمرة العقبة
توقعات الطقس اليوم: أمطار وغبار ورياح على عدة مناطق
مشعر منى يستقبل حجاج بيت الله الحرام لرمي جمرة العقبة
المصلون يؤدون صلاة عيد الأضحى في مختلف أنحاء المملكة
الملك سلمان: ندعو الله أن يحمل عيد الأضحى الخير والسلام والمحبة لأمتنا والعالم أجمع
طريق مكة تختتم أعمالها في 8 دول بخدمة 314,337 مستفيدًا عبر 899 رحلة
ضيوف الرحمن يستقرون في مشعر مزدلفة
منذ أن نادى إبراهيم عليه السلام في الناس بالحج، والقلوب تهفو إلى البيت العتيق، تسلك دروبًا بعيدة يملؤها الشوق واليقين.. تغيرت الوسائل، وتبدلت الملامح، وبقيت الأعناق تشرئب لرؤية بيت الله المعظم، فكم من تضحيات عظمى بذلت في سبيل الوصول إليه، يفدون من شتى بقاع الأرض على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وحالاتهم المعيشية، اجتمعوا على أمل رؤية بيت الله الحرام، فكان ذلك منتهى غاياتهم وأغلى أحلامهم، وأسمى أهدافهم.
قديمًا كانت القوافل تعبر الصحارى بصمتها المهيب، وكانت مقولة: “الذاهب للحج مفقود والعائد مولود”، عنوان تلك الأسفار، وفي وقتنا الحاضر يستقبل ضيوف الرحمن بالورود، وتمضي الحشود المليونية في ظل تنظيم محكم وأمن وأمان.
في هذا السياق يروي جبار العنزي ذو الثمانين ربيعًا تجربته، حينما كانت قوافل الإبل تشق طريقها بين الأودية والصحاري؛ رغبة في تلبية نداء رب العالمين، وتأدية الركن الخامس من أركان الإسلام.
بدأت رحلة جبار حينما كان جنينًا في بطن أمه التي قررت بعد وفاة زوجها قصد مكة المكرمة وأداء فريضة الحج. انطلقت القافلة في عام 1360هـ، فيها أم جبار وشقيقها وعشرة رجال وخمس عشرة ناقة ركوبة، وفي بطنها جنين لم تعرف ملامحه بعد، وفي صحراء تبوك، خرج جبار إلى الدنيا، وبعد انقضاء شهر وعشرين يومًا وصلت القافلة إلى ميقات ذات عرق، وشرعوا في أداء مناسكهم، وحين الانتهاء من أداء الفريضة عادوا إلى ديارهم يعانون مشقة الطريق ذاتها.
مرت الأعوام تلو الأعوام، وحين بلغ جبار أربعين عامًا وتحديدًا في عام 1400هـ، عاد إلى مكة المكرمة. لم يكن على ظهر ناقة، بل برفقة أبنائه، يقودهم لأداء ركن الحج الخامس. بدأت رحلة حجهم بتجمع عائلي كبير. جهّزوا سياراتهم وخيامهم وأطعمتهم، وحينما وصلوا إلى المشاعر المقدسة كانت تنقلاتهم إما سيرًا على الأقدام، وإما عبر الحافلات المارة.
وتبدلت تلك الأحوال وشهدت الخدمات والتسهيلات المقدمة لضيوف الرحمن نقلة كبيرة، خصوصًا في وقتنا الحاضر ضمن مستهدفات رؤية المملكة 2030. يقول جزاء العنزي -الابن الأكبر لجبار- :”أديت العام الماضي 1445هـ فريضة الحج، وكان حجًا ميسرًا بفضل من الله ومنّه، ومن ثم بجهود هذه البلاد المباركة”.
سجّل جزاء العنزي بياناته عبر تطبيق “نسك”، الذي لم يكن مجرد منصة للحجز، بل بوابة متكاملة لحجٍ ذكي. السكن، التنقل، التوعية، الصحة، كلها مرتبطة بنظام رقمي شامل. وبفضل الربط الإلكتروني بين وزارتي الحج والعمرة، والصحة، أنشئ ملف صحي رقمي له ولأسرته، مرتبط بالهوية الوطنية عبر منصة “نفاذ”، يتيح لأي مركز صحي أو فرقة إسعافية الوصول إلى معلوماتهم بلحظة واحدة دون سؤال.
في كل محطة كانت هناك مياه باردة، ومظلات وافرة، وفرق طبية جاهزة، والمستشفيات مرتبطة إلكترونيًا بأنظمة ذكية تقرأ كثافة الحجيج وتوزع الخدمات تلقائيًا. سيارات الإسعاف “والهلال الأحمر” في اتصال مباشر بنقاط الطوارئ. لم يعد المرض عائقًا، ولا الفقد خطرًا. فقد أحيط الحجاج بمنظومة رقمية وإنسانية متكاملة، تتضافر فيها الوزارات والهيئات والقطاعات ذات العلاقة، وتتوحد البيانات، لتجعل من كل رحلة حج تجربة إيمانية آمنة ومطمئنة.
في مشعر منى، تذكّر الابن كيف فارق أحد رفاق والده الحياة بسبب السل في رحلة حج قديمة. نظر من حوله وشعر بالطمأنينة والسكينة. لا حالات وبائية مسجّلة، والتقارير الرسمية تؤكد السلامة والاستعداد، وفي يوم عرفة، حين رفع يديه بالدعاء، لم ينشغل بخوف من عدوى أو تعب. كانت العيادات المتنقلة والمراكز الصحية تعمل على مدار الساعة، مربوطة آليًا بمنصة القيادة الصحية. كل شيء يسير بانسيابية، بلا ازدحام في ظل خدمات تكاملية بين مختلف القطاعات التي تسخّر جميع الجهود لراحة ضيوف الرحمن انطلاقًا من توجيهات القيادة الرشيدة -أيدها الله-.
عاش جبار العنزي أكثر من ثمانية عقود، شهد خلالها تطور الخدمات والعناية ببيت الله الحرام، وصولًا إلى ما تحقق في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله- من تسهيلات نوعية جعلت أداء المناسك أكثر يُسرًا وسهولة.
واليوم، حينما شاهد جموع المسلمين وقد اكتظ بهم صعيد عرفات الطاهر، يحفهم الأمن والأمان، ارتسمت على محياه ابتسامة، ورفع يديه إلى السماء متضرعًا أن يديم الله على هذه البلاد المباركة نعمها الوفيرة، وأن يُجزل الثواب للقيادة الرشيدة لقاء ما تبذله من عطاء في خدمة ضيوف الرحمن.