الخميس ١ نوفمبر ٢٠١٨ الساعة ٩:١٧ مساءً
هي صورة ولكن

في عام 1989 أسهمت صورة لشخص مجهول يقف بثبات أمام رتل من الدبابات العسكرية في ساحة تيانامن في مدينة بكين الصينية في زيادة الحشد الشعبي لمظاهرات معارضة للدولة واصطدام عنيف مع الجيش، وفي عام 1972 كان لصورة الطفلة الفيتنامية كيم فوك أثرها البالغ في انسحاب الجيش الأمريكي من فيتنام وإنهاء الحرب عندما كانت تجري عاريةً وهي تصرخ باتجاه الكاميرا من آلام احتراق جسدها من أثر قنابل النابالم، وفي عام 1914 كانت حادثة اغتيال ولي عهد النمسا فرديناند على يد الطالب الصربي هي شرارة الحرب العالمية الأولى التي راح ضحيتها ملايين البشر على الرغم من أن التوسع الاستعماري هو السبب الكامن من وراء تلك الحرب، أما صور محرقة الهولوكوست ورغم كل مبالغاتها غير المعقولة فما زال اليهود يوظفونها بذكاء لصرف أنظار العالم عن ممارساتهم الاستيطانية وتبرير جرائمهم ضد البشرية وكسب التعاطف والدعم المالي والسياسي من دول العالم لصالح الكيان الصهيوني.
صورة ، خبر ، مقطع فيديو ، نكتة ، كاريكاتير ، جميعها مواد إعلامية قد تكون في بداياتها عفوية ولكنها قد تحدث تأثيراً ضخماً ويدور حولها الكثير من الأحداث المهمة والبعض منها صارت رموزاً وشعارات لأعمال معينة ودلالات خاصة، فزمان الكلمة أصبح ضعيفاً أمام قوة الصورة، والتاريخ الحديث تكتبه الصورة لما لها من عمق نفسي وأثر عاطفي وارتفاع نسبة مصداقيتها وسرعتها التراكمية المتزايدة في الانتشار وقدرتها على مخاطبة كل البشر وبجميع اللغات فهي بذلك تحمل في طياتها الكثير من الرسائل التي تعجز مئات الأقلام والخطب عن إيصالها بنفس درجة التأثير وخلق الرأي العام في اتجاه معين، وفي عصر التقنية الحديث وبرامج تحرير الصور والأفلام صار من السهل إنتاج الصور والمقاطع واقتصاصها وتحريرها ودبلجتها وجعلها تستند إلى شيء من الحقيقة لتظهر بالمظهر الذي يخدم اتجاه أي تيار وتوجيه مسار أي حدث، ولأن ليس كل الناس يميزون صناعة الأفلام والصور فإنه وحتى يتبين زيفها تكون قد أدت مفعولها والغرض المراد منها بشكل يتعذر معه رأب الصدع أو تلافي تداعياتها وأضرارها.
جميعنا الآن متوفر له كل أدوات الإعلام من كاميرا وسرعة قياسية للبث، واجتمع ذلك مع هوس التصوير وتحقيق السبق في النشر إلى المتلقي الجاهز بسذاجة لإعادة إرسالها دون أدنى درجة من التحقق من مصداقيتها وأبعادها التي يمكن أن تحدثها، بل والجهل المركب عند إمهارها بكلمة (منقول) والتي كان يراد بها حفظ الملكية الفكرية فصارت لادعاء عدم المسؤولية عنها، وكل ذلك يعد هدفاً ثميناً لصناع الأزمات ومن لهم مصالح في إثارة الفتن واختلاق الفوضى أو قد تؤدي إلى حالة من الإحباط والتسطيح الفكري والهبوط بمستوى الاهتمامات ويستمرئ معها المجتمع الانهزامية وخيبة الأمل.
ليست كل الحروب بالبارود والنار، بل وليست تلك الحروب التقليدية هي أهم الحروب الآن لأنها جزء من مسمى شامل يدعى الحرب، وإن أقوى أنواع الحروب هي التي يكون وقودها أبناء المجتمع المراد تدميره فتلك هي الفتاكة، وقد قامت منظمات ووزارات معنية بهذا النوع من الحروب ويعتمد فيها العدو على قاعدة قلة الثقافة وعدم الوعي الأمني، فيوجه حربه للعب على أوتار الطائفية والعرقية والمشاكل الداخلية وغموض الصورة في أذهان الشعوب لنقل الصراع إلى الداخل وفتح جبهات داخلية جديدة.

الواعي لن يجعل نفسه أنبوبا أجوف يمرر من داخله ما يريده عدوه .

[email protected]

إقرأ المزيد