“سعودي” عاش أحداث 11 سبتمبر في أمريكا يروي فصولها

الجمعة ١١ سبتمبر ٢٠١٥ الساعة ٣:٢٦ مساءً
“سعودي” عاش أحداث 11 سبتمبر في أمريكا يروي فصولها

روى الكاتب الصحفي الدكتور عبدالله بن ربيعان فصولَ أحداث 11 سبتمبر حينما كان متواجداً في أمريكا، حيث كان متواجداً هناك قبل وأثناء وبعد أحداث 11 سبتمبر.

وقال ربيعان إنه أتيحت لي الفرصة للعيش في أمريكا قبل وأثناء وبعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر)، ولأن العالم يتذكر -هذه الأيام- تلك الأحداث بعد مرور عقد كامل من حدوثها، أحب سرد الأحداث والوقائع التي مر بها السعوديون والتي ساقتهم الأقدار حينها إلى العيش في تلك البلد؛ ليكونوا شهوداً على أزمة ما زلنا نعيش آثارها السيئةَ إلى اليوم.

 

وعلى رغم بُعده عن موقع الحدث، إذ يفصل كولورادو الولاية التي عاش فيها عن موقع الأحداث في نيويورك وواشنطن دي سي مسافة أربع ساعات بالطائرة، إلا أنه شعر بنبض الشوارع الأمريكية، وردة فعل مواطنيها، حينما تعرض وطنهم لهجوم هو الأكبر في التاريخ.

 

أمريكا قبل الأحداث:

دخلت أمريكا الثالث من آذار (مارس) في عام 2001، أي قبل أحداث سبتمبر بستة أشهر وبضعة أيام، أمضيتها في دراسة اللغة الإنكليزية في معهد جامعة كولورادو في مدينة فورت كولينز، إذ وصلت برفقة الزميل عيسى العيسى إلى مطار دالاس في واشنطن في العاشرة صباحاً، وكان من المفترض أن نبقى فيها يومين لإنهاء إجراءات فتح ملف في الملحقية السعودية، إلا أننا عدلنا عن هذا؛ لعلمنا لاحقاً أن السفارة والملحقية ستكونان مغلقتين بمناسبة عيد الأضحى. اشترينا تذاكر على خطوط “اليونايتد” التي تقلع 12 ظهراً إلى “دنفر” عاصمة الولاية التي تم ابتعاثنا لها، واستغربت كثيراً حينما لم يفتح موظفو الجمارك أمتعتنا، وكل ما سألوه إن كان معنا طعام طازج؟ أومأنا برؤوسنا بالنفي ومررنا من أمامهم دون أن يلامسوا حقائبنا، وأن كنت أحمل في يدي اليسرى شنطة تفوح منها رائحة الهيل، والزعفران، وتمر.

أقلعت بنا الطائرةُ من واشنطن دي سي العاصمة باتجاه “دنفر” في تمام الـ12 ظهراً، ولم نكن نعلم شيئاً عن فارق التوقيت بين الولايات، وننتظر أن تهبط خلال ساعتين، إلا أنها مرت ثلاث ساعات ولم تهبط الطائرة، فعلق زميلي بأن قائد الطائرة أخذنا في جولة للمكسيك، وضحكت بوجل وخوف، ورمقت وجوه الركاب فإذا هي طبيعية، ولا شيء يشير إلى أمر غير طبيعي، وتجرأت بسؤال المضيفة عن السبب فشرحت لي، ولم أفهم ثلاثة أرباع ما قالته لضعف لغتي، لكنني فهمت أنه بقي ساعة على هبوط الطائرة.

وصلنا إلى “دنفر”، واستضفت لدى اثنين من أصدقائنا ليومين، وبعدها فارقت الزميل العيسى إلى مقر جامعتي في فورت كولينز لأبدأ الدراسة بعد اختبار تحديد مستوى اللغة فكان أن تم قبولي في المستوى الثاني عدت بعدها إلى دنفر في إجازة الأسبوع الأول، واشتريت سيارة لم يكن معي إلا ربع قيمتها، فطلبت من البائع أن يحجزها لي حتى أكمل باقي المبلغ، لكنه فاجأني برده: “خذ السيارة وادفع ما معك الآن وحينما تصلك الحوالة ادفع الباقي”. ودارت في رأسي ساعتها صورة بائعينا في النسيم بالرياض فإن لم تدفع كامل المبلغ فلا تحلم أن تقود السيارة ولو حتى داخل المعرض.

أخذت السيارة بعد أن علق البائع على زجاجها الخلفي رقماً كتبه على ورق من الكرتون وأعطاني كافة الأوراق والاستمارة وقال لي إن معك شهراً كاملاً لنقل ملكيتها، وبالفعل فالإجراءات الروتينية هنا أسهل مما توقعنا بكثير، ويمكن أن تقضي معظمها بالتليفون.

لفت نظري خلال هذه المدة القصيرة التي أمضيتها، هو التعامل بالثقة في ما بين الناس، وأذكر أن إحدى المدرسات في المعهد عنّفت أحد الزملاء لأنه جاء لأداء الاختبار وهو مريض فأمرته بالانصراف والراحة، إضافة إلى عدم وجود ختم رسمي في المعهد أو الجامعة أو المستشفى الملحق بالجامعة، فيكفي أن تحمل الورقة شعار الجامعة، وتذيل بالتوقيع في أسفلها، والمرة الوحيدة التي احتجت فيها الختم عندما أعادت الملحقية السعودية أوراق تعويض صرف الدواء التي أرسلتها لهم لتعويضي مالياً بحجة أنها غير مختومة.

وكان كل شيء يسير سلساً ومتناسقاً ولم نر ما يعكر صفو الدراسة، إذ أنهيت المستويين الثاني والثالث، وتوقفت الدراسة في أواخر شهر يوليو على أن نعود في نهاية شهر آب (أغسطس) لنبدأ فصلاً جديداً، واستغللت فرصة التوقف وعدت إلى المملكة لإحضار عائلتي، ورجعت إلى أمريكا بصحبة زوجتي وطفلي في السادس عشر من أغسطس قبل بداية الفصل الجديد بـ10 أيام، وكان المرور من الجمارك والجوازات لا يستغرق ثلاث دقائق أو أقل ولم نفتح أمتعتنا إلا في بيتنا بعد وصولنا مدينة فورت كولينز من جديد. بدأنا الدراسة في 25 أغسطس من نفس العام 2001.

الثلاثاء 11 سبتمبر

كان يوماً عادياً في بدايته، استيقظت في الثامنة صباحاً كعادتي، تناولت قهوتي وذهبت إلى المحاضرة، لم يلفت نظري أي جديد في الشارع ولا حركة الناس فكل الأمور كانت طبيعية وروتينيــــــة. دخلــــت المحاضرة في مبنى مجاور لمبنى معهد اللغة الرئيسي وبدأت المدرسة تشرح، إلا أن صوتها كان يعتريه بعض الحزن، لكنني لم أهتم فلعل عندها ما يضايقها ولم أكن أعلم بشيء مما حدث فليس من عادتي فتح التلفزيون باكراً.

خرجنا من المحاضرة فقابلت عند بوابة الخروج الزميل محمد غراب من اليمن الشقيق وكان يدرس معي في نفس المادة وفي نفس التوقيت، بيد أنه في شعبة أخرى، ومع مدرسة أخرى، وسألني بسرعة “عبدالله هل علمت بما حدث؟” أجبته: لا، فقال: إن أمريكا تعرضت لهجوم بالطائرات هذا الصباح، ومدرستهم كانت تبكي ولم تستطع أن تشرح شيئاً.

ظننت الأمر بسيطاً أو أنها حادثة طائرة بسيطة فذهبت وهو إلى مقر المعهد فلما دخلت ألقيت نظرة على غرفة السكرتيرة، وكان عندها في مكتبها كل المدرسات الأخريات، وبعضهن يبكي وقفت على الباب وحييتهن فرددن بصوت كله حزن وأسى. لم أسأل أحداً منهن فقد كان الوضع لا يسمح بأي حديث، فانصرفت إلى غرفة الكومبيوترات والمعمل المخصص للطلبة، فوجدت مشرف المعمل المختص قد أدار التلفزيون المعلق على الجدار على قناة “السي إن إن”، وفيها نقل مباشر للحدث. ولفت نظري مربعاً أحمر كبيراً يتوسط الشاشة كُتب بداخله (أمريكا تحت الهجوم). America under attack

كان المشهد مروعاً، فالعمارات بدأت تتساقط والناس يفرون في كل اتجاه، عرفت أن الأمر كبير وخطر، وبدأت أشعر بالخوف. تخطيتهم باتجاه الكومبيوترات المخصصة للطلاب، وكانت الساعة تقريباً هي العاشرة صباحاً في كولورادو أي 12 ظهراً في موقع الحدث في نيويورك وواشنطن دي سي. فتحت الإنترنت على المواقع العربية علّني أجد معلومات عن الحدث، لكن لا فائدة، جميعها أشار إلى الحدث، فلا أحد يدري للآن كم عدد الطائرات، والمؤكد فقط هو عمارتا التجارة الدولية، ولم تنقل التلفزيونات أي صورة من مبنى “البنتاغون” الذي عرفنا لاحقاً أنه ضرب أيضاً. جلست أقلب صفحات الإنترنت منتظراً محاضرة أخرى تبدأ 12 ظهراً، كانت تدرسها لنا مديرة المعهد “ولعلني لم أستوعب عظم الحدث جيداً في تلك اللحظة، وإلا ذهبت إلى البيت وتركت هذه المحاضرة”. حضرت مديرة المعهد واجتمعت بنا، وكانت مشاعرها مزيجاً من الفرح والبكاء، فهي فرحة لأن ابن أخيها الذي يعمل في مركز التجارة الدولية تأخر هذا اليوم في الذهاب إلى العمل واتصل بها تواً ولم يصب بأذى، وحزينة بالطبع لما وقع لبلدها من هجوم إرهابي.

بدأت الحديث لنا بأنها اجتمعت مع رؤساء الأقسام الأخرى بمدير الجامعة، وناقشوا أمر حماية الطلبة وأعطتنا أرقام هواتف شرطة الجامعة، ومكتبها وبيتها شخصياً، وقالت: “لا تترددوا في الاتصال في حال واجهتكم أية مشكلة، ونصحتنا بتقليل الخروج للأسواق إلا للضرورة وفي حال تهجم علينا أي أحد في الشارع فلنكن هادئين ولا نحاول الرد بعنف، وعدم التحدث في ما بيننا بلغة أخرى غير الإنكليزية”.

سألناها بدورنا عن الحدث وكم عدد الطائرات؟ ومن هو الفاعل؟ ولم تكن تدري بالتحديد ساعتها، لكنها أشركتنا في الحديث وسألت بدورها إن كان أحد من الطلبة قد سمع بشيء لم تسمعه، قال أحد الطلبة من كوريا إنه سمع أن هناك 8 طائرات، وقال آخر: 12 طائرة. أما الفاعل فلا أحد تحدث عنه وإن كانت نظرات الطلبة تشير إلينا كعرب ومسلمين.

ترددت في الذهاب صبيحة اليوم التالي من الأحداث إلى معهد اللغة، وهالني ما رأيته في شارعنا والشوارع التي مررت بها في طريقي، فقد أخرج الناس علم أمريكا ورفعوه على منازلهم، وعلى سياراتهم، وعلى كل زاوية في الطريق وعدت إلى البيت خائفاً، وقضيت بقية اليوم أمام التلفزيون، ولم أذهب للدراسة الخميس، وبقيت طول اليوم في المنزل.

وكان أكثر ما يخيفني هو إقفال المطارات، وأكثرت الاتصالات بالصديق غنيم المطيري، وفي كل مرة أسأله عن سفره متى تحدد، لأن فتح المطارات مهم عندي فمتى فتحت المطارات سأقرر أن كنت سأبقى أو أعود للوطن ولكن الزميل المطيري يرد في كل مرة أنه لم يأته خبر أكيد ولا يزال ينتظر.

ذهبت صباح الجمعة لمحاضرات، واستعددت للذهاب للمسجد الوحيد الذي نصلي فيه الجمعة، وعندما وصلت شاهدت 400 شخص يطوقون مسجدنا الصغير من الخارج من كل اتجاه فانتابني الخوف ليس على نفسي، فأنا لم أدخل بعد ولكن على الزملاء داخل المسجد، واطمأننت حينما رأيت ثلاث سيارات شرطة تقف إلى جوار المسجد من ثلاثة اتجاهات، وترجلت واخترقت الزحام ودخلت المسجد وزادت طمأنينتي حينما شاهدت بعضهم يحمل الورد في يده وعرفت أنهم جاؤوا لمساندتنا وليس لشيء آخر مما توقعت.

دخلت المسجد وإذا ستة من رجال الشرطة يقفون خلف الصفوف يحرسونهم، وعندما خرجنا انطلقت علينا الجموع الغفيرة من كل اتجاه وسلموا علينا وعانقونا وارتجل بعضهم كلمات طيبة بحقنا وأننا جزء من هذا المجتمع ولسنا مسؤولين عما وقع من أحداث، وأهدونا باقات الورد وأخذنا نتحدث معهم ورحبنا بهم وشكرناهم على مساندتهم لنا.

واستمر حضور رجال الأمن إلى مسجدنا أربع جُمع متتالية لتفتيش المسجد وحراستنا حتى ننتهي من الصلاة، فقد وجد القائمون على المسجد ثلاث رسائل هاتفية تهدد بتفجير المسجد والاعتداء عليه فكان أن بلغوا الشرطة، التي قامت بواجبها نحونا.

عرضت التلفزيونات يومها زيارة الرئيس الأمريكي الرئيس بوش لفرق الإنقاذ في مواقع الأحداث في نيويورك بعد أن ألقى في ذلك اليوم خطاباً للأمة أعلن أن البلد في حال حرب ستطول حتى يعاقب الفاعلين، وتوالت بعدها خطابات الرئيس الأمريكي التي يؤكد فيها أن الحرب ليست ضد الإسلام وإنما ستكون ضد هؤلاء المسؤولين عن الهجوم، وأذكر أنه قطع أحد خطاباته ورحب بامرأة مسلمة كانت تلبس الحجاب ضمن الحضور، وقال كلاماً طيباً في حقها وفي حق المسلمين، وهذا ربما ساعد على امتصاص غليان الشارع هنا.

أمريكا تعلن “الحرب على الإرهاب”

بعد 10 أيام تقريباً غيّرت القنوات الإخبارية اللوحة التي تظهر على شاشتها من “هجوم إرهابي” إلى “الحرب على الإرهاب” وبزغ نجم حاكم نيويورك في وقتها رودي جولياني فقد كانت له لقاءات شبه يومية مع معظم القنوات، وألَّف كتاباً حظي بإقبال كبير بعد أن انتهت فترة عمله كحاكم لنيويورك. وأصبحت مصطلحات مثل “الوهابية” و”الجهاد” و”الحجاب” تتداول باستمرار على شاشات هذه القنوات، واستضافت القنوات بكثافة الأمريكيين ذوي الأصول العربية والمسلمة، للحديث عن تنظيم القاعدة الذي خرج زعيمه على قناة الجزيرة بشريطه الأول وأتبعه بالثاني وتتابعت الأشرطة حتى لم يبق أي مجال للتشكيك في ماهية الفاعلين.

كما فتحت هذه القنوات أبوابها لعدد من المستشرقين وأساتذة التاريخ، وتطرق بعضهم للإسلام بهجوم عنيف عمداً أو جهلاً، واستل بعضهم بعض الآيات الكريمة من القرآن التي نزلت في الجهاد دون فهم لنصها أو سبب ومناسبة نزولها، وظهر الحقد الدفين على ألسنة البعض كالذي نادى بالهجوم على الكعبة الشريفة بالقنابل أو من وصف العرب بالخنازير والحشرات وكان كل هذا يشعرنا بعدم تقبل المجتمع لنا ويزيد قلقنا وتوترنا.

بعد فترة قصيرة سقطت طائرة اليونايتد فوق حي في نيويورك فأحسسنا بالقلق أكثر إلا أن خوفنا تلاشى بعد أن أعلن أن السقوط نشأ لخلل تقني وليس هجوماً مدبراً، ثم تم القبض على صاحب الحذاء المفخخ إلا أنه بقي حادثاً فردياً، وإن كان صاحبه مسلماً وهو ما زاد شعورنا بالاضطراب.

 

بعد إعلان أسماء المعتدين… أصبحنا في “رعب”

أذاعت نشرات الأخبار أسماء المفجرين وجنسياتهم، واندهشنا حينما علمنا أن 15 شخصاً منهم سعوديون، فقد كان لنا وضعنا الخاص في أمريكا، واتصل والدي محاولاً إقناعي بالرجوع خوفاً عليّ وعلى عائلتي فقلت له إن المطارات مقفلة في حينها، ونحن لم نرَ ما يخيفنا، وساءت الأمور فلكل حادث حديث، حينما أعلنت نشرات الأخبار القبض على سعوديين منهم الدكتور بدر الحازمي، وأخذوا يعرضون صورته على الشاشات مراراً وهو ما زاد قلقنا وخوفنا.

بعد عمليات القبض على أبناء جلدتنا، وأصبح السعوديون يتبادلون الرسائل الإلكترونية التي لا تسرّ عن ضرب زميل لنا في حديقة منزله بينما هو جالس يذاكر، وقتل أحد السيخ الهنود لأنه كان يلبس عمامة تشبه العمامة العربية، والقبض على مجموعة هنا وهناك، وقنابل وجدت في المساجد، وكانت هذه الأخبار تشعرنا بالقلق وإن لم نر شيئاً في مدينتنا.

تعاملت الملحقية مع الحدث، وفتحت أبوابها وجعلوا لكل ولاية أو اثنتين موظفاً مسؤولاً عن طلبتها زودونا بأرقام هواتفهم الخاصة وفاكساتهم وأرقام مكاتبهم وأرسلوا لنا نصائح يجب أتباعها بدقة في هذه الظروف العسيرة.

كنت حريصاً أن أتصل على غنيم المطيري باستمرار فهو حزم شنطه ويبحث عن أية رحلة مغادرة، وعملت له السفارة حجزاً على الخطوط السويسرية يوم الخميس وخرج من مطار بوسطن – أي بعد الحدث بـ10 أيام، اطمأننت قليلاً لأن الخطوط عاودت الطيران فأنا أستطيع الخروج من أمريكا في أي وقت أشاء الآن، ولكني قررت أن لا أخرج فالفصل الدراسي في منتصفه تقريباً وسأضطر لو خرجت لحذف المواد وإعادة دراستها من جديد عندما أرجع.

وترد علينا أيضاً زوار الفجر من أجهزة الاستخبارات والشرطة وإن لم يزوروني شخصياً بزياراتهم إلا أنهم تفقدوا مجموعة من الزملاء هنا، بدءاً بنائب رئيس النادي السعودي وبعض الزملاء في مدينتنا، بيد أنهم يقدمون الاعتذارات، واقتصار مهمتهم على رؤية الأوراق الرسمية والتأكد من مشروعية الإقامة في أمريكا متبوعة ببعض الأسئلة عن معرفتهم بأحد المتهمين في إسقاط الطائرات على أبراج نيويورك وواشنطن.

 

زيارة الملك عبدالله أنقذتنا

جاءت زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز (عندما كان ولياً للعهد حينها) إلى أمريكا ومقابلته الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش الابن في مزرعته في تكساس لتشعرنا بالاطمئنان أكثر، فهو لا بد أن يبحث مع الرئيس الأمريكي مسألة أمن المواطنين السعوديين هنا، وحظيت هذه الزيارة بتغطية إعلامية كبيرة، خصوصاً أنها الأولى لمسؤول سعودي بعد أحداث سبتمبر، وما أعقبها من أخذ ورد حول موقف السعودية من هذه الهجمات.

واستمرت الأمور شبه هادئة لا يعكرها إلا خبر القبض على شخص هنا وآخر هناك ممن يشتبه في تورطهم في دعم الإرهاب ومساندته، كما تعرض بعض الزملاء الذين عادوا في إجازة الصيف ذلك العام إلى تأخير حصولهم على “التأشيرة” مرة أخرى لمواصلة دراستهم نتيجة لإعادة ترتيب إجراءاتها.

وصدر بعدها قرار ضرورة التسجيل لدى إدارات الهجرة في المدن المختلفة، وعينت السفارة السعودية محامين لمرافقة الطلبة عند التسجيل ومراجعة أوراقهم قبل الذهاب إلى التسجيل كما تكفلت بدفع مبلغ الكفالة عن أي طالب لأن من دخل ووجد لديه أية نقص أو مخالفة فلن يخرج إلا بدفع كفالة مالية، وسارت أمور التسجيل طبيعية إلا أن تشابه أسماء العائلات أوقع بعض الزملاء في مشكلة. أذكر أن أحد الزملاء تم القبض عليه لأن اسمه الرباعي وتاريخ ميلاده كان مطابقاً لأحد المطلوبين، وأفهمهم أن تاريخ الميلاد للسعوديين الذين لا يملكون شهادات ميلاد يوضع افتراضاً في منتصف السنة الهجرية 1/7، وعندما يتم تحويله للميلادي فسيكون مطابقاً، وكأن معظم السعوديين ولدوا في يوم واحد، أما الأسماء فالقبيلة الواحدة يحمل اسمها أكثر من عشرة أو عشرين ألف شخص، ولاحظوا بعض الفوارق بينه وبين الشخص المطلوب فأطلق سراحه، كما تم التشديد على وجوب تسجيل الحد الأدنى من الساعات لكل فصل دراسي.

وعانيت شخصياً من تشابه الأسماء، إذ أوقفت لشهرين في مطار دنفر عندما كنت في رحلة داخلية إلى كاليفورنيا، ولم تطل مدة الإيقاف بعد أن عادوا للملفات ووجدوا فارقاً في العمر ورقم الجواز بيني وبين الشخص المطلوب، إذ التشابه في الاسمين الأول والأخير فقط. واستمرت الأمور هادئة حتى تخرجت وعدت للوطن في 2004.

 

دور إعلامي بارز لإيضاح الإسلام

قامت حكومة المملكة بحملة إعلامية لإيضاح الصورة الحقيقية للإسلام، ونشرت مقتطفات عن الإسلام الصحيح وعن السعودية وسياساتها في مجلتي “التايم” و”نيوزويك” الأسبوعيتين، وبرز سفير المملكة حالياً في واشنطن عادل الجبير خلال اللقاءات مع القنوات الإخبارية الأمريكية، ومؤتمراته الصحفية بقوة حجته ومقدرته على المحاورة، وتمكنه الكبير من استخدام اللغة الإنكليزية حتى أصبح وجهاً مألوفاً لم يعد يحتاج إلى تقديمه للمشاهد الأمريكي، وقادراً على إعطاء إجابات مقنعة ووافية مع ما في بعض الأسئلة من الحساسية وأحياناً الاستفزاز.

بدأت الحرب في أفغانستان وانشغلت القنوات بتغطية الحرب، وقللت برامجها الحوارية عن أحداث سبتمبر وهو ما جعلنا نعود لحياتنا السابقة مع بعض الحذر، إذ بدأ الناس هنا العودة إلى حياتهم الطبيعية وأزيلت أعلام أمريكا من على البيوت والسيارات، وهدأت العاصفة وعاد كل شيء إلى وضعه السابق ولم نعد نحس بالفارق بين أمريكا قبل وبعد 11 سبتمبر، إلا عند العبور من المنافذ الرئيسية والمطارات، إذ التشديد في التفتيش وطول صفوف الانتظار عند هذه المعابر وفرض التسجيل لدى دوائر الهجرة كل عام، وهو ما كانت دول الخليج عموماً مستثناة منه، كما أصبح لزاماً على الشخص أن يزود هذه الدوائر بعنوانه الثابت في أمريكا خلال شهر من دخوله البلاد وخلال عشرة أيام فيما لو تغير عنوانه.