هل يدق الانسحاب الأميركي من المعاهدة النووية طبول الحرب من جديد؟

الإثنين ٢٢ أكتوبر ٢٠١٨ الساعة ١٠:١٥ مساءً
هل يدق الانسحاب الأميركي من المعاهدة النووية طبول الحرب من جديد؟

في تطور خطير رآه خبراء ضربة قوية للاستقرار الإستراتيجي في العالم، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحاب بلاده من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى متهمًا روسيا بتطوير صواريخ جديدة تتيح لها الهجوم على دول حلف الناتو خلال فترة قصيرة.

لم يكن انسحاب ترامب من المعاهدة بالأمر الجديد فمنذ توليه منصبه منذ عامين انسحب الرئيس الأميركي من عدة اتفاقات أبرمتها بلاده من قبل، حيث أعلن انسحابه من معاهدة باريس للمناخ فضلًا عن الاتفاق النووي المبرم مع إيران.

تفاصيل المعاهدة:

في 8 ديسمبر 1987 وقع الرئيس الأميركي رونالد ريجان مع رئيس الاتحاد السوفيتي سابقًا ميخائيل غورباتشوف معاهدة القوى النووية متوسطة المدى.

تمكنت المعاهدة أن تضع حدًّا للأزمة التي اندلعت في الثمانينات عقب نشر الاتحاد السوفيتي لصواريخ إس. إس – 20 النووية التي كانت تستهدف عواصم أوربية بإلغاء فئة كاملة من الصواريخ يراوح مداها 500 و5000 كم.

بدأ الاتحاد السوفيتي بتنفيذ بنود المعاهدة بشكل كامل منذ 1991، حيث قام بتدمير 1792 صاروخًا في مقابل 859 صاروخًا دمرتهم الولايات المتحدة.

ونصت المعاهدة على أحقية كل طرف في فسخ المعاهدة بعد تقديم أدلة مقنعة تثبت الحاجة للخروج منها، حيث إن المعاهدة لم تكن محددة المدة.

واشنطن.. العين بالعين:

أخذت الإدارة الأميركية على روسيا قيامها بنشر منظومة صاروخية من طراز 9 إم 729 التي يتجاوز مداها وفقًا لواشنطن 500 كم الأمر الذي رأته الأخيرة انتهاكًا للمعاهدة.

وعلى طريقة العين بالعين قررت أميركا الانسحاب من المعاهدة، وفي مدينة إلكو بصحراء نيفادا وقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمام حشد من الصحافيين ليوجه اتهامه إلى روسيا قائلًا: “روسيا لم تحترم المعاهدة، وبالتالي فإننا سننهي الاتفاقية وسنطور هذه الأسلحة”.

وبرر ترامب سبب الانسحاب قائلًا: “نحن لن نسمح لهم بانتهاك اتفاقية نووية والخروج وتصنيع أسلحة في حين أنّنا ممنوعون من ذلك، نحن بقينا في الاتفاقية واحترمناها، ولكن موسكو للأسف لم تحترمها”.

روسيا.. البادئ أظلم:

في المقابل أنكر الجانب الروسي الاتهامات الأميركية، وكان قرار ترامب صادمًا بالنسبة للكرملين.

وعلى طريقة البادئ أظلم أكدت موسكو أنها مضطرة للرد بالمثل في حال بدأت واشنطن تطوير صواريخ جديدة عقب الانسحاب من معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى، مشيرةً أنها “لن تكون البادئة في مهاجمة أحد”.

واتهمت روسيا واشنطن بتعمد تقويض معاهدة وقعت منذ سنوات، بغية تحقيق ما أسمته بـ”الهيمنة” الأميركية معتبرة القرار ترسيخ للسلطة الأميركية، فواشنطن تحلم بأن تكون الوحيدة المهيمنة على العالم.

وعلق سيرجي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي على القرار قائلًا: “ستكون هذه خطوة خطيرة جدًّا، وستثير استنكارا حادًّا”، مؤكدًا أن المعاهدة مهمة للأمن العالمي في أجواء سباق التسلح، ومن أجل الحفاظ على الاستقرار الإستراتيجي.

ووصف ريابكوف القرار الأميركي بالسلوك “الفظ”، لافتًا إلى أنها محاولات ابتزاز لتقديم تنازلات ومتوعدًا باتخاذ خطوات قوية للرد.

في غضون ذلك قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف: “إن الخطوة الأميركية ستجعل العالم أكثر خطورة”، مضيفًا أن “موسكو ستضطر للتحرك من أجل استعادة توازن القوة العسكرية إذا انسحبت واشنطن من المعاهدة وشرعت في تطوير صواريخ جديدة”، مشددًا على أن روسيا “لا تعتبر أنها تملك الحق في أن تكون البادئة بشن هجوم”.

من جانبه أكد ميخائيل غورباتشوف بأن خطط أميركا للخروج من المعاهدة غير مقبولة، مشددًا على أن اعتماد القرارات الموجودة في الوثيقة كان إنجازًا عظيمة على حد قوله.

ووصف السيناتور الروسي أليكسي بوشكوف قرار ترامب بالانسحاب بأنه “ثاني ضربة قوية تتلقّاها منظومة الاستقرار الإستراتيجي في العالم” بعد انسحاب واشنطن من “معاهدة الحد من الصواريخ المضادة للباليستية” في 2001.

الرجل الخفي:

وينتظر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف لإلحاح توضيحات من جون بولتون مستشار البيت الأبيض للأمن القومي.

ومن المقرر أن يذهب بولتون إلى موسكو الاثنين في زيارة كانت مقررة سلفًا أعلن ترامب قبلها قراره بالانسحاب.

وأضفى ترامب على زيارة بولتون مزيدًا من الأهمية في وقت تعاني فيه العلاقات بين البلدين من توترات حادة.

ويعد بولتون أحد صقور إدارة ترامب والمعروف بمواقفه المتشدد في الملفات الخارجية عضوًا فعالًا في قرار ترامب الأخير.

وتقول صحيفة “الجارديان” البريطانية: إن بولتون هو نفسه من ضغط على ترامب للانسحاب من معاهدة الأسلحة النووية المتوسطة المدى، كما أنه يعرقل أي مفاوضات لتمديد معاهدة “نيو ستارت” حول الصواريخ الإستراتيجية.

وكان بولتون في مقدمة المطالبين بالانسحاب من الاتفاق النووي الذي وقع في 2015 بين إيران ومجموعة الدول الـ6 الكبرى لمنعها من امتلاك سلاح نووي، ولم يتردد الرجل في إعلان اقتناعه بوجوب أن تشن واشنطن ضربة عسكرية على كوريا الشمالية بدلًا من خيار التفاوض، فضلًا عن تأييده لتوسيع العقوبات على موسكو التي تتهمها واشنطن بالتدخل في الانتخابات الأميركية.

مخاوف وانتقادات:

أثار قرار ترامب العديد من المخاوف والانتقادات، خاصة تلك المتعلقة بتسارع السباق المحموم في تطوير وإنتاج أسلحة نووية لدى المعسكرين الشرقي والغربي.

وشدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على أهمية معاهدة الأسلحة النووية المتوسطة المدى التي وقعت خلال الحرب الباردة في اتصال هاتفي مع نظيره الأميركي دونالد ترامب.

وفي ذات السياق أعربت ألمانيا عن أسفها لقرار ترامب بالانسحاب، مشيرة إلى ضرورة التشاور بين شركاء حلف شمال الأطلسي بشأن عواقب القرار الأميركي.

في غضون ذلك اعتبرت الصين الزج باسمها في أسباب انسحاب واشنطن من معاهدة الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى أمرًا خاطئًا تمامًا.

وحسب مراقبين فإن ترامب بانسحابه غير المسؤول من المعاهدة قد وضع إيرث معاهدة ريجان في مهب الريح.

ووفقًا لمحللين قد يدفع الانسحاب من المعاهدة الصين إلى تطوير أسلحة نووية متوسطة المدى دون قيود، لاسيما أنها لم توقع على الاتفاق، مما سيؤدي إلى تبعات ضخمة على السياسة الدفاعية الأميركية في آسيا، لاسيما الصين التي يخوض ترامب ضدها حربًا تجارية.

ويرى العديد من الخبراء أن خيار الاستمرار في المفاوضات في إقناع روسيا بالعودة للالتزام بالمعاهدة كان أقرب للمنطق وأكثر نفعًا، لاسيما أن القرار الأميركي من شأنه أن يشحن الروس ويعقد الموقف ويهدد أمن المنطقة بأسرها.