من أجل المشاركة والمواساة والإعانة بعد الكارثة

صناعة الإنسانية أمر لا ينتظر الفجائع وعلى الإعلام البحث بالمواقع المنسية

الثلاثاء ١٤ فبراير ٢٠٢٣ الساعة ١٠:٥٢ صباحاً
صناعة الإنسانية أمر لا ينتظر الفجائع وعلى الإعلام البحث بالمواقع المنسية
المواطن - فريق التحرير

أكد الكاتب والإعلامي عبده الأسمري أن صناعة الإنسانية أمر لا ينتظر الفجائع فيتم التحرك للإنقاذ من أجل المشاركة والمواساة والإعانة بعد الكارثة فحسب بل إن ما حدث في الدول التي تعرضت للزلازل يحتم إيقاظ صوت الضمير في الحكومات وإعلاء راية التحدي للمنظمات الإنسانية والتي ظل دورها في سنوات خلت على إعانات بائسة مقترنة بالفلاشات البغيضة.

وأضاف في مقال له بصحيفة “الجزيرة”، بعنوان “صناعة الإنسانية، هل ننتظر الفجائع؟” : “لا تردد أعلى دوياً مما يتركه صوت «الضمير» الإنساني الحي اليقظ الذي يجب أن يكون حاضراً في كل اتجاهات «الإنسانية» التي تقتضي توظيف أصول «التكافل» وتسخير فصول «التعاضد» في رسم أبهى حالات «العون» ومجالات «الغوث» بين المسلمين لأنهم كالجسد الواحد الذي يتألم لآلام الأجزاء الأخرى..”.

قصة الطفل ريان

وتابع الكاتب”نتذكر جميعاً قصة الطفل المغربي «ريان» رحمه الله الذي أيقظ ضمير العالم وتجمعت عدسات الفضائيات وتسمرت آليات الإنقاذ في موقع محدود ولهدف معين استمر أياماً وليالي وجاء صوت العون ليوحد البشر في قضية «طفل» كان بمثابة «الإنذار» ومثوبة «التحذير» الذي جعل الأعين تدمع والأكف تدعي والقلوب تتألم لحادثة بدأت بحادث عارض وانتهت بحدث عريض..على وجه هذه الأرض أطفال جوعى ونساء ثكلى وشيوخ دامعون وأمهات باكيات ومشردون في العراء وصبية يأكلون من النفايات وهنالك الكثير من جمر المعاناة تحت رماد النسيان والذي تتحمل مسؤوليته منصات الإعلام ومحافل الأغنياء وخطط المنظمات الإنسانية وقرارات الحكومات المعنية”.

وأضاف “في أصقاع هذه الأرض أطفال ماتوا من البرد والجوع في المخيمات وأسر تعيش تحت وطأة «شتاء» مؤلم و»جوع» أليم وعلى كيلومترات منها تقام الاحتفالات والمناسبات والأعراس على أصوات المآتم المجاورة”.

وواصل الكاتب بقوله “ما شهدته دول تركيا وسوريا ولبنان الشقيقة من زلازل حولت أراضيها إلى كتل من الدمار اختلطت فيه أجساد البشر بأعمدة الخرسانة والأسمنت دفع الآلاف إلى ترك منازلهم هرباً من زلزلة أرض جاءت بقدر إلهي لا مكان للقدرة البشرية أو التقنية الحديثة ولا أي حيلة لإيقاف هزات تكمل أبعادها ودرجاتها وفق قدر معلوم”.

تحركت دول العالم ورأينا البسطاء والعابرين والسائرين كأول جيوش إنقاذ حفروا بأياديهم الأرض وأدخلوا أجسادهم بين الحديد لأنهم الأكثر إحساساً بالمعاناة والأعلى تعرضاً للوجع ثم جاءت المبادرات الدولية في مرحلة ثانية لتعزز دور «الضمير» الإنساني الذي تحدث ونطق بعد الفواجع فتحركت الطائرات وجاءت المساعدات وتواجدت الآليات ولكن هنالك العديد من المتألمين تحت سطح الأرض وهنالك الكثير من الضحايا في قعر الدمار والعديد من الآهات التي دوت وانقطعت وأخرى ارتفعت ثم اختفت.

تكتظ وسائل التواصل ووسائط التقنية بالكثير من «المقاطع» الدامية في إخراج رضيع أو دفن أسرة أو تشييع طفل أو إنقاذ امرأة أو نجاة عائلة وكل ذلك يعتصر القلب ويدمي الفؤاد ويبكي العين ويجعلنا في حقيقة حتمية لإعادة «النظر» في قيمة هذه الدنيا ومقام الإنسان فيها وقامة «الضمير» الشامخة التي توظفها معاني العطف والإحسان والمروءة والعون والتعاضد والمواساة.

الزلازل وما حملته من دروس

تلك الزلازل وما حملته من دروس ربانية كانت رسائل ذات عناوين واضحة ومضامين مباشرة شاهدناها في «ميادين» كانت تعج بالحياة الهادئة ثم تحولت إلى مدافن تمتلئ بصيحات خليطة بين النجاة والاستجداء وآهات متداخلة ما بين حياة باقية أو موت وشيك وتبدلت المنازل السامقة لتتهاوى وتتساوى مع الأرض ليبرز معنى «الضعف» الآدمي في حادثة كونية استمرت ساعات وستظل حدثاً موشوماً في ذاكرة «الأنين».

تحركت الفضائيات بمعداتها وآلياتها بحثاً عن «قصص» الدمار و»طرائق» الإغاثة ورصد المشاهد الشعبية والتحركات الحكومية بعد الفاجعة ولكنها كانت تغيب عن التركيز على مآسٍ مماثلة في مناطق كانت تعيش ولا تزال في زلازل يومية من العوز وهزات جسدية من المرض وارتدادات ذاتية من الفقر لأنها تنقلها من باب العرض لا من أجل صناعة الهدف الإنساني بتركيز واستدامة تجعل الضمير العالمي والإسلامي تحديداً في حالة من «اليقظة» المنتهية بالوقفة العاجلة والإعانة الصادقة.

مؤتمرات وندوات واجتماعات عربية وإسلامية ودولية ملء السمع والبصر خلت أجنداتها من صناعة الإنسانية الحقة ولكنها ركزت على الاستثمار والتقنية والحروب والصناعة وغفلت كثيراً عن «معاهدات» و»اتفاقيات» و»حلول» عاجلة لطمس ملامح الفقر المؤلمة عن هذا الكوكب الذي يستضيء بصوت الضمير وصدى العون فالملايين يموتون سنوياً من الجوع والمرض يتربص بأجساد ملايين في قارات من العالم وهذه فواجع حاضرة ومصائب واضحة مدعومة بالأرقام والصور والمشاهد الحية والوقائع الحقيقية, فأين التعاون الإنساني ولماذا غابت الضمائر وتوارت خلف ستار النسيان.

صناعة الإنسانية

وأكد الكاتب أن صناعة الإنسانية أمر لا ينتظر الفجائع فيتم التحرك للإنقاذ من أجل المشاركة والمواساة والإعانة بعد الكارثة فحسب بل إن ما حدث في الدول التي تعرضت للزلازل يحتم إيقاظ صوت الضمير في الحكومات وإعلاء راية التحدي للمنظمات الإنسانية والتي ظل دورها في سنوات خلت على إعانات بائسة مقترنة بالفلاشات البغيضة.

وختم الكاتب بقوله على الإعلام بكل اتجاهاته أن يبحث عن الكثير من الجمر المتقد في مواقع منسية مكتظة بالبشر خلف ركام التجاهل لإظهاره وإبرازه حتى نرى التعاون الإنساني في كل الاتجاهات والأبعاد ومن الضرورة أن تعقد الاجتماعات على مستويات إقليمية ودولية لتوقيع الاتفاقيات الإنسانية قبل التنموية لمواجهة الفجائع ومجابهة المصائب والاستعداد اللازم لإعانة الشعوب وإنقاذ المجتمعات.