انضمام الرياض يمثابة خطوة إيجابية

السعودية و”بريكس”..التوسع والتموضع.. زمن تعظيم التحالفات.. ورفض الاملاءات

الأربعاء ٢٦ يوليو ٢٠٢٣ الساعة ١١:٤٧ مساءً
السعودية و”بريكس”..التوسع والتموضع.. زمن تعظيم التحالفات.. ورفض الاملاءات
أستمع للمقال بالصوت

المواطن -كتب : فهيم الحامد

ارتفعت أسهم “مجموعة بريكس” عالميًا بشكل متصاعد، وأضحت هذه المجموعة من التكتلات الدولية المهمة الصاعدة فى هيكل النظام الدولي، بعد الحرب الروسية الأوكرانية، حيث نشأ هذا التكتل لإقامة نظام عالمى مُتعدد الأقطاب، وتحقيق التوازن الدولي، والخروج من سيطرة القوى الغربية الاقتصادية والجيوسياسية.

القطبية السياسية والاقتصادية

وأضحت العديد من الدول أنها تبحث عن الانضمام إلى هذا التكتل الذي يحقق نوعاً من القطبية السياسية والاقتصادية ويعيد التوازن الجيوستراتيجي العالمي وتعدد الأقطاب في المشهد العالمي.

وتهدف مجموعة “بريكس” التي تتضمن كلاً من الهند والبرازيل وروسيا والصين وجنوب إفريقيا، إلى تشكيل قوى متعددة الأقطاب في ظل التنافس الجيوستراتيجي المحموم بين القوى الكبرى على النفوذ في العالم، حيث تموضعت مجموعة “بريكس” (BRICS) الذي انطلقت فكرة تأسيسها في سبتمبر 2006، حينما عُقد أول اجتماع وزاري لوزراء خارجية البرازيل وروسيا والهند والصين على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وتتهيأ عدد من الدول للحصول على عضوية مراقب والعضوية الكاملة في هذه المجموعة .

قمة جنوب إفريقيا محورية

ولم تستبعد مصادر جنوب إفريقية انضمام السعودية لهذا التجمع في قمة مجموعة بريكس التي ستعقد في شهر أغسطس القادم في جنوب إفريقيا خاصة أن وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان شارك في الاجتماع الوزاري لأصدقاء مجموعة “بريكس” والذي عقد مؤخرًا بمدينة كيب تاون تحت شعار “شراكة من أجل النمو المتسارع والتنمية المستدامة والتعددية الشاملة”.

بريكس

تعاون سعودي مع بريكس

وأكد وزير الخارجية في كلمته بالاجتماع، أن السعودية حريصة على تطوير التعاون المستقبلي مع مجموعة “بريكس” من خلال الاستفادة من القدرات والإمكانيات التي تمتلكها السعودية ودول “بريكس” بهدف تلبية المصالح المشتركة وتحقيق الازدهار للجميع.

ولفت إلى أن السعودية لا تزال أكبر شريك تجاري لمجموعة بريكس في الشرق الأوسط، والعلاقات التجارية مع دول البريكس شهدت نمواً كبيراً يعكس العلاقات المتنامية والمتطورة مع دول المجموعة، حيث ارتفع إجمالي التجارة الثنائية مع دول المجموعة من 81 مليار دولار في عام 2017م إلى 128 مليار دولار في عام 2021م، وتجاوز 160 مليار دولار في عام 2022م.

وأوضح وزير الخارجية أن السعودية تتشارك مع دول مجموعة “بريكس” قيمًا أساسية، وهي الإيمان بأن العلاقات بين الدول تقوم على مبادئ احترام السيادة وعدم التدخل والتمسك بالقانون الدولي، ووجود أطر عمل متعددة الأطراف وعمل جماعي كنقاط مرجعية لمواجهة التحديات المشتركة، مضيفاً أن السعودية تتشارك أيضاً مع دول “بريكس” الإيمان بأهمية السلام والأمن والاستقرار من أجل إعادة تركيز الجهود نحو التنمية الوطنية والازدهار المشترك.

وتلقت السعودية دعوة رسمية لحضور قمة ⁧منظمة بريكس‬⁩ المُقامة في ⁧‫جنوب إفريقيا‬⁩، نهاية أغسطس القادم.

انضمام السعودية خطوة استراتيجيةً

وأكد محللون أن انضمام السعودية إلى مجموعة «بريكس» سيكون يمثابة خطوة إيجابية للسعودية وللمجموعة وسيعطيها فرصة لتعزيز شراكاتها مع مجموعة بريكس الصاعدة وتعزيز علاقاتها التجارية والاقتصادية مع الدول الأعضاء في إطار المجموعة وتعظيم تموضعها في المجموعات العالمية.

وتعتزم بريكس اعتماد قرارها بشأن قبول أعضاء جدد، فضلاً عن تحديد المعايير التي سيتعين على الدول الراغبة في الانضمام للتحالف تلبيتها، والتي من بينها السعودية، ودول أخرى تقدمت بطلب رسمي للانضمام إلى التحالف، وفقاً لسفير جنوب أفريقيا في “بريكس”.

وتسعى المجموعة منذ نشأتها إلى تغيير اتجاه القوة الاقتصادية من اتجاه واحد إلى اتجاهات عدة، وتمتلك أهمية كبيرة في تشكيلها لنحو 41 في المائة من إجمالي سكان العالم، و29 في المائة من مساحة العالم، وكذلك وجود أعضائها ضمن مجموعة العشرين والتي تمثل أكبر 20 نمواً اقتصاديًا في العالم.

وليس هناك رأيان لأن انضمام السعودية لبريكس، سيفتح أمام اقتصاد السعودية والأسواق الخليجية مسارات جديدة وفرصًا كبيرة في التوسع والتموضع، وسيزيد من الاستقرار الاقتصادي عالمياً، كما ستكون السعودية لاعباً مهماً جداً بين دول المجموعة خصوصاً في تجارة النفط والغاز والتي تشكل 30 في المائة من الصادرات السعودية للأسواق العالمية.

وانضمت السعودية في مارس الماضي إلى منظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي والأمني كمراقب، وهو ما يؤكد قوة ومتانة الاقتصاد السعودي وما تتمتع به السعودية من قدرة وحكمة في إدارة علاقاتها مع الجميع والتوازن في مصالحها من أجل تحقيق الأهداف الاستراتيجية لرؤية 2030 مع الحفاظ مع علاقاتها الاستراتيجية مع الغرب، إذ تحرص السعودية في تعظيم علاقاتها شرقًا وغربًا بما يحقق مصالحها أولًا وأخيرًا.

أسرع نمو اقتصادي

ويضم التكتل 5 دول تعد صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم، وكلمة “بريكس” (BRICS) بالإنجليزية عبارة عن اختصار يضم الحروف الأولى لأسماء هذه الدول.

وأصبحت مجموعة بريكس أحد أهم التكتلات الاقتصادية والجيوسياسية في العالم، نظرًا لأرقام النمو التي باتت تحققها دول هذا التكتل مع توالي السنوات، مما جعلها محط اهتمام عديد من الدول الأخرى، التي ما فتئت ترغب في الانضمام إلى التكتل.

ومع انضمام جنوب إفريقيا إلى هذا التكتل، بمناسبة القمة الثالثة للمجموعة، التي عقدت في الصين يوم 14 أبريل 2011، غيّرت المجموعة اسمها إلى كلمة “بريكس” عوضًا عن “بريك”.

وصيغ مصطلح “بريك” لأول مرة عام 2001، من طرف جيم أونيل كبير الخبراء الاقتصاديين في مؤسسة الخدمات المالية والاستثمارية الأمريكية “غولدمان ساكس” (Goldman Sachs)، وذلك في أثناء دراسته وصف الأسواق الناشئة في الدول الأربع المؤسسة للمجموعة، التي كانت تحقق معدلات نمو كبيرة على مستوى الإنتاج العالمي في الفترة ما بين 2000 و2008.

وتشكّل دول مجموعة بريكس مجتمعة نحو 40% من مساحة العالم، ويعيش فيها أكثر من 40% من سكان الكرة الأرضية، حيث تضم أكبر 5 دول مساحة في العالم وأكثرها كثافة سكانية، وهي بذلك تهدف إلى أن تصبح قوة اقتصادية عالمية قادرة على منافسة “مجموعة السبع” (G7) التي تستحوذ على 60% من الثروة العالمية.

وهذا ما تثبته الأرقام الصادرة عن مجموعة بريكس، التي تكشف عن تفوقها لأول مرة على دول مجموعة السبع، فقد وصلت مساهمة مجموعة بريكس في الاقتصاد العالمي إلى 31.5%، بينما توقفت مساهمة مجموعة السبع عند 30.7%.

نظام متعدد القطبيةً

إلى جانب ذلك، تعمل مجموعة بريكس على تحقيق مجموعة من الأهداف والغايات الاقتصادية والسياسية والأمنية عبر تعزيز الأمن والسلام على مستوى العالم والتعاون الاقتصادي بين الدول الخمس، وهو ما من شأنه أن يسهم في خلق نظام اقتصادي عالمي ثنائي القطبية.

ومن بين الأهداف الرئيسية الأخرى للمجموعة رغبة القوى الخمس الناشئة في تعزيز مكانتها على مستوى العالم من خلال التعاون النشط فيما بينها.

السعودية تتجه شرقًا وغربًا

وتعد السعودية عملاق النفط في العالم، وهي إحدى دول مجموعة العشرين، وتسعى للتحول إلى قوة كبرى – عظمى بالمعايير العالمية، اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وتقنياً؛ وهذا يستلزم تجميع أوراق القوة الاقتصادية والنفطية في وتعظيم تحالفاتها، ومد خطوط اتصال وسلاسل الأمدادات مع شركاء أقوياء في الشرق والغرب والشمال والجنوب، على قاعدة المصالح والاحترام المتبادل وسياسة عدم التدخل.

تعزيز القوة السعودية الصاعدة

ولا شك في أن انضمام السعودية إلى “بريكس” سيكون إضافة سياسية وجيو اقتصادية ذا مغزى استراتيجي يعزز رصيد القوة السعودية الصاعدة، وبالمثل تُكسب الرياض التحالف ثقلاً أكبر وتزيد أنصبته وقوته وثقله في الاقتصاد العالمي، بوصفها مركز الثقل الاقتصادي والسياسي في الشرق الأوسط والاسلامي ، ولاعباً مرموقاً وصانع قرار على المسرح العالمي.

ويرى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أن اللحظة الراهنة بمثابة فرصة تاريخية لاستثمار إمكانات بلاده الهائلة في إعادة التموضع الكامل فالمملكة تقود مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومنظمة “أوبك+”، وترغب بتعزيز الروابط الاقتصادية والسياسية، مع “بريكس”، من دون أن تفقد حرارة شراكتها الاستراتيجية مع واشنطن؛ واستمرارية تحالفها مع الغرب والحفاظ على توازن علاقاتها مع القوى العظمى.

وعندما تعيد السعودية تموضعها في المشهد العالمي وتقترب من مجموعة بريكس الصاعدة، فإنها تعيد صياغة النظام العالمي المتعدد الأقطاب وتعظم تحالفاتها وفق مصالحها العليا بعيدًا عن سياسة الاملاءات ورفض التدخلات.