قصة حب مُدمعة ولحظات لا تُنسى ترويها زوجة الشهيد العنزي لـ”المواطن”

الثلاثاء ١٥ نوفمبر ٢٠١٦ الساعة ١٢:٤٩ صباحاً
قصة حب مُدمعة ولحظات لا تُنسى ترويها زوجة الشهيد العنزي لـ”المواطن”

المواطن – حسين المصعبي – وليد الفهمي – الجوف

هذه قصة حب جمعت بين شيئين ثمينين في الحياة، الوطن وحب الزوجة، جُمعت كلها في قلب شخص واحد، حازها جميعًا، فعن الوطن دافع وشكل مع زملائه درعًا حصينًا لحماية حدوده الجنوبية؛ ليكتب بقطرات دمه الطاهرة قصة كيف أُضحّي لوطني، وعن الزوجة شكلًا ثنائيًا ليرسما عشقًا لا ينتهي معناه.

هذه القصة كان بطلها شهيد الوطن ثامر بن ناير العنزي صاحب الـ 24 عامًا، الذي عاش بجوار والدة أماني زوجته فترة طويلة قبل أن يتزوج أماني.

وتروي زوجة الشهيد أماني الرويلي لـ”المواطن”: “التحق ثامر بالخدمة العسكرية في عام 1435هـ، وكون ثامر كان مميزًا في إحدى الدورات، والتي منح أسبوعًا إجازة على أثرها، ليتقدم في ذلك الأسبوع بالخطوبة مني، والتي كانت في يوم الأربعاء الموافق 28 – 10 – 1435هــ، ولم أطلب منه مهرًا، بل هو من منحني مهرًا كهدية وتقديرًا منه لي واحترامًا منه لي بمقدار 100 ألف ريال”.

وتضيف أماني: “أصبح الحلم الذي كنّا نتمناه حقيقة، ارتمست الابتسامة على محيانا، ودخلت السعادة أجوائنا في يوم الأربعاء ليلة الخميس 20 – 5- 1436هـ، وهو اليوم الذي اجتمعت فيه أنا وثامر في عش الزوجية”.

وتابعت زوجة الشهيد: “مُنح ثامر -رحمه الله- إجازة لمدة 45 يومًا لنقضي فيها أجمل الأوقات المليئة بالحب والسعادة لأشعر حينها أنني أصبحت أسعد إنسانة على وجه الأرض كون من سكن قلبي قبل الزواج أصبح بجواري، وملكي أنا وحدي، كما شعرت ألا أحد يملك ما أملك من سعادة وحب كونه جواري”.

وأضافت أنّه: “كان دومًا يقوم بذبح عدد من الولائم عند قدومه من عمله بجازان بعد انتهاء فترة عمله، التي تستمر ببعض الأحيان لمدة أسبوعين، وذلك صدقة منه عن والدي رحمه الله، بالاضافة إلى حثي على زيارة شقيقاتي بمنطقة تيماء باستمرار، والتي تبعد عن منزلنا ما يُقارب 550 كم”.

وأردفت زوجة الشهيد: “عند بدء عاصفة الحزم تم استدعاؤه للمشاركة مع أبطالنا على الحدود الجنوبية، وبالذات في منطقة جازان، ولم يكن في بالي أن تاريخ 13 – 10 – 1436هــ، سوف يكون آخر يوم أشاهد فيه البطل والشهم والشجاع زوجي ثامر، والذي لم يفارقني لحظة منذ زواجنا، حيث أحسست بألم الفرقة وصعوبتها منذ لحظة إخباره لي بأنه سيكون أحد الدروع الحصينة لحدود وطننا الغالي لنذرف الدموع كلينا قبيل فراقنا”.

واستكملت: “كنت أتحدث مع ثامر وأخبره بإصراري ورغبتي في الذهاب معه إلى منطقة جازان لأكون قريبةً منه، إلا أنه رفض خوفًا عليّ، وأصرّ على أن أذهب إلى زيارة أخوالي في الأردن لأتسلى معهم وأنسى ألم الفراق والبُعد”.

وأردفت: “كانت تراودني أحلام مزعجة جدًا، وهو ما أثار قلقي على ثامر، وكانت من تلك الأحلام أنني شاهدته   يمشي بعيدًا وأنا أناديه لكن دون جدوى، حيث مع كل نداء له يزداد بُعدًا عني وقمت بالاتصال على أحد المفسرين لكي يفسر لي ما كنت أشاهده خوفًا من مستقبل يأتي عكس ما رسمته، ولكن تفسيره كان أنّه عبارة عن عين وحسد ونحوه، وكان في الوقت نفسه ثامر يشعر بأنه متضايق ويرغب في رؤيتي ويتمنى أن يرزق بابن يحمل اسمه ويسمى باسم رائد إلا أن القدر كان أسرع”.

وأوضحت أنها: “بعد أن قضيت أيامًا مع أخوالي في الأردن عدت إلى السعودية مساء يوم الجمعة، وأنا كلي شوق  لرؤية البطل الذي طال انتظار رؤيته، حيث كان من المقرر عودته لأهله وأحبابه يوم الإثنين”.

وكشفت: “(الله يا أمونة تأمنين بالله مشتاق لك بالحيل).. كانت هذه في آخر يوم أتلقاها من ثامر، حيث كنت متضايق جدًا، وقام بإرسال هذه الرسالة لي”.

وألمحت إلى أن: “في آخر يوم قمت بقراءة سورة البقرة كاملة ذلك اليوم، وأجريت اتصالًا بثامر والدموع تسقط خوفًا عليه، والذي طمأنها أنه في خير ولله الحمد، وفي قرابة الساعة 12 ليلًا تحدث إلي مرة أخرى، وقال لي “أبي أنام نومة طويلة”، وقام بعدها بإرسال رسالة نصية لم أفسر ما تحمله من معاني بدأت بالله يوفقك، وانتهت “كلي غريب أنا”، والذي حس أنه لن يراها مرة ثانية بنبرة حزن ودموعه تتساقط خلال حديثه معها، كما أنه كان دائمًا يقول لي “أنتصر أو أستشهد ولا أترك الحد الجنوبي” تلك الرسالة هي التي تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي”.

ولفتت إلى أنه: “وفي تلك الليلة حلمت حلمًا سيئًا، وعندما أستيقظت من النوم وجدت كل ما في الغرفة من أشياء وقعت على الأرض لأصاب بالدهشة، وأركض مسرعة إلى والدتي لأخبرها بذلك، والذي كان عبارة عن رسالة تحمل أخبارًا غير سارة أخبارًا تنهي أحلامي وتحطم سعادتي والتي هي استشهاد أغلى من سكن قلبي”.

وأشارت الزوجة قائلة: “قمت بإجراء أكثر من اتصال في ساعات الليل المتأخرة، ولكن لم يكن هناك إجابة من البطل ثامر، ليغلبني النعاس وأخلد للنوم، بعدها قام ثامر بالاتصال بحدود الساعة 6.30 صباحًا وحتى الساعة 7 صباحًا، ولم أجب كوني نائمة ومرهقة، فقام بالاتصال بوالدتي وأخوتي ليكون هذا الاتصال آخر عهدهم به، حيث انتقل إلى جوار ربه، مستشهدًا ومدافعًا عن دينه ووطنه في تاريخ 9 – 11- 1436هــ عند الساعة 11 صباحًا”.

وأكدت: “كنت في ذلك اليوم في إحدى الدورات التدريبية بإحدى الجمعيات، ولم أكن أشعر بالراحة؛ فبالي مشغولًا مع ثامر، حيث لم أكن أعلم ما حدث حتى له في حينها، أو استغربت أن مدير الجمعية أنهى الدورة مبكرًا، فقد تمّ إبلاغه بخبر استشهاده من قِبل والدتي، وعند عودتي للمنزل قمت بشراء بعض الحلويات فرحًا بأن ثامر سوف يعود.. وتفاجأت عند دخولي للمنزل ببكاء العاملة المنزلية لدينا وأصابتني الدهشة، ولم أكن أعلم أنها تبكي ثامر. وكانت والدتي ترغب بالحديث معي في شكل غريب، وإصرارًا منها؛ فوجّهت لي سؤالًا غريبًا” في أغلى من أبوك”؟ فقلت وبدون تردد نعم ثامر “لترد عليها مباشرة أنتي مؤمنة بالله وبالقضاء والقدر لتحل الصاعقة علي وأدركت حولها أن بكاء العاملة كان لسبب مغادرة ثامر حياتنا، وأصبت حينها بالإغماء”.

وبمزيدٍ من الألم تابعت قولها: “بعد وفاته كنت مُصرة على رؤيته لأشبع عيناي منه، لكن كانوا يخبرونني بأن جثمانه لن يصل إلا بعد يومين في محاولة منهم لمنعي من رؤيته، خوفًا علي، لكنني أخبرتهم بأنني أريد أن أراه مهما كان الثمن ليلبوا بذلك رغبتي، وفي تمام الساعة الثانية فجرًا وعند وصوله للمستشفى تفاجأت بوجود أعداد هائلة من الأشخاص تجاوز عدد من حضر لوفاته عدد من حضروا لمشاركته فرحة زواجه”.

وأضافت: “حاول الكثير من منعي من رؤيته لكنني أصريت على ذلك، وتمكنت من مشاهدة جسده الطاهر والذي كان أشبه بجسد شخص يغط في نوم عميق، قمت بالحديث معه والجلوس بجواره، وأكملت في اليوم التالي المكوث بجواره حتى دخلت معه أثناء غسيله وأصررت على ألا أفارقه.. خمسة أيام عشتها لا أعلم ما يحدث بالعالم الخارجي لدي، فقد كنت أسمع لصوت ثامر وحديثه لي وفي كل مرة أركض لمصدر الصوت فرحة بأن ثامر لا يزال حيًا لكنني لا أجده”.

واختتمت حديثها بأن: “خامس يوم من استشهاد ثامر بعد انتهاء أهلي من صلاة الفجر، وذهبوا للخلود للنوم، إلا أني لم أستطع النوم من خوف كان يروداني إلا أنّه فتح باب الغرفة التي أنا بها، ودخل على ثامر وأنا أشوفه وتحدث إلي بقوله: أماني لا تبكين أنا عند الله بخير وبالجنة إذا بكيتي بزعل منك، حيث أكدت أنها لا تستطيع التحرك أو التحدث معه، والذي جلس بجواري لمدة ثلاث ساعات، إلا أن غالبني النوم وخلدت للنوم وقمت من النوم”.

فيما شيّعت جموع غفيرة بمنطقة الجوف، ابنها شهيد الواجب الجندي ثامر بن ناير العنزي، أحد منسوبي حرس الحدود، الذي استشهد إثر مواجهات مع مصادر نيران من داخل الأراضي اليمنية؛ حيث كان من المرابطين بالخطوط الأمامية في قطاع الحرث بمنطقة جازان.

وشارك وكيل الجوف للشؤون الأمنية عبد الرحمن بن نجم البادي، ووكيل الإمارة والمساعد للشؤون التنموية المهندس عبد العزيز بن أحمد الموسى؛ الصلاة على الشهيد في جامع السبيعي بمدينة سكاكا.

كما أدّى صلاة الميت على الشهيد مدير شرطة منطقة الجوف اللواء قحاط بن محمد آل قحاط، وعدد من مديري الإدارات الحكومية والضباط وأهالي المنطقة وذوي الشهيد.

وقدّم وكيل إمارة منطقة الجوف، تعازي ومواساة القيادة الرشيدة إلى أخوة وأقارب الشهيد العنزي، سائلين الله –تعالى- أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يتقبله في منزلة الشهداء.

يُذكر أن أماني الرويلي زوجة الشهيد شاركت في ملتقى “حكايا مسك” الأخير الذي أقيم في جدة من تنظيم مركز الأمير محمد بن سلمان للشباب “مسك” لتعريف المجتمع السعودي بحياة جندي ضحّى بنفسه للدفاع عن وطنه.

رسالة العنزي

ثامر - 1 (1)

ثامر - 1 (6)