يناقش فكرة التباعد الاجتماعي بوعي مختلف

الموسيقار شكري عاشور لـ”المواطن”: لحن “في قلبي وطن” قبلة على جبين السماء

الإثنين ١٥ يونيو ٢٠٢٠ الساعة ٩:٥٧ مساءً
الموسيقار شكري عاشور لـ”المواطن”: لحن “في قلبي وطن” قبلة على جبين السماء
المواطن ـ نداء عادل

لحنٌ راقٍ وباقٍ، هو قبلة على جبين السماء، وصفعة على وجه الظروف تلك التي باعدت بيننا وجعلتنا مجبرين نفقد أحبة دون أن نتلمس وجودهم في محيطنا القريب، منذ انتشار جائحة فيروس كورونا “كوفيد- 19″، وحتى يومنا هذا. كل تلك الهواجس، ومع الضرورة الحتمية للتباعد الاجتماعي، صرنا بحاجة لوعي من نوع مختلف، وعي يشمل كيف نمارس التباعد دون أن نخسر من نحب، دون أن نقصر في واجباتنا الإنسانية والمجتمعية، دون أن نكون سببًا في تدمير وطننا.

وهذا ما أراد الموسيقي شكري عاشور، من أهالي القطيف، أن يضع يده عليه من خلال إصداره الأخير أغنية “في قلبي وطن”، التي تترك بصمة مختلفة عن كل ما سبقها من أغانٍ كتبت منذ بدء جائحة كورونا وحتى يومنا هذا، فهي تظهر الأمل في غد مختلف، وتظهر للمستمع والمشاهد كيف يمكننا أن نتعايش ونحن نحافظ على حياة من نحب.

وفي حديث خاص إلى صحيفة “المواطن“، أكّد الموسيقي شكري عاشور، أنَّ الفكرة تكمن في أنَّ الناس في كل مكان من العالم، ملّت من الحبس النفسي أكثر من الجسدي فلم يعد لديهم طاقة لاحتمال هذا التباعد الاجتماعي، وهو ما صار أحد مهددات الحياة لو لم ننفذه تمامًا كما يراد لنا أن نفعل؛ حتى لا نخسر من نحب إلى الأبد.

وأوضح أنَّ “النفس البشرية يأخذها الزخم الإعلامي رغم أهميته إلا أن الكثير من الأخبار في وسائل التواصل صارت تبث الخوف أكثر من الطمأنينة، ما يجعل الإنسان مشغول نفسيًّا بالواقع الذي يدفعه إلى حالة متراكمة من الخوف، ليس على نفسه وحسب، بل على محيطه، فضلًا عن تأنيب الضمير الذي يتولد من احتمال أن يكون سببًا في نقل العدوى، مع القلق من تأخر ظهور الأعراض، وهو أمر نابع من الحب الفطري الذي يجمعنا بالإنسانية”.

وأضاف: “في الوقت نفسه، وجدت نفسي مسؤولًا كأي مواطن في هذه الأرض، عليه أن يؤدي واجبًا؛ إلا أنّني لم أجد في نفسي حاجة لقول (خليك بالبيت) رغم أنها جملة مهمة إلا أنَّه تم تداولها كثيرًا، والوطن لن يكون بخير إلا لو كان هناك وعي بالمرحلة التي نعيشها وتعيشها السعودية، بما يلامس العاطفة والوجدان معًا”.

وكشف عاشور، أنّه حين تحدّثت إلى الشاعر مالك فتيل عن الفكرة الممكن طرحها، تمكنا من فهم الحالة التي نبحث عنها، فولد النص الذي قال فيه:
هذا كل اللي تشوفه       كله من خوفي عليك
مبتعد عنك… عشانك      ماهو بإيدي او بيديك
حابس أشواقي إلك        نفسي مرّه احضنك
لكن افـ قلبي وطن         يسوى عمري والزمن
ملتزم محبته حرصي      وخوفي عليه
وعيي كله واحترازي       وعزلتي منه إليه
والوعد بكرة يا غالي       بكرة بكرة مو بعيد
نزرع ادروب المحبة         نلتقي فرحة وعيد

وفي شأن سيناريو الفيديو كليب الذي تمَّ وضعه للأغنية، بالتعاون مع شركاء النجاح فريق “ريكوردينج” للإنتاج الفني، وتوزيع الموسيقي رفيق عدلي، وكلمات الشاعر مالك فتيل، بيّن الملحن والمطرب شكري عاشور، في حديثه إلى “المواطن“، أنَّ الكلمات تطلّبت مشاهد إنسانية عميقة جدًّا، لتكمل اللحن وتترك بصمة في وجدان المتلقي، فعلى سبيل المثال لا الحصر، لغة العيون فيه عبّرت عن العناق الذي حرمنا منه بسبب التباعد الاجتماعي، وبها كانت هناك عودة إلى لقطات الحياة الجميلة، وحالة الاحتواء التي تجسد طقسًا من طقوس العبادة بالنسبة لنا، عبادة الحب والتراحم.

وأشار إلى أنَّ “العلاقات الأسرية تتميز بالاحتضان، وهو منهج لو وُجِد في الأسرة لردم أي خلل نفسي، وهو ما حاولنا أن يتجسد من خلال العناق بيني وبين ابني حسين، وهو منهج حياة أعتنقه، لذا كان هناك لقطة طبيعية من الماضي تظهر أولًا بالأسود والأبيض ثم ملونة تدريجيًا، للنتقل إلى الحاضر ونقول إنها المستقبل أيضًا، وليست مستقبل ابني وحسب، بل مستقبل كل الشباب في يومنا هذا، لاسيما أننا لا نفرض عليهم حياتنا، بل نترك لهم الطريقة في اختيار عيشهم وهوايتهم، ونتدخل للتقويم بمحبة”.

وبيّن الفنان شكري عاشور أنَّه “بالانتقال إلى مشاعر الأخوة، لاسيما حين تتحول إلى صداقة، فتصبح أسمى، فالمشاعر هنا أكبر وأعمق من أن تترجمها العادات والتقاليد، ولذا كان المشهد أخي خالد مع أختي التي عاشت أكثر من 35 عامًا خارج المملكة، وكانت في زيارة لنا حين بدأ حظر الطيران، لتظل عالقة هنا بعيدًا عن عائلتها في النمسا”، مشيرًا إلى أنَّه “بالعودة إلى الأغنية، أجد أنّني أحمل رسالة ضمنية، بأنّه لن يكون الناس بخير ما لم يحبوا بعضهم حقيقيًّا ويكونوا مهتمين لأمر بعضهم”.

وكشف عاشور أنَّه “استغرقني التلحين والتنفيذ شهرين كاملين، حتى وصلت بعد مشاورات عدة مع من هم حولي إلى هذا اللحن، إثر صراع كبير مع الذات للخروج بلحن متماسك، يحتوي الشجن، والأمل، وللعود هنا دور كبير، فهو المشارك بالعناق في هذا العمل، ويجسد نعومة حنان الأم والأخت والجد، وكل العلاقات الإنسانية الأخرى، ويترجمها إلى نغمات تحمل الحنين الطبيعي فينا، مبرزًا أنّه “كان لزوجتي لينا الحسن أثر كبير في اكتمال هذا اللحن، الذي أعتقد أني لا أكرر فيه نفسي، بل وأنقل فيه الصورة التي نريد إيصالها في هذه المرحلة المؤلمة، فمن الصعب أن تصل إلى المتلقي دون أن تلامس مشاعره، باللحن والكلمة والصورة، وهو ما أدى بنا إلى هذا اللحن السهل الممتنع، الذي لو دخل القلب ممكن أن يترك بصمته، ويحفر في الذاكرة بترك رسالة معنوية واعية، تخاطب الوجدان دون الاستعراض بالقدرات الفنية، فبالنهاية مسؤوليتنا أن نصل بالرسالة بطريقة رشيقة، محمّلة بالإلهام من الكلمات التي كتبها الشاعر المبدع مالك فتيل، والذي كان على يقين بأنه يحاور متلقًا واعيًا”.

وشدّد عاشور، في ختام حديثه إلى “المواطن“، على أنَّ “الكيان الفني لابد أن يحترم المتلقي ووعيه، وعن نفسي أحترم المستمع الذي يتابع الأغنية بإصغاء، وهو ما يجبرني على الارتقاء إلى مستوى نضجه الحسي والإنساني”، موضحًا أنَّه “ليس من السهل إعداد عمل يغير فكر الناس، ويؤثر فيه، ويغير مسار توجهاته، على المدى البعيد ربما، فرسالة العمل هنا أعمق من فكرة التباعد الاجتماعي وحدها، بل تبيّن امتداد الاحتواء، وأثره على بنا الإنسان، والأساليب التي يمكننا أن نعوّض بها هذا التباعد الاجتماعي التي فرض علينا دون سابق إنذار”.

 

 

يذكر أنَّ للفنان شكري عاشور إنتاجات سابقة، منها أرض القطيف الحبيبة (2010)، ومن هنا (2012)، وقلبي يفيض (2014) ومشروع “غناتي القطيف” ألبوم (2018)، وديرة محبة (2019) وأخيرًا في قلبي وطن (2020).

 

تعليقك على الخبر
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني | الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
  • عصام أحمد القفشات

    أبدعت يا صديقي رسالتك واضحه وهادفه والله يوفقك يارب

  • ...................

    ماشاء الله، لكل مناسبة عمل فني مستقل بجهد جبار من كلمات ولحن وأداء متقن وإبداع
    ، موفقين ونتطلع لأعمال جديدة في المستقبل القريب بمناسبات الخير بعيداً عن الجائحة.

إقرأ المزيد