مبنى الهليوكيود.. كيف تحول شعار حداثة فنزويلا إلى جهنم الأرض

الجمعة ١٥ سبتمبر ٢٠١٧ الساعة ٤:٤٠ مساءً
مبنى الهليوكيود.. كيف تحول شعار حداثة فنزويلا إلى جهنم الأرض

دومًا ما تحكي المنشآت التاريخية والعلامات المميزة للمدن المختلفة حول العالم، العديد من القصص وراء طابعها وحكايتها التي تتصل بشكل مباشر بحياة الشعوب وطموحاتها، والأطوار المختلفة التي مرت بها، وصولًا إلى صورتها الحالية.

مبنى الهليوكيود في فنزويلا، كان أحد المباني التاريخية التي شهدت على مراحل تطور المجتمع والأهداف العامة للدولة على مدار السنوات المتلاحقة، فالبداية التي كانت يشهد لها على أنها ثورة التطوير والحداثة، وحاملة طموحات الشعب الفنزويلي في التغيير والرقي والرخاء، لم تستمر طويلًا ليصبح المبنى الآن شعارًا للاعتقالات وجحيم السجون في البلاد.

بداية المبنى:

تم تصميم الهليوكيود في بداية الخمسينات من القرن الماضي، كمركز عالمي للتسوق، يحمل في طياته عبير التقدم والرقي للبلاد، وهو ما أسهم في إعطائه نسقًا غير معتاد على مستوى تصميمه الخارجي، بحيث يمكن النظر إليه ورؤيته من أي بقعة في عاصمة.

طابع الحداثة كان هو السمة الغالبة على تصميم المبنى، والذي يمتلك مسافة ميلين من المنحدرات الحلزونية المتشابكة، في نسق اعتبره الشعب الفنزويلي طابعًا للثورة الحديثة والتغيير والرقي، وتمشيًا مع روح الحداثة والإبداع التي سادت العالم في أعقاب الحرب العالمية الثانية.

وشمل التصميم مساحة لـ300 متجر، وأماكن لوقوف السيارات لكل منها. كما تضمن أيضًا خطط لفندق وصالات عرض، إلا أن كل ذلك لم يكتمل، لاسيما وأن خطط التطوير التي وضعتها الحكومات المختلفة في فنزويلا لم يكتَب لها النجاح، لاسيما مع معارضة المواطنين أنفسهم.

مراحل التحول:

تحولت المناطق المخصصة لبيع السلع الكمالية التي كانت ضمن أهداف المبنى في بداية الأمر إلى ملاجئ للمشردين، ثم زنزانات السجون ومقر للشرطة، وفي نهاية المطاف تضمنت غرف التعذيب التي وصفها السجناء السابقون بأنها “جهنم على الأرض”.

حاولت عدة حكومات فنزويلية إعادة تشكيل الهليوكيود كمتحف أو مركز ثقافي، ولكن كل الجهود انتهت بالفشل، فالتحول من رمز آمال فنزويلا إلى شعار الفشل والقمع كان بطيئًا ومعقدًا، حيث بدأت بانقلاب، وامتد على مدى عقود من الدكتاتورية والديمقراطية، من خلال حكم 14 رؤساء وعدة دورات من ازدهار النفط والكساد.

كانت السنوات الأولى من التخطيط والبناء من التقدم المطرد والتفاؤل، وأبدت العديد من الجهات الخارجية عزمها الدخول كمستثمرين في تشغيل المبنى، إلا أن انقلاب 1958 الذي أطاح بالديكتاتور ماركوس بيريز جيمينيز من السلطة اجتاح أحلام إقامة مركز تجاري ضخم إضافة إلى العشرات من المشروعات التي كانت قد وضعت خططها فعليًّا في البلاد.

وفي الوقت نفسه، كانت العاصمة تتغير حوله، حيث انتقل السكان الأغنياء في المدينة شرقًا، وامتدت الأحياء الفقيرة جنوبًا، حتى إنهم جميعًا اجتاحوا الهليوكيود.

القمع والتدهور:

أصبح المبنى الذي كان شاهدًا على بدايات التطوير والروح العصرية في فنزويلا، شاهدًا على العديد من الجرائم والقمع في حق السجناء، خاصة من أصحاب الرأي.

لم يتحرك الشاغلون الأوائل للمحلات التجارية في نشاطاتهم بصورة قوية، وهو الأمر الذي أدى بالحكومة إلى الاعتقاد بأن الأمر يسير نحو اللا شيء، ولذلك فإنه عندما اجتاحت الانهيارات الأرضية مساحات من بلدة مجاورة، نقلت الحكومة 500 عائلة مشردة إلى ملاجئ مؤقتة على المنحدرات في سبعينات القرن الماضي، وهو الأمر الذي كان بداية خروج الشكل الخارجي للمبنى عن الإطار والنمط الحديث الذي صمم من أجله.

كانت الظروف والعوامل الأساسية لحياة اللاجئين في منتهى السوء، فلم يتم تركيب الكهرباء ولا إمدادات المياه على الإطلاق، ومن ثم لم يقدم المبنى سوى القليل من الحماية لتلك العناصر المشردة.

تمددت التركيبة السكانية بشكل دائري حول مبنى الهليوكيود، وهو الأمر الذي أدى إلى ظهور تركيبة جديدة من السكان الذي يميلون إلى خط الفقر، وهو ما جاء على عكس الخطط التي تم بناء الهليوكيود من أجلها أساسًا.

وقد تم بناء تكرارات مختلفة لقوات المخابرات والأمن في المبنى منذ عام 1985، حيث كانت الطوابق العليا بمثابة مكاتب والسفلى للسجن، كما بدت الغرف صغيرة وضيقة، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى طبيعة خادعة لتصميم المبنى نفسه.

الوضع الحالي:

فشلت كل محاولات هوجو شافيز الرئيس الشعبي لفنزويلا، والذي لا يعرف الكلل لاستغلال الهليوكيود، والذي وصفه بأنه “ملعون” و”هام جدًّا”، وأمر في وقت ما أجهزة الاستخبارات بالمغادرة ووعد بتحويل المنحدرات إلى مركز اجتماعي، لكن الضباط وسجنائهم لم يغادروا أبدًا، ولم يتحقق المشروع الكبير حتى الآن.

ولا توجد سجلات لمن سجن في السنوات الأولى، غير أن أول رجل يعرف أنه احتجز لآرائه المُنجم، خوسيه برناردو غوميز، حيث كان قد اعتقل في التسعينات للتنبؤ بالوفاة الوشيكة لرئيس البلاد آنذاك رافائيل كالديرا، وهي جريمة تبدو غريبة مثل المبنى الذي كان محتجزًا فيه.

وقالت روزميت مانتيلا، وهي ناشطة اجتماعية: إن “الهليوكيود هو مركز التعذيب في فنزويلا، فهو جحيم على الأرض”.

وقضى سجين رأي على علاقة بمنظمة العفو الدولية، عامين ونصف العام في السجن، وتعرض للعذاب النفسي والإيذاء البدني، لكنه يعتقد أنه نجا من التعذيب الأكثر مرارة بفضل حملة دولية لإطلاق سراحه.