الأحد ١٧ مارس ٢٠١٩ الساعة ١٠:٣٢ مساءً
حربٌ على العقول!

يقول مالك بن نبي في كتابه “شروط النهضة”: “إن الوضع خطير، لكنه لا يدعونا إلى اليأس من إصلاح ما نحن فيه”.
تعاني المملكة اليوم من حربٍ شعواء لا تقلُّ أهميةً عن الحروب العسكرية؛ ألا وهي آفة (المخدرات)، فبهذه الأداة استطاع العدو تكوين العقول الهجينة والمشوهة، بدلًا من أن تكون نيرةً حاذقة.
سأتحدث هنا من جانب نظري تحليلي، بعيدًا عن مخاطر المخدرات الصحية على الإنسان, واستخدام هذه (العلّة) في الحروب السياسية البحتة؛ والتي ليس لها علاقة مباشرة بالتجارة المادية الربحية للمنظمات غير القانونية.
تنشأ المجتمعات المتقدمة من خلال بنائها الفكري الكامن في ذاتها، فالعقل باعتباره وسيلة؛ يكون هو الحالة الجنينية لأي فلسفة مشروع تنظيمي ضابط لأفراد مجتمعه, ولكي نقوّض مشروعًا حضاريًا معاصرًا فلا بدّ أن نبدأ بالهيمنة على العقل المجرد؛ سواء من إعادة في برمجة الوعي، أو زرع أزمة المفهوم.

وأولى الغارات على العقول تكون بتشويه الصورة الثقافية والهوية الدينية عند الأفراد، كونها الحارس الأمين لكينونة المجتمع, فإذا نجح العدو بأول تحركاته؛ يكون قد أحدث تغييرًا وتحولًا في أيديولوجيا أو كمونية العقل وتصوراته.
وفي ثاني غاراته، يستثمر العدو (المتربّص) وصلة الإعلام بشتى أنواعها – ويجب أن أنوه هنا؛ أن (هوليود) هي أضخم الوسائل الدعائية التي عرفها التاريخ البشري -؛ من خلال نشر ثقافات متطفلة, تصاحبها رقصات وشعارات أو وإيحاءات ترويجية غير مباشرة للمواد المخدرة, كرقصة الـ “DAB” مثلًا؛ والتي شهدت أزمة مفهوم بين “التوعية والتعريف”؛ من خلال شن بعض الجهات الإعلامية -من غير المتخصصين- موجة نقد حادة طالت المشروع الوطني للوقاية من المخدرات “نبراس”؛ زاعمين أنها أعطت نتائج عكسية بعد أن كشفت عن أصل (الرقصة) وإبانة معانيها للمجتمع, فوقع النقد الإعلامي “لنبراس” في أزمة المفهوم, دون أي اعتبار لزمن العولمة, أو الوسائل الدعائية الحديثة للمنظمات والدول الراعية للمخدرات، فمفهوما “التوعية والتعريف” هما مفهومان اشتبكا وتداخلا؛ فالتوعية باتت مطلبًا وضرورة ملحّة، أما التعريف فهو موجود أساسًا من خلال الأساليب التي ذكرناها آنفًا, مع ضعف الحصانة المجتمعية في ظل التعرض السهل للوسائل الدعائية.

وبعد أن يخلص العدو من غاراته، يكون قد مهد طريقًا سالكًا لما أسميه “الاستعمار الفكري”؛ بإقناع العقل الناشئ بدماثة الأمر, وزرع أزمة المفاهيم في الذات, والمساس بالأفكار المتأصلة, وخلق حالة من التشويش العقلي.
إيران “بخبثها” اليوم تُطبق أسلوبًا مستنسخًا مما فعلته “كوبا” في هدم الشباب الأمريكي، عندما عجزت عن مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية عسكريًا واقتصاديًا، فنلاحظ الارتفاع السنوي في نسبة المخدرات المهربة عبر المنافذ الحدودية السعودية – برًا وبحرًا وجوًا – مما يوحي أن المخدرات ستكون حربنا القادمة حتميًا، وأسس النهضة تنطلق من صيانة العقل، واتّقاء الذات.